موسكو – (رياليست عربي): سلطت تصريحات الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، خلال الأيام الثلاثة الأخيرة الضوء على مستقبل الحرب (الروسية – الأوكرانية)، حيث كانت تصريحات زيلنسكي التي نقلتها وسائل الإعلام الغربية ومن ثم تصريحاته أمام وزير خارجية الفاتيكان الكاردينال (بيترو بارولين) في كييف، تغييراً جذرياً في موقف نظام كييف السياسي، حيث أكد زيلنسكي نفسه، بأنه يتوجب على الجميع الإدراك ضروروة إنهاء الحرب في أسرع وقتٍ ممكنٍ، لتضاف هذه التصريحات إلى تصريحاته السابقة في مقابلته مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، والتي أكد فيها إمكانية إجراء مفاوضات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رغم المرسوم الذي أصدره ويحظر فيه التفاوض مع روسيا، التي أكدت له في وقتٍ سابقٍ، بأنه سيلغي مرسومه، ويجلس على طاولة المفاوضات أو يستسلم، في خيارين لا ثالث لهما.
- وقد علقت وزارة الخارجية الروسية على هذه التطورات السياسية والإعلامية المتسارعة، حيث أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، صباح اليوم الأربعاء بتاريخ 24 يوليو 2024، بأن تصريحات فولوديمير زيلينسكي بشأن إنهاء الصراع الأوكراني في أسرع وقتٍ ممكن، إنما هي مرتبطة بالدورات الإنتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية.
- ولفتت المسؤولة الروسية النظر إلى أنه في السنوات الأخيرة كان هناك آلاف التأكيدات على أن (الزعيم) فولوديمير زيلينسكي مستعد لخيانة أي شخص من أجل بقائه في السلطة وتحقيق طموحاته المؤلمة، ولذلك فإن تصريحاته الأخيرة تندرج في سياق الأخبار السياسية المنتشرة في الولايات المتحدة الأمريكية من أجل التذكير بنفسه في مكان ما، والقيام بتسول المزيد من المال، ووضع أساس في مكان ما لاحقاً، لمستقبله السياسي، بسبب كثرة الخلافات بينه وبين أعضاء فريقه السياسي والعسكري والأمني.
- ويتفق مع ماريا زاخاروفا، الكثير من المستشارين في وزارة الخارجية الروسية والذين يعتقدون بأن نظام كييف الحالي والقارة الأوروبية برمتها، قد وقعت في حالة من القلق المتزايد خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة بسبب تزايد فرص وصول المرشح الجمهوري، أي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، لأن الأخير سيوقف النزاع (الروسي – الأوكراني) فوراً، ليس لأنه أكثر سلمية من خصمه الديمقراطي جون بايدين الذي انسحب من السباق الإنتخابي، وإنما لأن الأخير كان يتقصد إشعال الحروب حول العالم، وسيكون من الطبيعي أن تتوقف هذه الحروب بمجرد إعلانه التنحي عن الترشح لولاية رئاسية ثانية في واشنطن، فضلاً عن أن دونالد ترامب معروف بتوجهاته السياسة بالنسبة للقاصي والداني، لأن تجربته الرئاسية السابقة، أثبتت بأنه سيتعامل مع الملفات السياسية الدولية والإقليمية، بما فيها ملف الحرب (الروسية – الأوكرانية) وكأنها صفقة تجارية، لأن دونالد ترامب هو رجل أعمال ويريد تطوير الإقتصاد الأمريكي ووقف الحرب لأنه تضر بذلك الإقتصاد.
- فضلاً عن هذا و ذاك، لا يقلل كبار رجال السياسية والأمن الروس، وعلى رأسهم وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف نفسه، من أهمية الإنتصارات العسكرية الأخيرة التي حققتها القوات الروسية على طول جبهات الحرب (الروسية-الأوكرانية) والتي اعترف بها مؤخراً قادة نظام كييف السياسيين والعسكريين، بأنها هي التي دفعت بالعديد من قادة الإتحاد الأوروبي لزيادة ضغوطاتهم على فولوديمير زيلنسكي من أجل بدء المفاوضات المباشرة مع روسيا.
آراء المراقبين و المحللين و الخبراء في مراكز الدراسات السياسية و الإستراتيجية الروسية والعالمية:
- يرى العديد من المراقبين و المحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المطلعين على تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، مثل الخبيرة العالمية (أوريسيا لوتسيفيتش) وهي المديرة المشرفة على المنتدى الأوكراني ضمن (تشاتام هاوس) في العاصمة البريطانية (لندن)، أن الوضع العسكري الصعب التي تعيشه قوات نظام كييف باتت تجبر الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته مؤخراً، أي الرئيس (فولوديمير زيلينسكي) على التلميح إلى ضرورة بدء مفاوضات السلام مع موسكو.
- وأضافت الخبيرة لوتسيفيتش أن هذه إشارة لروسيا وإشارة إلى دول تحالف الجنوب العالمي، تفيد بأن أوكرانيا ليست قوة معرقلة نوعاً ما، وأنها مستعدة للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع قادة روسيا للخروج من مأزق الحرب (الروسية-الأوكرانية) الذي أضرَّ بإقتصاد العديد من الدول.
- فيما يرى الخبير العسكري والأمني الروسي (أناتولي ماتفيتشوك) بأن الوضع بالنسبة لنظام كييف سلبي للغاية، وهو أكثر سوءاً بالنسبة لزعيم نظام كييف (فولوديمير زيلنسكي) نفسه أكثر من غيره لسببين:
- أولاً: وقبل كل شيء، لأن الأشخاص الذين يحلون مشاكل كييف في واشنطن، بدأوا يغادرون الساحة السياسية، وهو ما يؤكد وجهة نظر الكرملين الروسي بأن أوكرانيا ليست دولة مستقلة، بل هي مشروع تجاري أمريكي يكسب منه الأمريكيون المال لا أكثر، وهنا وبطبيعة الحال، فإن الحديث يدور عن خفض حجم إمدادات الأسلحة إلى نظام كييف، بصرف النظر عمن سيتولى السلطة هناك في البيت الأبيض، وذلك لأن تجارة الأسلحة هي المصدر الخاص للدخل بالنسبة للمجمع الصناعي العسكري الأمريكي.
- ثانياً: أن الوضع الأمني بالنسبة لزيلينسكي شخصياً بات محرجاً للغاية، لأن انسحاب جون بايدن قد وضع فولوديمر زيلينسكي في موقفٍ لا يحسد عليه، لأن زيلنكسي لم يبدي الكثير من الإحترام للخصم دونالد ترامب، حيث انتقده ولطخ سمعته في كثير من المناسبات، ولم يحسب حساباً لخط العودة.
- ويؤكد الخبير الروسي أن زعيم نظام كييف (فولوديمير زيلنسكي) لم يعد بإمكانه تقديم أي شيء للأمريكيين باستثناء بعض الأصول الإقتصادية، مثل بيع الأصول الأوكرانية الصناعية والإقتصادية، وبيع بعض المواد الخام لشركة (بلاك روك)، ولغيرها من شركات الإستثمار الأمريكية المفترسة، وهذا ما يعني أن أوكرانيا كدولة سوف تختفي تماماً عن الوجود، على الرغم من أنه سيكون لها إسم (أوكرانيا)، وستكون لها بعض الحدود غير المتبلورة، لكنها لن تتمتع بالإستقلال، لا السياسي، ولا الإقتصادي.
- فيما يرى خبير روسي ثالث أكثر إطلاعاً على حقائق الأمور، هو وزير الخارجية الروسي (سيرجي لافروف) نفسه، أن بدء أي مفاوضات مع الجانب الأوكراني من قبل الجانب الروسي، هو أقرب إلى المحال حالياً، نظراً لأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان قد أعلن شخصياً في اجتماع سابقٍ له مع الدبلوماسيين من قيادة وزارة الخارجية الروسية، في أواسط شهر يونيو الماضي 2024، أن بدء المفاوضات من قبل موسكو مع نظام كييف يقتضي أن تقوم أوكرانيا بسحب قواتها من كامل أراضي المناطق الجديدة في روسيا، أي (من جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك، ومن مقاطعتي خيرسون وزابوروجيه)، وعندها فقط فإن الأعمال القتالية ستتوقف فور موافقة كييف على هذا الشرط، مؤكداً أنه يتوجب على كييف أن تخطر موسكو (رسمياً) بتخليها عن خطط الإنضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأن تلبي كييف طلب موسكو بأن تكون أوكرانيا بلداً محايداً، وبلداً خالياً من الأسلحة النووية، كي يتم التوصل إلى تسوية سلمية معها، ولكن قادة نظام كييف لم يحققوا أي من هذه الشروط التي أعلن عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو الأمر الذي ما زال يقف عائقاً بدون بدء مفاوضات جدية.
حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.
