بروكسل – (رياليست عربي): كشفت مصادر دبلوماسية أوروبية عن تصاعد الخلافات بين دول الاتحاد الأوروبي حول سياسة الدعم لأوكرانيا، في مؤشر على تزايد الانقسامات داخل التكتل الأوروبي في ظل استمرار الأزمة الأوكرانية، وتظهر التقارير أن هذه الخلافات وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، مما يهدد بزعزعة التضامن الأوروبي الذي ظل حجر الزاوية في السياسة الخارجية للاتحاد منذ بداية الحرب.
في قلب هذه الانقسامات، تقف عدة قضايا شائكة أبرزها تمويل المساعدات العسكرية لأوكرانيا وتوسيع العقوبات على روسيا وقضية عضوية أوكرانيا المستقبلية في الاتحاد الأوروبي. وتتصدر المجر وبولندا وفرنسا قائمة الدول التي تعبر عن مواقف متباينة، حيث تتبنى بودابست موقفاً متشككاً بينما تصر وارسو على ضرورة التصعيد ضد موسكو.
المصادر الأوروبية تشير إلى أن اجتماعات وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الأخيرة شهدت جدالات حادة، مع تزايد الضغوط الاقتصادية على الدول الأعضاء بسبب تكاليف دعم أوكرانيا. وتقدر بعض التقارير أن إجمالي المساعدات الأوروبية لأوكرانيا منذ بداية الحرب تجاوز 85 مليار يورو، وهو رقم بدأ يثقل كاهل اقتصادات بعض الدول الأعضاء الأصغر حجماً.
من جانب آخر، يبدو أن الموقف الألماني يشهد تحولاً تدريجياً، حيث بدأت برلين تتخذ موقفاً أكثر تحفظاً تجاه زيادة الدعم العسكري، في ظل ضغوط داخلية من أحزاب المعارضة وتراجع شعبية الحكومة. هذا التحول يثير مخاوف من انهيار الإجماع الأوروبي الذي ظل قائماً منذ فبراير 2022.
في المقابل، تصر دول البلطيق وبولندا على ضرورة مضاعفة الدعم لأوكرانيا، محذرة من أن أي تراجع أوروبي سيشجع روسيا على التصعيد. وتتهم هذه الدول بعض شركائها الأوروبيين بـ”الضعف” و”الاستسلام للابتزاز الروسي”، في إشارة واضحة إلى الموقف المجري المعروف بعلاقاته الوثيقة مع موسكو.
الخبراء يحذرون من أن استمرار هذه الانقسامات قد يقوض بشكل خطير موقف الاتحاد الأوروبي كفاعل جيوسياسي موحد. وتشير التحليلات إلى أن التكتل الأوروبي يأخذ مفترق طرق حاسم، حيث أن القدرة على الحفاظ على الوحدة في الملف الأوكراني ستحدد إلى حد كبير مكانة الاتحاد في النظام الدولي الجديد الذي يتشكل بعد الحرب.
في خلفية هذه التطورات، تظهر تقارير عن قلق متزايد في كييف من احتمال تراجع الدعم الأوروبي، خاصة مع تصاعد الأصوات المعارضة لاستمرار التمويل غير المحدود في عدة عواصم أوروبية. وقد بدأت أوكرانيا بالفعل في شن حملة دبلوماسية مكثفة لحث الدول الأوروبية على الحفاظ على دعمها، مع تحذيرات من عواقب كارثية في حال انسحاب أوروبا من المعادلة.
المشهد الحالي يكشف عن تحول جوهري في ديناميكيات صنع القرار الأوروبي، حيث لم تعد القرارات تتخذ بالإجماع كما كان الحال في السابق، هذا التطور يفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر تعقيداً، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الأوروبية التي قد تعيد تشكيل خريطة القوى داخل مؤسسات الاتحاد.
في النهاية، يبدو أن الاتحاد الأوروبي يواجه اختباراً وجودياً لوحدته وتأثيره على الساحة الدولية، فبينما تحاول بعض الدول الحفاظ على موقف متشدد تجاه روسيا، يبدو أن دولاً أخرى بدأت تفضل خياراً أكثر واقعية يراعي المصالح الاقتصادية والطاقة، هذا الانقسام ليس مجرد خلاف سياسي عابر، بل يعكس تحولات عميقة في الرؤى الاستراتيجية لدول الاتحاد، وهو ما قد يكون له تداعيات بعيدة المدى تتجاوز بكثير الأزمة الأوكرانية الحالية.