موسكو – (رياليست عربي): في خطوة استراتيجية تعكس التوجه نحو تعزيز التكامل الإقليمي، يعتزم الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAES) إقرار خارطة طريق شاملة لـ”الطريق الاقتصادي الأوراسي” بنهاية العام الجاري. هذه المبادرة الطموحة تهدف إلى إنشاء شبكة مترابطة من المشاريع والبنى التحتية التي تربط بين الدول الأعضاء وتوسع نطاق التعاون الاقتصادي إلى مستويات غير مسبوقة.
تشير الوثائق التحضيرية إلى أن خارطة الطريق ستغطي خمسة محاور رئيسية: تطوير البنية التحتية للنقل، وتعزيز الأمن الغذائي، وزيادة التعاون الصناعي، وتعميق التكامل المالي، وبناء سلاسل إمداد إقليمية. ويأتي هذا التحرك في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جيوسياسية كبرى تفرض إعادة تعريف أساليب التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء.
على صعيد النقل والربط بين الدول، تخطط المنظمة لإطلاق سلسلة من المشاريع الكبرى تشمل تحديث الممرات البرية والسكك الحديدية بين روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا، مع إيلاء اهتمام خاص لربط الموانئ البحرية في بحر قزوين بالموانئ الروسية على البحر الأسود. هذه المشاريع لن تسهل حركة البضائع فحسب، بل ستقلص زمن النقل بين آسيا وأوروبا بشكل ملحوظ.
في القطاع الزراعي، تعتزم الدول الأعضاء تعزيز التعاون لضمان الأمن الغذائي الإقليمي، مع التركيز على تطوير التقنيات الزراعية الحديثة وزيادة إنتاج الحبوب واللحوم. وتشير التقديرات إلى أن التكامل في هذا المجال يمكن أن يرفع حجم التبادل التجاري الزراعي بين الدول الأعضاء بنسبة 30% خلال ثلاث سنوات.
الجانب الصناعي يشهد تحضيرات لإنشاء مشاريع مشتركة في مجالات الطاقة المتجددة، الصناعات الدوائية، والتكنولوجيا العالية. وتعمل الدول الأعضاء على توحيد المعايير الفنية وتسهيل انتقال العمالة الماهرة بينها، مما سيمكن من الاستفادة المثلى من المواهب والخبرات في المنطقة الأوراسية.
على الصعيد المالي، يجري العمل على تعزيز استخدام العملات الوطنية في المدفوعات المتبادلة، وتطوير آليات مالية مشتركة لتمويل المشاريع الاستراتيجية. كما تدرس الدول الأعضاء إمكانية إنشاء نظام دفع موحد يسهل المعاملات التجارية عبر الحدود.
المحللون الاقتصاديون يرون في هذه المبادرة محاولة جادة لتعزيز قدرة المنطقة على الصمود في وجه الصدمات الاقتصادية العالمية، وتقليل الاعتماد على الأسواق والسلاسل الإمدادية الغربية. وتأتي خارطة الطريق هذه في وقت تبحث فيه دول الاتحاد عن سبل لتعويض الآثار الاقتصادية للعقوبات الدولية وتغير أنماط التجارة العالمية.
من المتوقع أن تشكل خارطة الطريق هذه أساساً للتعاون الاقتصادي الإقليمي للسنوات الخمس المقبلة، مع آليات واضحة للتنفيذ والمتابعة. وتؤكد الوثائق على أهمية هذه المبادرة في تعزيز مكانة المنطقة كجسر اقتصادي حيوي بين أوروبا وآسيا، وقدرتها على جذب الاستثمارات من الشركاء الدوليين.
ختاماً، يمثل إقرار خارطة طريق الطريق الاقتصادي الأوراسي نقلة نوعية في مسيرة التكامل الإقليمي، حيث تتحول الرؤى الاستراتيجية إلى خطط عمل ملموسة. هذا التوجه يعكس إدراكاً متزايداً من الدول الأعضاء لأهمية العمل المشترك في مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية، وبناء نظام اقتصادي إقليمي أكثر استقراراً ومرونة.