دمشق – (رياليست عربي): شغلت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية والحفاوة الكبيرة الذي حظي بها، واستقبال المرشد الأعلى السيد خامنئي له حيزاً كبيراً في الأوساط الإسرائيلية السياسية والإعلامية لتحلل وتفند أبعاد هذه الزيارة التي رأت فيها ضرباً لكل محاولات اسرائيل لفك ارتباط دمشق بطهران التي تأخذ موقع القلب في محور المقاومة.
معبرة بأن الصورة التي جمعت الرئيس الأسد والسيد الخامنئي والرئيس رئيسي تتحدث عن نفسها ليضيفوا بأن هذه الزيارة نسفت كل ما يأمل به قادة إسرائيل من انفتاح دول عربية على سورية ومدى تأثيرها على فك ارتباط سورية مع إيران بل لترسم مرحلة جديدة من ترسيخ العلاقات بين الدولتين بمستويات استراتيجية .
لا يخفى على أحد المطالب الأمريكية الغربية المتمثلة بفك سورية ارتباطها مع محور المقاومة وعدم دعمها لها هي أحد أهم مطالب دول العدوان على الدولة السورية التي حملها وزير الخارجية الأمريكية كولن باول عقب احتلال أمريكا للعراق عام 2003 وقوبلت هذه المطالب بالرفض الشديد والقاطع من القيادة السورية، لتذهب أمريكا والغرب وإسرائيل لخيار شن حرب دامية على الدولة السورية عبر استجلاب القوى الإرهابية العالمية المتمثلة بالقاعدة وجبهة النصرة وداعش (المحظورين في الاتحاد الروسي)، وعشرات الفصائل الإرهابية الأخرى بهدف تقسيم الدولة السورية وإسقاط نظامها السياسي والمؤسساتي الرافض لكل أشكال الهيمنة الأمريكية .
على الرغم من استمرار هذه الحرب التي بدأت قبل عقد ونيف وهي مستمرة حتى يومنا هذا، صمدت القيادة السورية مدعومة من الحلفاء كل من روسيا وإيران وحزب الله وحاربت الإرهاب وانتصرت عليه في عدة محافظات سورية وبقيت سورية ثابتة على مواقفها ومتمسكة بجذورها الراسخة في محور المقاومة .
لعل ما تم نشره عبر وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية والسورية لمشاهد الاستقبال الإيراني للرئيس السوري كانت كافية لدحض كل محاولات ومراهنات البعض بفك هذا الارتباط المبني على وحدة المصير فيما يخص القضايا الاستراتيجية والتهديدات الخارجية والأمن القومي الذي سينعكس مع كل نصر على أمن المنطقة برمتها لتكون الصورة أبلغ بكثير من الكلام .
وإذا أردنا أن نقرأ ما بين السطور من خلال ما تم نشره نستطيع أن نرى القضية الفلسطينية حاضرة بشكل كبير في هذا اللقاء من خلال ما عبر عنه الرئيس الأسد بقوله إن القضية الفلسطينية اليوم تعيد فرض حضورها وأهميتها أكثر فأكثر في وجدان العالم العربي والإسلامي بفضل تضحيات أبطال المقاومة وهذا مؤشر على بدء مرحلة استراتيجية جديدة بين أطراف هذا المحور أكثر صلابة ومتانة لناحية التعامل مع المستجدات الدولية والإقليمية بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وما سينتج عن هذه العملية عالمياً وإقليمياً.
إيران التي أفشلت كل محاولات أمريكا وإسرائيل بضربها من الداخل بالإضافة إلى إفشال مفاعيل العقوبات الأمريكية القاسية على إيران وعودة أمريكا للتفاوض مع إيران بما يخص الملف النووي الإيراني وما يحمله من دليل على انتصار الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الهيمنة الأمريكية واستطاعت فرض شروطها على طاولة المفاوضات مما أعطاها حقها الطبيعي في تعزيز كونها قوة إقليمية كبرى ولا يمكن تجاهلها وهذا ما أكده وزير الخارجية الأمريكي لحلفاء بلاده في قمة النقب .
وهذا ما ساهم بشكل كبير لضرورة الاستدارة لبعض الدول المعادية لسورية وإيران للعودة للحوار مع إيران وسورية لفتح صفحة جديدة من العلاقات ولا نستبعد أن تحمل الأيام القادمة مفاجآت تتمثل بزيارات لكبار الشخصيات العربية والإسلامية التي كان لها دوراً بارزاً في العدوان على سورية لتحط رحالها في دمشق.
على الرغم من العناوين الكبيرة لهذه الزيارة بما يتعلق بالوضع الداخلي السوري لناحية دعم الاقتصاد السوري الذي يعاني بسبب العقوبات الأمريكية الغربية المتمثلة بقانون قيصر واحتلال ما يسمى التحالف الدولي لأجزاء من الجزيرة السورية تحت ذريعة محاربة الإرهاب التي تشكل الثقل الاقتصادي للدولة السورية لغناها بالنفط والغاز وسرقة الولايات المتحدة للنفط السوري وسيطرة الاحتلال التركي وجماعاته الإرهابية على مناطق السلة الغذائية للشعب السوري إلا أن هناك عناوين استراتيجية أخرى على عدة مستويات سياسية وعسكرية واقتصادية ورسم ملامح جديدة للمنطقة تتناسب مع انتصارات البلدين وتراجع الهيمنة الأمريكية على العالم .
انشغال العالم بالأزمة الروسية الأوكرانية يجعل الوقت مناسباً للرد على أي اعتداء اسرائيلي على الأراضي السورية، وقد يكون هناك ضوءاًأخضر معطى من روسيا للرد على أي اعتداء إسرائيلي بعد انخراط إسرائيل بالحرب على روسيا .
على الرغم من أن الدول لا تتعامل بالنظرية المثالية في علاقتها الدولية إلا أن النموذج السوري الإيراني مثالاً يحتذى به منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران ودعم سورية لهذه الثورة بمبادئها المعروفة للجميع وتطور هذه العلاقات بين البلدين ليصل لهذه المرحلة من العلاقات الاستراتيجية للبلدين ودعم إيران لسورية في حربها ضد الإرهاب الدولي الأمريكي الغربي الإسرائيلي وانخراط دول عربية وإقليمية في هذه الحرب أثر بشكل كبير على تطور العلاقات السورية الإيرانية وما وصف الرئيس الأسد لإيران قيادة وشعباً بالبلد الشقيق والصديق والشريك الوفي إلا دليلاً حياً على ارتقاء هذه العلاقات لمستوى المثالية في العلاقات بين الدولتين.
وفي الخلاصة نستطيع أن نقول بأن هذه الزيارة التي أتت بمرحلة مفصلية وتوقيت بالغ الأهمية من تاريخ العالم والمنطقة لناحية توجه عدد كبير من دول العالم شرقاً وتراجع نفوذ الهيمنة الامريكية وبروز قوى جديدة متمثلة بروسيا والصين وإيران والانكسارات لدول الاستعمار في عدة جبهات أحدها سورية وهذا يعني أن الوقت أصبح سانحاً لتثبيت معادلات جديدة في المنطقة يكون للدولة السورية موقعاً متقدماً فيها لناحية صنع القرار الإقليمي، وإنهاء العربدة الإسرائيلية واستباحتها للأراضي السورية والأيام القادمة ستقدم لنا الكثير من خفايا هذه الزيارة على كافة الميادين السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية .
خاص وكالة رياليست – د. حسناء نصر الحسين – باحثة في العلاقات الدولية – سوريا.
