لا تزال العاصمة الليبية طرابلس أسيرة للفوضى والعبث الذي تنتهجه المليشيات التابعة لحكومة الوفاق، هذه المليشيات التي تدعي الشرعية المنسوبة لهذه الحكومة التي لا تتحكم في أي من مؤسسات الدولة، ولا تفرض سلطتها على أي مدينة ليبية، نظرا لوقوع أغلب مدن الغرب الليبي تحت سيطرة المليشيات، والتي لا تسمح لأحد أن ينتزع منها هذه السيطرة، حتى لو كانت الحكومة التي تتخذها كغطاء لوجودها.
توقفت المليشيات التابعة لحكومة الوفاق لبعض الوقت أثناء اعتزام الجيش الليبي السيطرة على طرابلس وطرد هذه المليشيات، فاجتمعت لمواجهة الجيش الليبي، والذي كان قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على العاصمة، لولا مواقف دولية اثرت في هذه العملية، ودفعت عدة قوى منها تركيا بكامل قوتها لمساندة هذه المليشيات. لم يكن موقف المليشيات من التصدي للجيش الليبي مبني على ايمانها بشرعية حكومة الوفاق، ولا بما تدعيه من أنها أنصار للدولة المدنية فهذه المليشيات حسب تقسيمها الايدلوجي ، تنتمي لعدة تيارات منها الجهادية كمليشيا الردع ، وبعضها تابعة للقاعدة مثل مليشيات الزاوية ومليشيا النواصي، ومليشيا الأمن المركزي، وهي ذات أفكار متطرفة ولا تؤمن بوجود الدولة أصلا، غير أن فتوى ” التَقّية” تعطيها الإذن بالتعامل مع أي تيار حتى لو كان مخالفا لها، حتى تتمكن من ايجاد وسيلة لضرب هذا التيار حين يشتد عودها.
وهناك نموذج آخر من المليشيات ، تتنوع تبعيتها إلى بعض المدن مثل مصراته، أو الزاوية أو الزنتان، وهي تتركب من تجمعات لبعض المجرمين الفارين من العدالة، ومحكومين بعدة أحكام قضائية من السجن إلى السجن المؤبد أو الاعدام، استطاعوا الفرار من السجون عام 2011 وشكلوا عصابات، منها مليشيا ثوار طرابلس، ومليشيا الحلبوص، ومليشيا المرسى. كما أن عدة شخصيات ذات سوابق ارهابية ، تواجدت في أفغانستان ومطلوبة في عدة قضايا ارهابية مثل قيادات “الجماعة الليبية المقاتلة ” منهم عبد الحكيم بالحاج “سجين غوانتانامو السابق” وسامي الساعدي، وخالد الشريف المسئول عن سجن الهضبة وبعض المناطق الأخرى القريبة منها.
ورغم تراجع الجيش الليبي بناء على دعوات أممية وإقليمية لوقف الحرب في ليبيا ، إلا أن الوضع في العاصمة الليبية ازداد سوءًا، وعادت المليشيات لممارسة هوايتها في الصراع على النفوذ، وكذلك في ممارسة أعمال الخطف والابتزاز للمواطنين، والتي تصل في كثير من الأحيان للقتل. وتاريخ العلاقة بين حكومة الوفاق ومليشياتها، يعج بالخلافات ، وتتصدرها علاقة الابتزاز الدائم للحكومة ، وفشلت كل محاولات الحكومة في ضم هذه المليشيات وتنظيمها ، ووجه وزير الداخلية فتحي باشاغا عدة اتهامات لهذه المليشيات، ووصفها بالخارجة عن القانون.
مما جعل أحد قيادات هذه المليشيات يدعى عاطف بالرقيق يرد على باشاغا ومهددا بشكل صريح، عبر تصريح لتلفزيون محلي موضحا فيه أنه ليس أمام وزير الداخلية سوى الرضوخ لقواتهم ، ووزع بالرقيق المهام على المليشيات وفق رؤيته منها منح مليشيا الردع الخاصة مكافحة الإرهاب، ومليشيا التدخل السريع ملف البحث الجنائي، ومليشيا ثوار طرابلس ملف الهجرة غير الشرعية.
وتصاعدت لهجة المناكفة بين الحكومة ومليشياتها، بعدما أصدر وزير الداخلية بحكومة الوفاق، وهو الشخصية الحكومية المعنية أكثر من غيرها بالمليشيات، بياناً رفض فيه سعي المليشيات لـ”فرض سلطة الأمر الواقع”، وذلك خلال أولى ساعات القتال الذي احتدم أخيرا بين مليشيات الحكومة جنوب شرق العاصمة.