يعتزم حلف شمال الأطلسي – الناتو وبمشاركة أمريكية واسعة النطاق، هي الأولى منذ نهاية الحرب الباردة، إطلاق مناورات “الدفاع الأوروبي 2020” وذلك في الربيع المقبل، في الفترة الممتدة بين 13 أبريل/ نيسان، حتى مايو/ أيار 2020، طبقاً لموقع حلف الناتو و موقع الجيش الأميركي.
من المخطط نقل ما يصل إلى 20 ألف جندي أمريكي وحوالي 20 ألف قطعة سلاح ومعدات عسكرية إلى القارة الأوروبية. و سيتم نقل الجزء الرئيسي من الجنود جواً إلى أكبر المطارات الأوروبية و من ثم سينتقلون إلى وجهات أخرى داخل القارة براً. و جدير بالذكر أن إستخدام بعض المطارات الكبرى الأوروبية، سيكون من شأنه تحديد أماكن و أهمية هذه المطارات في خطط حشد قوات الناتو للحدود الروسية-البيلاروسية.
سيتم نقل الأسلحة والمعدات الثقيلة الأخرى بشكل أساسي عن طريق البحر. سيتم نقل الإمدادات العسكرية من الموانئ الأمريكية التالية: تشارلستون وسافانا وبومونت وبورت آرثر وعدد من الموانئ في تكساس إلى الموانىء الأوروبية التالية: ميناء أنتويرب البلجيكي ، فليسينجين الهولندي، بريمرهافن الألماني و ميناء بالديسكي الإستوني، ثم سيتم نقلها بالسكك الحديدية إلى وجهات أخرى.
وفقًا للمعلومات الرسمية المقدمة من الجيش الأمريكي ، من أجل المشاركة في عدد من الفعاليات التدريبية القتالية والتشغيلية ، سيتم نقل ما يلي إلى أوروبا:
3800 فرد مقاتل من مجموعة اللواء القتالي الثاني من الفرقة الأولى المدرعة الموجودة في فورت بليس (تكساس)، والتي يبلغ تعدادها 4413 جندياً؛
3800 فرد مقاتل من مجموعة اللواء القتالي 116 المرابط في بويس (إنديانا)؛
3800 فرد مقاتل من مجموعة اللواء القتالي الثاني من فرقة المشاة الثالثة المتواجدة في فورت ستيوارت (جورجيا)؛
1750 جندي من لواء الطيران القتالي التابع لفرقة المشاة الثالثة؛
1000 جندي من مجموعة اللواء القتالي الأولى من الفرقة 82 المحمولة جواً المتواجدة في فورت براج (نورث كارولينا) و 150 فردًا من مقر الفرقة؛
300 فرد من قيادة الدعم الاستكشافي الثالث عشر من فورت هود (تكساس)؛
250 فرد من قيادة الإمداد الطبي 807 المتواجد في سولت ليك سيتي (يوتا)؛
500 فرد من مقر فرقة سلاح الفرسان الأولى من فورت هود (تكساس)؛
350 فرد من قيادة المدفعية التابعة لفرقة سلاح الفرسان الأولى من فورت هود (تكساس)؛
250 فرد من مقر لواء الدعم التابع لفرقة سلاح الفرسان الأولى من فورت هود (تكساس)؛
200 فرد من لواء الهندسة 168 من ويتزبرغ (ميسيسيبي)؛
250 فرد من فريق فورت براج الطبي 44 (نورث كارولينا)؛
600 فرد من لواء الاتصالات الحادي عشر من فورت بليس (تكساس).
بشكل عام، سيصل عدد المشاركين في مناورات “Defender Europe 2020” إلى حوالي 37 ألف جندي.
و يجب التأكيد على أن المناورات ستغطي أراضي ألمانيا وبولندا وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا وخمس دول أخرى. سوف يقومون بمحاكاة الإجراءات إذا تم تطبيق مبدأ الدفاع الجماعي، المنصوص عليه في المادة 5 من معاهدة واشنطن.
بالإضافة إلى ذلك ، خلال هذه المناورات، تم التخطيط لتجربة التقنيات العسكرية الجديدة ، مثل: استخدام الذكاء الاصطناعي والأسلحة التي تفوق سرعة الصوت والروبوتات. و جدير بالذكر أن هذه العناصر الجديدة ليست مفاجئة ، نظرًا لأن السيناريو الذين سيقومون بمحاكاته يجب أن يمثل موقفًا يزعم حدوثه في عام 2028.
بالتوازي مع Defender Europe 2020 ، سيشارك الأمريكيون في عدد من المناورات الثنائية لحلف الناتو والمتصلة بسيناريو واحد ، مما سيزيد بشكل كبير عدد القوات بالقرب من حدود روسيا البيضاء وروسيا. أحدها سيكون تمرين القيادة والأركان في غرافنفر بألمانيا ، والتي من المحتمل أن تصبح “ساحة اختبار” للمفاهيم الجديدة ، بما في ذلك عقيدة القتال في ساحة معركة متعددة المجالات.
بالطبع لن يتجاهل الجيش الروسي و البلاروسي هذه الحركة الواسعة النطاق لقوات التحالف بالقرب من حدودها. فسيتم نشر أنظمة الدفاع الجوي الروسية S-400 ، وكذلك تأهب الطائرات الدفاعية، بالإضافة إلى مجموعات الكتائب التكتيكية.
هذه المناورات بسبب العدد الضخم المشارك فيها و بسبب مسرح عملياتها، ستكون تاريخية، لعدة أسباب:
1- من أجل التحضير لهذه المناورات تم توقيع اتفاقية دفاع أميركي مع بولندا في يونيو 2019 بين الرئيس دونالد ترامب و الرئيس البولندي أندريه دودا، و هذه الإتفاقية فتحت الباب لخلق الظروف اللوجستية لنشر هذا العدد الهائل من الجنود، و هذه الإتفاقية و هذه المناورات ستكون من ضمن أسباب أي نزاع عسكري مرتقب بين أوروبا و الناتو و الاتحاد الروسي، نظرا لحساسية العلاقات الروسية-البولندية.
2- الحكومة الألمانية ستقود الطريق في الحرب ضد روسيا. فتسعى الإمبريالية الألمانية إلى تحقيق مصالحها العسكرية. و ترى برلين في هذه المناورات فرصة لضمان القدرة التشغيلية لقيادة الدعم المشتركة الألمانية (JSEC) في أولم ، وبالتالي تقترب برلين من تحقيق مطالبتها بأن تكون القوة العسكرية الرائدة في أوروبا. وفقًا لوزارة الدفاع الألمانية ، تشمل مهام مركز قيادة حلف الناتو (JSEC) الذي تم تأسيسه العام الماضي تنسيق تحركات القوات الأوروبية ونقل المواد في حالة اندلاع حرب كبيرة أخرى في أوروبا.
قيادات المقر الجديد للناتو في ألمانيا- مصدر الصورة: bundeswehr-journa
جدير بالذكر أن في فبراير/ شباط 2018 ، وافق وزراء دفاع الناتو في اجتماعهم في بروكسل على تأسيس هيكل قيادة جديدة للناتو. و بذلك تستضيف ألمانيا مقر القيادة المشتركة الجديدة للدعم والتمكين (JSEC). و هذه القيادة سيكون لها الدور الأهم في هذه المناورات، حيث ذكرت “عقيدة السياسة الجديدة للجيش الألماني” ، المنشورة في أغسطس/ آب 2018 ، أن الجيش الألماني، على الرغم من جرائمه في حربين عالميتين ، يجب عليه أن يستعد مرة أخرى “لعمليات كبيرة للغاية “. “بسبب موقعه الجغرافي” ، وتقول إن ألمانيا هي “محور استراتيجي في وسط أوروبا ، وفي الوقت نفسه عنصر أوروبي أساسي للدفاع الجماعي”. تعتمد “القدرة على العمل” لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي على “إنجاز مهمة ألمانيا كدولة مضيفة ، كبلد عبور لنقل القوات إلى حدود أراضي الحلف وفي منطقة العمليات الخلفية”.
لذلك من خلال هذه المناورات و التي تعتمد في الأساس على سرعة الانتشار سيكون للجيش الألماني الأولوية فيها، و ستكون هذه المناورات تأسيس لمرحلة جديدة يمكن أن تستلم فيها ألمانيا دفة القوات العسكرية الأوروبية و قوات حلف الناتو.
فمنذ 2017 ظهرت فكرة إنشاء ” منطقة شنغن العسكرية” و اكتسبت زخماً بين أعضاء الناتو. وقد صاغ هذا المصطلح القائد العام السابق للجيش الأمريكي في أوروبا ، الفريق بن هودجز ، وتولى الدفاع عن هذه الفكرة وزير الدفاع الألماني أورسولا فون دير لين. و تهدف هذه المبادرة إلى تمكين القوات العسكرية والمركبات والمعدات من الانتشار دون عوائق في جميع أنحاء أوروبا، على غرار حرية حركة البضائع و الأشخاص داخل الاتحاد الأوروبي. و بالتالي ستكون قيادة الناتو الجديدة في ألمانيا (JSEC)هي إدارة هذه العملية.
3- يمكن أن تكون هذه المناورات تاريخية أيضا بسبب أنها ستكون فرصة كبيرة أمام حلف الناتو لإصلاح الأخطاء التنظيمية و التكتيكية داخل الجيوش المشاركة في هذا الحلف. و هذه الأخطاء خصوصا في مجال إعادة الإنتشار الخاصة بالقوات هي التي سهلت من مهمة ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014 و القيام بالعديد من المناورات الروسية التاريخية (الغرب 2017) و (الشرق 2018) و التهديد الروسي المستمر للسويد و فنلندا و لبولندا.
و هذه الإجرءات الروسية عززت التغيير الذي حدث في تصورات حلفاء الناتو وأفعالهم: مما جعلهم يعملون على ردع روسيا ، وقد وصل الحلف إلى دائرة تفكيره الموجه نحو الدفاع ، والذي يشمل المناورات وتحركات القوات وتدابير لطمأنة الحلفاء. تضامن الناتو في أوروبا. وهكذا ، نمت المطالب المفروضة على الجيش بشكل كبير. تحتاج قدرات الدفاع الجماعي داخل التحالف إلى التعزيز ، دون إغفال المهام المستمرة في مناطق الأزمات مثل أفغانستان والعراق و ليبيا. هنا بالطبع سيناريو الحرب الشاملة بين الاتحاد الروسي و حلف الناتو مستبعد تماما في القريب العاجل، لكن هذه المناورات في غاية الأهمية فيما يتصل بالردع المتبادل و تصحيح الأخطاء و رفع درجة التدريب و الإستعداد و لتطمئنه دول بعينها مثل السويد، فنلندا، الدنمارك و غيرها.
فريق عمل “رياليست”