بيروت – (رياليست عربي): مذبحة «صبرا وشاتيلا» التي قادها «إرييل شارون» رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق في عام 1982 ـ عندما كان قائداً عسكرياً وقتئذ، راح ضحيتها أكثر من 3 آلاف فلسطيني، لم يفرق فيها السفاح الصهيوني بين طفل أو شاب أو كهل، بين رجل أو عجوز.. فالكل كان تحت دبابته سواء! لكن يبدو أن الأيام أشد قسوة من النيران والمدافع، أو أن المتفجرات وفوهات اللهب أكثر رحمة من واقع تآمر فيه الإخوة على أنفسهم!
الصورة الذهنية لـ «صبرا وشاتيلا» سواء لمن يعيشون في محيط العاصمة بيروت أو في ربوع لبنان، تختلف عن “قدسية” و”إجلال” في نفوس الملايين ليس من العرب فقط ولكن في أنحاء العالم من بشاعة ما حدث من جرائم في هذه المذبحة منذ 40 عاما، فهو في نظر هؤلاء حتى الآن “مخيم الشهداء” ولكن في حقيقة الحياة وقسوتها، فهو المكان الذي أصبح وكرا لتجارة المخدرات والدعارة وتجارة الأطفال وبيع الأعضاء أيضا.
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2022/09/النصب-التذكاري-لصبرا-وشاتيلا-1-1024x576.jpg)
المذبحة مر عليها الذكرى الـ40، وهي التي تمت في أيام 16،17،18 سبتمبر 1982.
«صبرا وشاتيلا» يبعد عن وسط بيروت 5 كم تقريبا والسلطة الشكلية هناك هي منظمة التحرير الفلسطينية بلبنان، والتي من المفترض أنها تحمل مسؤولية أكثر من مليون لاجئ فلسطيني جاءوا لبنان مع هجرة أجدادهم بعد نكبة 1948 إلى جانب بعض الفارين بعد نكسة يونيو 1967.
من العجائب في هذا السياق، أن المخيم الواقع في قلب العاصمة اللبنانية، لا يدخل تحت طائلة ومسؤولية السلطات اللبنانية التي تفتقد أي سيطرة فعلية على المخيمات، لكن بمجرد الخروج من المخيم، يكون الإطار تابعا للأمن اللبناني المتخوف دائما من كل من يخرج من هذه المخيمات!
السلطات اللبنانية تعتبر – بالفعل – أن هذه المخيمات قنبلة «موقوتة» تنفجر بين الحين والآخر في وجوههم.. وبالطبع لا يريد الجيش اللبناني أو الأمن العام اختراق هذه المخيمات، حيث يعتبر دخولهم لها بمثابة إعلان حرب الشوارع بين السلطات اللبنانية وقوات المخيمات ابتداء من «فتح» التابعة للسلطة الفلسطينية، ومرورا بقوات حركة حماس هناك. لكن اللافت هو أن كل هذه القوات والفصائل ليست حاكمة داخل المخيمات، لكنها قوات متصارعة فيما بينها! وإذا تركت هذه الفصائل تجد فصائل أخرى أكثر دموية كانت السبب فيما حدث بمخيم «نهر البارد» و«عين الحلوة»، وتهدد بحرب جديدة في لبنان.
مع بداية الدخول للمخيم، ينتاب الشعور بأن السيطرة في هذه المنطقة ليست للفصائل الفلسطينية أو منظمة التحرير، وفى الأغلب يكون الشعور بأنها منطقة شيعية، وذلك بسبب انتشار صور ولافتات لـ”موسى الصدر” مؤسس حركة «أمل»، والتي تضع بدورها لافتة كبيرة بعرض الطريق مكتوبا عليها «أمل نار لمن اعتدى ونور لمن اهتدى»! وبجانب ذلك صور أخرى لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برى المنتمي للتيار الشيعي إلى جانب صور لمؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإمام الخميني.
مع التحرك داخل المخيم مخترقا على الأقدام أسواقا شعبية بدائية ، يكون الحصار بأغاني تمجيد للأمين العام لحزب الله ، حسن نصر الله وأيضا رئيس الوزراء الأسبق في فلسطين والقيادي في حركة حماس ، إسماعيل هنية، ومع السير في السوق ، يوجد على الجانبين “أكشاك” بها نوعين منفصلين من الأسطوانات “سي دي”، النوع الأول يباع فيه “أسطوانات” للقرآن الكريم والأدعية وبرامج دينية ، أما النوع الثاني على بعد نصف متر على الأكثر، أسطوانات أخرى يبدو من الصور الموجودة عليها أنها أفلام «بورنو»!
طرقات على جانبيها حوائط ملتصق عليها صور لـ”عماد مغنية” الرجل الثاني في السابق لحزب الله الذي تم اغتياله في حادث تفجير سيارة بدمشق منذ سنوات، لتكون البوابة الرئيسية لطرقات المخيم التي تقودنا بدورها إلى صور أخرى لشهداء فلسطينيين استشهدوا في مذبحة «صبرا وشاتيلا» وشهداء في الحرب ضد إسرائيل في لبنان، غالبيتهم لـ «دلال المغربي» التي استشهدت في أقوى عملية نفذها فلسطينيون ضد إسرائيل في قلب “تل أبيب” عام 1978 وتكبدت فيها إسرائيل أكثر من 100 قتيلا، وأيضا صور لـ «سمير القنطار» أقدم سجين في إسرائيل!
أكثر من 80% من مخيم «صبرا» تم تدميره في مذبحة 1982، ليس أكثر من أطلال! و«صبرا» متداخل في مخيم «شاتيلا» الموجود حتى اليوم بشكل كامل بعد أن أعادت السلطة الفلسطينية بناء بعض مرافقه، وهذا المخيم لم يصبح – حاليا – دليلا على بشاعة المذبحة، لكنه أصبح صورة إطار اجتماعي مفكك لا يتحكم فيه سوى فصائل متطاحنة بينما ظهرت الدعارة وراجت تجارة المخدرات وانتشرت جرائم القتل.
التكوين الاجتماعي لـ«صبرا وشاتيلا » بدأ عام 1948 بعد إعلان دولة إسرائيل، حيث يصل حاليا عدد سكان المخيم إلى ما يقرب من 25 ألف شخص، ومساحته 12 كم مربع ،يضم عددا من الجنسيات المختلفة ، 50% منهم فلسطينيين والباقي لبنانيين وسوريين ومصريين وأردنيين وأيضا أتراك وجزائريين وتونسيين وباكستانيين.
سكن المخيم في البداية الفلسطينيين، وكانت الحياة في البداية هادئة حتى ازدادت أعدادهم بشكل كبير في السبعينيات وأصبحوا يطالبون بالعمل فى لبنان، وباتوا يشكلون ضغطا على المجتمع اللبناني الذي كان مزدهرا و منتعشا اقتصاديا وماليا في تلك الفترة إلى أن حدثت المذبحة!
في قلب “المخيم” يوجد نصب تذكاري ، هو ساحة جمعت فيه جثث القتلى وقت المجزرة ، والحديث لـ«أحمد أمين» – لاجئ فلسطيني بالمخيم – شاهد عيان على المجزرة، والذي قال: “أقمنا هذه المقبرة الجماعية بعد أن تراكمت رفات الأطفال والأمهات والشيوخ فى الطرقات أكواما، فأقمنا حفرة كبيرة نقلنا إليها الجثث بالأوناش”!
«أمين» جذوره من مدينة «الخليل» كان عمره وقت المذبحة 20 عاما، حيث كانت منظمة التحرير الفلسطينية تتواجد بشكل أساسي داخل المخيم، ويستكمل: جاء اغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل يوم 14 سبتمبر 1981 ، قبل تسلمه الكرسي الرئاسي على يد ناشط من الحزب الاجتماعي القومي السوري بمثابة التمهيد للمذبحة، حيث تم الاتفاق بين قوات الكتائب اللبنانية التي أصبحت تحت قائد أحد المليشيات اللبنانية إيلى حبيقة وقوات الاحتلال الإسرائيلي بقيادة القائد الإسرائيلي إرييل شارون الذي كان يقود ويباشر تنفيذ المذبحة التي استمرت 3 أيام ، من فوق صخرة عالية، في وقت تم فيه تهيئة الأجواء لقوات حزب الكتائب التي بادرت بالدخول للمخيم عبر 3 محاور، كان اليوم الأول 16 سبتمبر، حيث تم الاختراق عبر المدافع الآلية والرشاشات، وانتشرت عمليات ذبح لضحايا في الطرقات، ومع صباح اليوم الثاني دخلت القوات الإسرائيلية مع قوات “الكتائب” واحتجزوا الأطفال والنساء والشيوخ داخل البيوت، ثم خرجوا بهم إلى الشارع الرئيسي الفاصل بين «صبرا» و«شاتيلا»، وفى المساء أطلق الرصاص صوب أجساد المحتجزين، ومع اليوم الثالث وقف “شارون” فوق التبة بمكبرات صوت ينادى على من تبقوا داخل المخيم لتسليم أنفسهم، فلم يخرج أحد، حيث قمنا كمجموعة من الفلسطينيين بإخفاء بعض من تبقى، فنزل «شارون» إلى الطرقات ليطمئن على أن الأنفس قد أبيدت ويرافقه «حبيقة» وبعد انتهاء المذبحة انسحبت القوات الإسرائيلية، وأصبحت منطقة تحمل كارثة إنسانية بشتى المقاييس، وجاءت الجرافات لإزالة الأنقاض ورصف الطرقات فوق شواهد الجريمة حيث بدأنا نخرج من المخبأ لنرى ركام المباني مخلوطا بالجثث
المقبرة عبارة عن مساحة مغطاة بالنجيل الأخضر، يتوسطها نصب تذكاري كبير تحته آلاف الجثث، و3 أنصاب تذكارية أخرى عليها صور حقيقية لأكوام الجثث، نصب لأسرة واحدة أبيدت بالكامل هى عائلة «المقداد» وكان عددها 29 فردا!
حقيقة انتشار البغاء والدعارة كانت على لسان العديد من السيدات والفتيات من الجيل الخامس لمهاجري عام 1948 ، وكان الحديث مع «سمر» وهى من عائلة «قداح» والتي حكت في البداية أن أجدادها تم تهجيرهم إلى المخيم من مدينة «مجد الكروم»، حيث خرجوا وهم يظنون أنهم عائدون بعد يومين تحولا إلى أكثر من 70 عاما!
وتقول «سمر»: نقضي حاجتنا في حمامات جماعية بمقابل مادي، المخيم يعتبر مقرا لتنظيم «الدعارة» في بعض مناطق بيروت، حيث يقود هذا التنظيم امرأة اصولها من دولة في شمال أفريقيا تدعى «فاطمة»، مع بناتها الخمس وزوجها، وتقوم بتدريب الفتيات داخل المخيم، ثم تقوم بتوزيعهن على بارات «شارع الحمرا» و«جونيه» و«سن الفيل» بوسط بيروت حيث يصل سعر الفتاة في الساعة 120 دولارا، أما داخل المخيم فهناك بيوت للدعارة معظم من يعملون بها فتيات ذو أصول من دول عربية أخرى، فضلا عن أن المخدرات تعتبر مشكلة حقيقية بسبب البطالة.
خاص وكالة رياليست.