Site icon رياليست عربي│ أخبار و تحليلات

رياح التقارب تجتاح غرب آسيا

صورة.أرشيفية

صورة.أرشيفية

نيودلهي – (رياليست عربي): كان غرب آسيا أو الشرق الأوسط في خضم انعدام الثقة والخلافات والنزاعات وزعزعة الاستقرار مما أدى إلى دمار كان من الممكن تجنبه لعدة عقود، لقد عانت من تحولها إلى ساحة لعب التنافسات الجيوسياسية والجغرافية الاقتصادية والدينية، حيث وفرت التناقضات الإقليمية المشهد المثالي للاستمرار في التقلبات، وقد زاد من حدة ذلك الربيع العربي منذ أكثر من عقد مضى والذي استمر بشكل أو بآخر في إحداث تغيير في مقاربات السياسات التي يتبعها القادة الإقليميون.

إن أحداث الربيع العربي ووباء كوفيد والحرب الروسية الأوكرانية لها آثارها الخاصة وتأثيرها على الأمن والاستقرار الإقليميين كما هو الحال مع إدراك أن تساهل الولايات المتحدة في المنطقة على نطاق واسع كضامن للأمن يتضاءل إلى حد ما، حيث أن المساحة التي أخلتها واشنطن العاصمة تجعل الجهات الفاعلة الرئيسية الأخرى مثل الصين وروسيا والهند تعزز مشاركتها في المنطقة، فقد أثارت كل هذه العوامل مجتمعة الإدراك بين القوى الإقليمية الكبرى بأنه يجب إيجاد طريقة مؤقتة معينة من تلقاء نفسها أو بادر بها وهندستها من قبل بعض المحاورين الذين لديهم مصالح في الأمن والاستقرار الإقليميين، بالتالي، سارعت الصين إلى تولي دور بناء الجسور هذا.

في الآونة الأخيرة، على الرغم من وربما بسبب الحروب والصراعات في ليبيا وسوريا واليمن وفلسطين وحتى العراق وإيران، من الممكن أن نرى تغييراً بين القوى الإقليمية، ونتذكر أنه بأمر من ولي العهد السعودي رفع الحصار عن قطر في قمة العلا لمجلس التعاون الخليجي؛ وحدث تقارب تركي مع الإمارات والسعودية ومصر وحتى مع إسرائيل؛ بالإضافة إلى تطبيع العلاقات بين الإمارات وإيران، كما أن الحوار بين طهران والرياض حدث بتيسير من العراق وعمان من خلال تطورات مرحب بها بالفعل.

في هذا الصدد، حتى اتفاقيات السلام “أبراهام” التي صممها الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، كانت تتأثر بالرياح المتغيرة على الرغم من أنها قد تسبب بعض القلق والانقسام بين الدول العربية نفسها، حيث لا تزال القضية الفلسطينية محفوفة بمزيد من التصعيد خاصة خلال شهر رمضان المبارك، من هنا، أعتقد اعتقاداً راسخاً أنه على الرغم من وجود بعض الإرهاق الملحوظ بين أتباع المنطقة الإقليميين للقضية الفلسطينية، فإن السلام وتطبيع العلاقات مع تل أبيب سيظلان قائمين على هذه القضية التي مضى عليها قرن من الزمان.

ومع ذلك، سهّل الرئيس الصيني شي جين بينغ حدوث تغيير كبير بعد زيارته التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة إلى الرياض وثلاث قمم في ديسمبر 2022 وزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى بكين في فبراير، ففي الشهر الماضي، تم توقيع اتفاقية بين المملكة العربية السعودية وإيران عبر بكين لتطبيع العلاقات وإعادة إنشاء البعثات الدبلوماسية خلال شهرين، بعد أن أغلقت في عام 2016 عندما أعدم رجل دين شيعي بارز من قبل المملكة العربية السعودية وهاجمت البعثات السعودية العلاقات الدبلوماسية.

ومع ذلك، غالباً ما يتم التغاضي عن حقيقة مفادها أن طهران أرسلت بالفعل دبلوماسييها إلى منظمة التعاون الإسلامي نتيجة للمفاوضات غير المباشرة الجارية بين البلدين، لكن منذ توقيع الاتفاقية والبيان الثلاثي بين الرياض وطهران، سارت الأمور بشكل أسرع، وتحدث وزراء الخارجية، والآن تعمل الفرق الفنية على طرق إعادة فتح البعثات، كما تلقى الرئيس رئيسي دعوة لزيارة الرياض من قبل الملك سلمان، كانت البيانات الإيجابية تتدفق، وبدأت الرحلات الجوية المباشرة، كما أن هناك بعض التقدم على جبهة الحوثيين حيث رحبوا أيضاً بتطبيع العلاقات هذه، كما تطالبهم طهران بالتهدئة كمقدمة لإنهاء الحرب.

التقى وزيرا خارجية المملكة العربية السعودية الأمير فيصل بن فرحان وحسين أمير عبد اللهيان في بكين يوم 7 أبريل لدفع العلاقة إلى الأمام مع التأكيد في بيان مشترك على أن تنفيذ اتفاقية بكين سيوسع الثقة المتبادلة ومجالات التعاون وسيضمن الأمن، والاستقرار والسلام في المنطقة، كما اتفقوا على إحياء الاتفاقية الأمنية الموقعة في عام 2001، الفائدة الصينية المتوقعة أنها ستحصل على الرهانات من حيث أمن الطاقة والبصمة الإقليمية والعالمية الأكبر من خلال مبادرة الحزام والطريق عبر دفعة إضافية لأنها لن تضطر إلى التنقل داخل- المنافسة والمنافسات الإقليمية حتى في الوقت الذي يعزز فيه فسحته من طهران إلى تل أبيب، واعتباراً من الآن، تتبع الصين سياساتها غير التدخلية وغير التوجيهية في المنطقة.

تطور رئيسي آخر كان القبول المتزايد للرئيس السوري بشار الأسد في الجامعة العربية، والذي زادت من سرعته الزلازل المؤسفة والمدمرة التي ضربت تركيا وسوريا عندما قدم العالم العربي بما في ذلك المملكة العربية السعودية الإغاثة التي تشتد الحاجة إليها عندما كانت الدول الغربية وحتى الدول الغربية، والأمم المتحدة قد فشلت في مواجهة الكارثة الإنسانية واتبعت سياساتها الجغرافية من خلال قانون قيصر والعقوبات.

فقد دعت المملكة العربية السعودية الأسد إلى قمة الجامعة العربية المقبلة عندما تنضم دمشق إلى الكتلة الإقليمية رفيعة المستوى، وقد يكون لهذا أثراً جانبياً لصفقة الرياض – طهران أيضاً على الرغم من متابعة القضية السورية وحلها بالمبادرات الروسية والأردنية، كما تعمل طهران أيضاً على المصالحة بين سوريا وتركيا وكذلك في لبنان حيث رحب حزب الله بالتقارب الإيراني السعودي، من جانبها مصر وتركيا تتحدثان أيضاً عن الوضع في ليبيا حيث يقفان في مواجهة طرفين متعارضين، كل ذلك يبشر بالخير.

يشير هذا أيضاً إلى أن دول غرب آسيا، وخاصة القوى الكبرى، بدأت في اتباع استقلاليتها الاستراتيجية، سواء كان ذلك في سياق الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات المفروضة على موسكو أو الوضع السوري المعقد أو في المعضلة الإيرانية، وبحسب ما ورد، يبدو أن الولايات المتحدة قد تم تجاهلها ونقل إحباطها من قبل مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز خلال اجتماع مع ولي العهد الأمير سلمان والبيت الأبيض لا يزالون يشتبهون في أن الإيرانيين “إذا تخلوا عن أفعالهم المزعزعة للاستقرار”.

لكن ربما لا يزال بإمكان الولايات المتحدة استعادة الأرض إذا فهمت أن غرب آسيا يجب أن يكون جزءاً من استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ، وقد لا يكون إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) فكرة سيئة في النهاية. ممثل إقليمي رئيسي آخر – يجب أن ترى إسرائيل علمًا أحمر هنا، كما قد يؤثر هذا حتى على توسيع اتفاقية أبراهام التي كان أحد أهدافها الرئيسية احتواء طهران، لكن بالنسبة للقيادة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، قد تتفاقم التحديات مع شقوقها الداخلية وتشققاتها بينما تظل القضايا الفلسطينية والإيرانية في المقدمة، هنا مرة أخرى يمكن لواشنطن أن تلعب دوراً بناءً واستباقياً.

ولا شك في أنه ستكون هناك حواجز على الطريق لتهدئة النتائج وتقريب انعدام الثقة السائد بين السعوديين والإيرانيين، لكن يجب وضع عوامل عدم الثقة في الاعتبار وتحت المقود أثناء معالجة القضايا ببراعة دبلوماسية وفتح مناقشات من قبل جميع الأطراف ذات الصلة إذا كان لرياح الصداقة وطريقة العيش هذه أن تهب دون عوائق، في الواقع، إذا استمرت مبادرات التطبيع هذه، فقد تغير قواعد اللعبة في المنطقة والعالم.

خاص وكالة رياليست – آنيل تريجونيات – سفير هندي سابق في مالطا وليبيا والأردن.