دمشق – (رياليست عربي): “من ليس معنا فهو ضدنا” شعار اتبعته الولايات المتحدة الأمريكية عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ليتحول هذا الشعار إلى استراتيجية ترسم سياسات واشنطن الخارجية بما شكل ضربة قوية للعلاقات الدولية والقانون الدولي الذي يجب أن تحتكم الدول لقوانينه وأعرافه في علاقاتها مع بعضها البعض، وهذا ما خالفته واشنطن عبر سياساتها مع الدول المناوئة لها أو الدول التي ترى أن هذه السياسات الأمريكية لا تنسجم مع مصالحها القومية.
ناصبت الولايات المتحدة الأمريكية العداء لكل الدول التي لا تدور في فلكها وهندست مشاريع هدامة لها وشنت الحروب تحت شعار مكافحة الإرهاب الذي أوجدته واشنطن ممثلاً بالقاعدة لهزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، هذه الاستراتيجيات الأمريكية وبعد مضي أكثر من عقد عليها تبقى صالحة للاستخدام مع لاعبين دوليين جدد ترى فيهم أمريكا أكثر خطراً على بقاء هيمنتها العالمية كالتنين الصيني والدب الروسي من الدول التي حاربتها في منطقة الشرق الأوسط تحت ذريعة مكافحة الإرهاب .
والآن وبعد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا عاودت واشنطن العمل بهذه الاستراتيجية مستهدفة بذلك الدول التي لم تتخذ موقفاً واضحاً من هذه العملية وهذا الموقف يجب أن يكون داعماً لواشنطن في حملتها الهستيرية ضد موسكو، فكانت الصين أحد أهم الدول التي وصفت واشنطن تصريحاتها حيال هذه العملية العسكرية الروسية بالموقف الرمادي وسعت لاستخلاص موقف من بكين أكثر وضوحاً مستخدمة معها التهديد والوعيد .
عرفت بكين في سياساتها الخارجية باحترام قواعد القانون الدولي ومبادئ منظمة هيئة الأمم المتحدة التي تنص على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وهذا ما ميز السياسة الخارجية الصينية وجعل مواقفها مواقف متوازنة من الأحداث العالمية، إلا ان هذه السياسة الصينية لم تُرضِ واشنطن التي تريد موقفاً من بكين يدين روسيا ويؤكد على عدم دعمها لها في هذه المواجهة الروسية الأطلسية .
فكانت الاتهامات الأمريكية للصين بعلمها المسبق بموعد العملية الروسية التي أتت بعد أيام من زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لها وما تمخض عنها من نتائج أهمها الشراكة بلا حدود وما سبقها من مناورات عسكرية روسية صينية في بحر الصين الجنوبي، التي رأت فيها تحدٍّ كبير لهيمنتها.
ولأن واشنطن التي اعتادت على الهيمنة على القرار الدولي والتي لم تعتمد يوماً العمل بمبدأ الودية أو الندية في العلاقات الدولية أو احترام مصالح الدول الأخرى جعلها تنظر بعين العداء لأي قوة صاعدة أو ناشئة وترى فيها تهديداً جسيماً على كيانها وهذا دفعها لإعادة العمل بعقلية الحرب الباردة وبناء التحالفات العسكرية في مواجهة خصومها، فكان حلف الناتو الذي تشكل لتدعيم ركائز هيمنتها والآن حلف أوكوس الذي يتماهى مع متطلبات الصراع الدولي الأمريكي الجديد في منطقة شرق آسيا حيث الاقتصادات الصاعدة والدول المنتجة التي تعتبر الصين أكبرهم وأكثرهم خطراً على أمريكا .
بعد فشل واشنطن والغرب بالضغط على الصين لإدانة روسيا اتجهت واشنطن للمساس بالخطوط الحمر لدى بكين المتمثلة بأمنها ووحدة أراضيها من بوابة تايوان حيث أعلنت واشنطن الموافقة على بيع تايوان أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة 95 مليون دولار لدعم النظام الدفاعي الجوي الصاروخي باتريوت، وهذا ما اعتبرته بكين وعبر الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الصينية تدميراً للسيادة الصينية ومصالح بكين الأمنية.
ولم تتوقف واشنطن عند هذا الحد من العداء لبكين بل ذهبت أبعد من ذلك فهناك زيارة مرتقبة لرئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايوان لتكون هذه الزيارة الأولى من نوعها منذ عام 1997 مما دفع بالخارجية الصينية للرد على هذه الزيارة بالقول بأنها ستؤثر على العلاقات بين أمريكا والصين ،لافتة إلى أن بكين ستتخذ تدابير قوية في حال تمت هذه الزيارة.
أمريكا التي ترفض مبدأ الشراكة في العلاقات الدولية تأخذ العالم برمته إلى حرب عالمية ثالثة من خلال افتعال الأزمات والآن تكرر سيناريو أوكرانيا وقضية انضمامها لحلف الناتو بما يشكل تهديداً للأمن القومي الروسي مع الصين من خلال صفقات الأسلحة الضخمة التي تشكل تهديداً وجودياً للصين التي تعتبر وحدة وسلامة أراضيها تتمثل بعودة جزيرة تايوان للصين الأم.
تتعمد واشنطن إثارة مخاوف الصين عبر تمددها في المحيطين الهندي والهادئ وعسكرتهما من خلال تحالف أوكوس الذي لن يتوقف عند الدول الثلاثة ولن نتفاجأ لو سمعنا بدعوة واشنطن لتايوان بالانضمام إليه لتدفع الصين لمواجهة عسكرية مع تايوان، كانت الصين لعقود مضت أرجأته تاركة أبوابها مفتوحة للحلول السياسية، لتضع الصين مكان روسيا في وجوب اتخاذ قرار الحرب للحفاظ على أمنها القومي وبذا تكون أمريكا حققت أهدافها بالقضاء على المنافس الاقتصادي الأكبر عالمياً لواشنطن عبر إشغاله بحروب ستؤثر حتماً على مسيرة صعوده وضربه.
خاص وكالة رياليست – د. حسناء نصر الحسين – باحثة في العلاقات الدولية – سوريا.