قام وزير الخارجية المصري سامح شكري بزيارة رسمية للخرطوم يوم 9 سبتمبر/ أيلول الجاري، وفقا للموقع الرسمي لوزارة الخارجية المصرية. وفي إطار لقاءاته الهامة بالعاصمة السودانية، التقى مع الفريق أول ركن “عبد الفتاح البرهان” رئيس المجلس السيادي السوداني، ومع رئيس وزراء السودان الدكتور “عبد الله حمدوك” حيث تناول خلال اللقاءين آليات تعزيز مجالات التعاون الثنائي بين البلدين، وسُبل دعم السودان خلال المرحلة الانتقالية.
مرحلة جديدة
بعد نجاح القوات المسلحة السودانية في الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في أبريل/ نيسان الماضي (2019)، بدأت الإدارة المصرية إيلاء إهتمام كبير بما يحدث في الداخل السوداني، وقدمت الدعم الأمني والمعلوماتي للأجهزة الأمنية السودانية، وقدمت أيضا الدعم الدبلوماسي والذي توج بإعادة عضوية السودان في منظمة الإتحاد الأفريقي، بالإضافة للدعم المالي الواضح المقدم من جانب المملكة العربية السعودية و دولة الإمارات العربية المتحدة.
فإدارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نجحت في خطف ملف التسوية الداخلية السودانية من أديس أبابا، فإجتماعات القوى السياسية السودانية قبيل توقيع الوثيقة الدستورية السودانية التي أنهت المرحلة المضطربة الداخلية، كانت في القاهرة. بالإضافة لذلك هناك إتصالات دائمة بين الأجهزة الأمنية المصرية وأجهزة الأمن السودانية مهمتها التنسيق لمواجهة الأخطار الأمنية المشتركة، خصوصا أخطار تهريب السلاح عبر الحدود وعمليات الهجرة غير الشرعية. وأهم ملف يتم التنسيق من أجله مع السودان يتعلق بمسألة تسليم الشخصيات الإخوانية المتواجدة على أراضي السودان منذ عهد النظام السوداني السابق.
إغتنام الفرص
كان لا يخفى على أحد أن النظام السوداني السابق كانت له علاقات قوية مع دولة قطر وإيران، وطبقا لمصادر رسمية لنا، كانت هناك عمليات دعم لوجيستي للجماعات الإرهابية في ليبيا تتم من خلال الأراضي السودانية بدعم قطري-إيراني في عامي 2016 و2017. ولذلك فالحكومة المصرية لا تريد أن تضيع فرصة إحتياج الإدارة السودانية الحالية لها في هذه الفترة من أجل بناء جسور للثقة المتبادلة بين القاهرة والخرطوم، لأن وجود نظام حاكم صديق لمصر في الخرطوم يمثل أهمية كبيرة للأمن القومي المصري في ملفات عديدة أهمها أمن الحدود البرية، أمن منطقة جنوب البحر الأحمر، الأمن المائي وسد النهضة الأثيوبي وضمان التخلص من أي وجود محتمل من جانب الدول التي تمثل خطورة على الأمن القومي المصري في السودان على رأسها إيران، قطر وتركيا.
هل الجهود المصرية الملموسة في الشأن السوداني سيكون لها تأثير طويل الأمد؟
التجارب التاريخية المصرية مع السودان تثبت أن الأمر في منتهى الصعوبة. فبعد أن خرج حسن الترابي من المجموعة الحاكمة في السودان في نهايات تسعينات القرن الماضي، تقرب الرئيس السابق عمر البشير بشكل كبير من القاهرة، من أجل تثبيت أركان حكمه، وإستخدم في ذلك وسيلة تعليق كل أخطاء السودان في التسعينات على شماعة حسن الترابي، وبالفعل القيادة المصرية آنذاك تناست كل ما حدث من السودان في فترة التسعينات والتي كان على رأسها محاولة إغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك في أثيوبيا.
لكن ظهر عمر البشير على حقيقته بعد قيام الأحداث الثورية في مصر عام 2011، وإتخذ مواقف عدائية واضحة ضد مصر، والسبب بالطبع هنا يرجع إلى خلفية عمر البشير الإخوانية. وهذا ما يجب على القيادة المصرية التحضير له، فالقيادات العسكرية السودانية الحالية والقيادات المدنية والتي تشارك في الحكم بشكل أو بآخر في الفترة الإنتقالية طبقا للوثيقة الدستورية لا أحد يعلم خلفياتهم، فإستمرار حكم الجبهة الإسلامية القومية للسودان منذ إنقلاب 1989 وحتى تنحية عمر البشير في عام 2019 لابد وأنه أفرز أجيال من العسكريين والمدنيين التابعين لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة على الأراضي الروسية.