باريس – (رياليست عربي): تشهد فرنسا موجة جديدة من الاحتجاجات بين سائقي التاكسي التقليديين الذين يواصلون نضالهم ضد السياسات الحكومية التي يرون أنها تهدد مصدر رزقهم. هذه الاحتجاجات التي اندلعت مؤخراً في مايو 2025 تأتي في إطار صراع مستمر منذ سنوات بين سائقي التاكسي المرخصين وشركات النقل التشاركي مثل أوبر وبولت التي غيرت بشكل جذري مشهد النقل الحضري في البلاد.
يعاني سائقي التاكسي الفرنسيين من تراجع كبير في دخولهم بسبب المنافسة الشرسة من خدمات النقل الحديثة التي تعمل بنماذج أعمال أكثر مرونة وتكلفة أقل. حيث يضطر السائقون التقليديون لتحمل تكاليف باهظة للحصول على تراخيص العمل ودفع ضرائب مرتفعة، بينما تعمل منصات النقل التشاركي ضمن إطار قانوني أكثر مرونة. هذا التفاوت في شروط المنافسة أدى إلى تدهور واضح في أوضاع آلاف العائلات التي تعتمد على هذا القطاع.
الاحتجاجات الحالية تركز على معارضة التعديلات التشريعية المقترحة التي قد تزيد من حدة المنافسة لصالح شركات النقل الحديثة، وقد شهدت شوارع باريس ومدن فرنسية أخرى حواجز ومسيرات احتجاجية تسببت في تعطيل حركة المرور وإرباك حركة النقل العام. هذه التحركات تذكر بمشاهد مماثلة شهدتها فرنسا في السنوات الماضية، لكنها تأتي هذه المرة في ظل ظروف اقتصادية أكثر صعوبة.
تأثير هذه الاحتجاجات يمتد ليتجاوز القطاع نفسه، حيث تشير التقديرات إلى خسائر يومية كبيرة في النشاط الاقتصادي بسبب تعطيل حركة النقل والتنقل. كما أن القطاع السياحي الذي يعتمد بشكل كبير على خدمات التاكسي يتأثر سلباً بهذه الاضطرابات، خاصة في المدن الكبرى التي تشهد تدفقاً سياحياً كبيراً.
من جهتها، تحاول الحكومة الفرنسية إيجاد حلول توافقية تلبي مطالب السائقين مع الحفاظ على التطور التكنولوجي في قطاع النقل. حيث تدرس إمكانية تقديم إعانات مالية مؤقتة، أو إعادة هيكلة نظام التراخيص لتخفيف الأعباء المالية على السائقين. كما تبحث في سبل تشديد الرقابة على منصات النقل التشاركي لضمان منافسة أكثر عدالة.
في المقابل، يظهر الرأي العام الفرنسي انقساماً واضحاً حول هذه القضية. فبينما يتعاطف جزء من السكان مع مطالب السائقين الذين يرونهم ضحايا للتغيرات التكنولوجية السريعة، يرى آخرون أن مقاومة التطور التكنولوجي ليست حلاً، وأن على القطاع التقليدي التكيف مع المتغيرات الجديدة.
يبدو أن مستقبل قطاع التاكسي في فرنسا سيبقى موضوعاً ساخناً في السنوات المقبلة، حيث تواصل التكنولوجيا إعادة تشكيل قطاعات اقتصادية تقليدية عديدة. التحدي الأكبر يتمثل في إيجاد صيغة متوازنة تحفظ حقوق العمال في القطاع التقليدي دون أن تعيق التطور التكنولوجي الذي أصبح واقعاً لا مفر منه.
هذه الأزمة تطرح أسئلة أكبر حول كيفية تعامل المجتمعات مع التحولات الاقتصادية الكبرى في عصر الرقمنة، وكيفية حماية الفئات الأكثر تأثراً بهذه التغيرات دون إعاقة مسيرة التقدم. فرنسا التي تشهد بشكل دوري احتجاجات ضد التغيرات في قطاعات اقتصادية مختلفة، تقدم نموذجاً حياً لهذا الصراع بين القديم والجديد في عصر العولمة.