واشنطن – (رياليست عربي): في تطور سياسي غير متوقع، تشهد مدينة نيويورك نقاشًا واسعًا حول احتمال ترشح ديمقراطي اشتراكي من أصول أوغندية لمنصب العمدة في الانتخابات المقبلة، هذا السيناريو الذي قد يبدو خياليًا لبعض المراقبين يحمل في طياته دلالات عميقة حول التحولات الديموغرافية والاجتماعية في المجتمع الأمريكي، فضلاً عن تطور الخطاب السياسي اليساري في الولايات المتحدة.
وتمثل نيويورك، المدينة التي استقبلت ملايين المهاجرين عبر تاريخها، نموذجًا مصغرًا للتنوع الأمريكي لكن فكرة وصول شخص من أصول أفريقية مباشرة إلى منصب عمدة هذه المدينة العملاقة تظل فكرة ثورية.
الظاهرة الأكثر لفتًا للنظر في هذا السياق هي الصعود الملحوظ للتيار الديمقراطي الاشتراكي داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي. بعد عقود من الهيمنة شبه الكاملة للأفكار الليبرالية التقليدية، بدأ خطاب إصلاحي أكثر راديكالية يجد صدى لدى قطاعات واسعة من الناخبين، خاصة بين الشباب والأقليات. سياسيون مثل بيرني ساندرز وأعضاء “الفرقة الرباعية” نجحوا في جعل مفاهيم مثل الرعاية الصحية الشاملة والتعليم المجاني جزءًا من الخطاب السياسي السائد.
وفي حال تحقق هذا السيناريو، سيكون له عدة تداعيات مهمة تؤشر إلى تزايد تأثير مجتمعات المهاجرين حديثًا في السياسة المحلية، خاصة من أفريقيا جنوب الصحراء. كما قد يعكس تغيرًا في أولويات الناخبين من القضايا التقليدية إلى هموم العدالة الاجتماعية والاقتصادية. يمكن أن يمثل هذا التطور مرحلة جديدة في تبلور هوية اليسار التقدمي في الولايات المتحدة، بخطاب أكثر عالمية وأقل مركزية أمريكية. وقد يختبر قدرة الناخبين على تجاوز الانقسامات التقليدية حول الهوية والعرق لصالح خطاب سياسي قائم على الأفكار.
ورغم الأهمية الرمزية لهذا الاحتمال، إلا أن الطريق إلى بلدية نيويورك سيواجه عقبات كبيرة. فبالإضافة إلى التحديات المالية الهائلة لأي حملة في هذه المدينة، هناك تحدي بناء تحالفات بين المجتمعات المتنوعة، وتجاوز الصور النمطية حول السياسيين من أصول أفريقية، ومواجهة حملات التشويه التي غالبًا ما تستهدف المرشحين التقدميين. تاريخ الانتخابات البلدية في نيويورك يظهر أن الناخبين يميلون إلى المرشحين الذين يقدمون أنفسهم كمديرين كفؤين أكثر من كونهم رمزًا للتغيير.
نجاح مثل هذا الترشح قد يرسل موجات صادمة عبر المشهد السياسي الأمريكي، نيويورك كعاصمة مالية وثقافية للولايات المتحدة تمتلك تأثيرًا يتجاوز حدودها الجغرافية، عمدة اشتراكي من أصول أفريقية في هذه المدينة قد يصبح صوتًا بارزًا في النقاش الوطني حول قضايا مثل الهجرة وعدم المساواة، كما قد يشجع ذلك على ترشح شخصيات مماثلة في مدن كبرى أخرى، ويعيد تشكيل خريطة القوى داخل الحزب الديمقراطي نفسه.
بينما يبقى هذا السيناريو في مرحلة الاحتمال، فإن مجرد وجوده كموضوع للنقاش الجاد يعكس عمق التحولات التي تشهدها السياسة الأمريكية، سواء تحقق هذا الاحتمال في الانتخابات المقبلة أم استغرق وقتًا أطول، فإنه يشير إلى اتجاهات أوسع في المجتمع الأمريكي نحو تقبل تنوع أكبر في القيادة وخطاب سياسي أكثر جرأة في طرح الحلول للتحديات الاجتماعية والاقتصادية، هذا التطور، إذا ما تحقق، قد يكتب فصلًا جديدًا ليس فقط في تاريخ نيويورك، ولكن في التاريخ السياسي الأمريكي ككل.