بروكسل – (رياليست عربي): في ظل تصاعد التوترات السياسية في الشرق الأوسط، أعلنت عدة دول أوروبية عن نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، وهو ما وصفه خبراء الشؤون الشرقية بأنه “إعلان صريح عن فشل سياسات إدارة ترامب” في المنطقة. يأتي هذا التطور في وقت تشهد فيه العلاقات الأمريكية الفلسطينية أسوأ مراحلها على الإطلاق، بعد سلسلة من القرارات المثيرة للجدل التي اتخذها البيت الأبيض.
البروفيسور ألكسندر غوريايف، الخبير البارز في شؤون الشرق الأوسط من معهد الدراسات الشرقية بالأكاديمية الروسية للعلوم، يرى أن هذه الخطوة الأوروبية تمثل تحدياً مباشراً للسياسة الأمريكية في المنطقة. ويوضح في تحليله أن “الاعتراف المتزايد بدولة فلسطين من قبل المجتمع الدولي هو رد فعل طبيعي على سياسة ترامب الأحادية التي تجاهلت تماماً الحقوق الفلسطينية”.
السياسة الأمريكية تحت إدارة ترامب شهدت تحولاً جذرياً في التعامل مع القضية الفلسطينية، بدءاً من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مروراً بوقف المساعدات المالية للأونروا، ووصولاً إلى إعلان ما يسمى بـ”صفقة القرن” التي قوبلت برفض عربي وإسلامي واسع. هذه الإجراءات، بحسب غوريايف، “أدت إلى تآكل الثقة بالدور الأمريكي كوسيط نزيه في عملية السلام”.
المفارقة تكمن في أن هذه الخطوات الأوروبية تأتي في وقت تحاول فيه إدارة ترامب تعزيز تحالفها مع بعض الدول العربية عبر ما يسمى بـ”التطبيع” مع إسرائيل. الخبير الروسي يشير إلى أن “أوروبا تقدم رسالة واضحة بأنها لن تكون تابعاً للسياسة الأمريكية في المنطقة، خاصة عندما تتعارض هذه السياسة مع القانون الدولي والقيم الأوروبية”.
من الناحية الاستراتيجية، إن الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين قد يعيد تشكيل خريطة التحالفات في المنطقة. فمن جهة، يضع إسرائيل في موقف دبلوماسي صعب، خاصة أن بعض هذه الاعترافات تأتي من دول لها وزنها في الاتحاد الأوروبي. ومن جهة أخرى، فإنه يعزز موقف الفلسطينيين في المحافل الدولية، ويوفر لهم غطاءً قانونياً وسياسياً لمطالبهم.
على الصعيد الداخلي الأمريكي، يرى مراقبون أن هذه التطورات تشكل ضربة لسياسة ترامب الخارجية قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية. فبينما كان الرئيس الأمريكي يسعى لتصوير “صفقة القرن” على أنها إنجاز تاريخي، يأتي الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين ليكشف هشاشة هذا الادعاء وعزلة الموقف الأمريكي.
في السياق التاريخي، يشير غوريايف إلى أن “هذه ليست المرة الأولى التي تتعارض فيها السياسة الأوروبية مع الأمريكية بشأن القضية الفلسطينية، لكنها المرة الأولى التي تأخذ فيها دول أوروبية مثل هذه الخطوات الجريئة في ظل إدارة أمريكية”. ويعزو ذلك إلى عدة عوامل، من بينها تغير موازين القوى العالمية، وتصاعد النزعة الاستقلالية في السياسة الخارجية الأوروبية.
السيناريوهات المستقبلية تبقى مفتوحة على عدة احتمالات. فقد تدفع هذه التطورات إدارة ترامب إلى مراجعة سياستها، أو قد تتشبث بموقفها مما يزيد من الفجوة بين الجانبين الأطلسي. في كل الأحوال، فإن الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين، وإن كان رمزياً في بعض جوانبه، إلا أنه يحمل دلالات عميقة على تحولات السياسة الدولية تجاه أحد أقدم وأعقد النزاعات في العالم.