باريس – (رياليست عربي): في اليوم الرابع من شهر يوليو/ تموز من كل عام يحتفل الأمريكيون بذكرى ثورتهم ضد المستعمر البريطاني، وكذلك في الرابع عشر من شهر يوليو/ تموز يحتفل الفرنسيون بذكرى ثورتهم المجيدة، وهو حال الشعب المصري الذي يحتفل في الثالث والعشرين من ذات الشهر بذكرى ثورتة الخالدة .
ويرى كثير من الخبراء والمحللين أن تلك الثورات الثلاث الأمريكية والفرنسية والمصرية كان لهم تأثير محلي وإقليمي وعالمي، وأن بينهم روابط وأسباب متشابهة، كانت السبب في تفجر تلك الثورات على أنظمة الحكم ضد الظلم والقهر والفساد والاستبداد.
الثورة الأمريكية
عندما حصل المستعمرون الأمريكيون على الاستقلال من بريطانيا العظمى في الرابع من يوليو/ تموز من عام 1776 عقب حربهم الثورية، كان الفرنسيون الذين شاركوا في الحرب أنفسهم، حلفاء مقربين ومشاركين رئيسيين، بعد عدة سنوات من الثورة في أمريكا، واجه الإصلاحيون الفرنسيون صعوبات سياسية واجتماعية واقتصادية عكست نضالات المستعمرين، في حين كانت الثورة الفرنسية صراعاً معقداً له العديد من المحفزات والأسباب، مهدت الثورة الأمريكية الطريق لانتفاضة فعالة شهدها الفرنسيون مباشرة.
أسباب ودوافع متشابهة
على الرغم من أن لدى الشعبين الفرنسي والأمريكي، دوافع عديدة ومختلفة للثورة على أنظمة الحكم، فقد أدت بعض الأسباب المتشابهة إلى اندلاع تلك الثورات، بما في ذلك:
الصراعات الاقتصادية: تعامل كل من الأمريكيين والفرنسيين مع نظام ضريبي وجدوه تمييزياً وغير عادل، بالإضافة إلى ذلك، فإن تورط فرنسا في الثورة الأمريكية، إلى جانب ممارسات الإنفاق المسرفة من قبل الملك وحاشيته، تركت البلاد على وشك الإفلاس.
الثورة على الملكية: على الرغم من أن المستعمرين كانوا قد عاشوا في ملكية دستورية بنظام برلماني، إلا أنهم ثاروا ضد السلطات الملكية للملك جورج الثالث مثلما انتفض الفرنسيون ضد لويس السادس عشر، والمصريين على الملك فاروق الأول ” والأخير “.
حقوق غير متساوية: تماماً مثل المستعمرين الأمريكيين، شعر الفرنسيون أن حقوقاً معينة تُمنح فقط لفئات معينة من المجتمع، وهي النخبة والأرستقراطيين، وهو نفس الشعور لدي المصريين فثاروا علي النظام الملكي وأسرة محمد علي بسبب الفساد السياسي، وغياب العدالة الاجتماعية، وتفشي الرأسمالية الإقطاعية، والتمييز الطبقي والاقتصادي والاجتماعي،
التأثير الكبير لفلسفة التنوير: يعتقد العديد من الخبراء أن الأيديولوجيات ذاتها التي أججت الثورة الأمريكية قد تغلغلت لفترة طويلة في الثقافة الفرنسية، خلال الحرب في مستعمرات أمريكا الشمالية، قاتل بعض الفرنسيين المتحالفين جنباً إلى جنب مع جنود الجيش القاري، مما سمح بتبادل القيم والأفكار والفلسفات.
كانت إحدى الحركات الأيديولوجية الرئيسية، والمعروفة باسم التنوير، ذات مكانة مركزية في الانتفاضة الأمريكية، شدد التنوير على فكرة الحقوق الطبيعية والمساواة بين جميع المواطنين، وانتشرت أفكار التنوير من أوروبا إلى قارة أمريكا الشمالية وأطلقت ثورة جعلت الفكر المستنير أكثر شعبية عبر المحيط الأطلسي.
على الرغم من وجود اختلافات واضحة بين دوافع كل تمرد وكيفية خوض الحربين، يعتقد معظم الخبراء أن الحرب في أمريكا مهدت الطريق جزئياً لانتفاضة فرنسا، وهي ذات الأيدولوجية التي أمتدت آثارها وأفكارها، من خلال رواد التنوير في مصر مثل رفاعة الطهطاوي، وطه حسين والشيخ محمد عبده، بجانب الفكر الثوري الذي غرس بذرته مصطفى كامل ومحمد فريد، وعبد الله النديم وجمال الدين الأفغاني، وسعد زغلول ورواد ثورة 19.
الانتقال والتمدد: كما كانت الثورة الأمريكية هي المحرك والدافع لثورة الفرنسية، تعد الثورة الفرنسية هي المحرك الأم للشعوب الأوروبية التي كانت تعيش وسط نظام فاسد من الملك للحكومة، فلذلك وبعدما رأت هذه الدول ما يحدث في فرنسا خرجت بمظاهرات مساندة ومطالبة بمنحهم مثل الحقوق التي يطالب بها الشعب الفرنسي، وقد نجحت إحداها وفشلت الأخرى، ولكن مع تملك الشعب الفرنسي لزمام الأمور وعزل الملك والحكومة والوزارة الفاسدين، مما جعل هذه الشعوب تنظر إلى الفرنسيين نظرة المخلص والناصر لهم، وقد قامت بفتح قلوبها لهم وإطاعة أوامرهم حتى قضوا على الملكيات الاستبدادية الفاسدة، وفرضت السلطات الفرنسية دستورها العادل على البلاد المفتوحة والذي تقبله الناس بكل رضا، وكان من ضمن هذه الدول ألمانيا والنمسا وبروسيا وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا.
وهكذا خرجت الثورة الفرنسية من طور الأنانية والمحلية التي كانت تسلكه جميع الثورات إلى طور النزعة العالمية التي طالت أجزاء كبيرة من الأراضي الأوروبية، وكان من ضمن الدول الأهم في القارة الأوروبية التي طالتها أثار الثورة الفرنسية هي ألمانيا والتي كانت تسعى للاستقلال من الحكم الروماني والنمساوي، ولذلك رحبت بالجيوش الفرنسية التي ضمت أراضيها وولايتها التسعة وثلاثين في كتلة واحدة قوية، وعملت على إلغاء نظام الامتيازات الطبقية، وإزالة العوائق التجارية، وتحسين المواصلات، والقضاء على القيود الإقطاعية، كل هذا كان له أثره الكبير على الشعب الألماني وخاصة المفكرين الذين كانوا يحلمون بالحرية والمساواة والاخاء، وبذلك أصبح الشعب الألماني قوي وموحد وقام بإجلاء القوات الرومانية عن البلاج عام 1806، وإبعاد النمسا والسويد، وبهذا الاتحاد قضى الألمان على الحواجز والتقاليد التي كانت تفرق بين دويلات ألمانيا وكأنها عدة دول مختلفة.
وهكذا كانت الثورة الفرنسية هي المحددة للتاريخ الألماني إلى يومنا هذا، وهو ما حدث في المنطقة العربية، ففي أعقاب نجاح الثورة المصرية وخروج الجيش المصري في فجر يوم الثالث والعشرين من عام 1952″ الذكرى السبعين” خرج الشعب المصري عن بكره أبيه في مظاهرات في كافة الشوارع والميادين لتأييد الجيش، وسرعان ما انتقلت عدوى الفكر والعمل الثوري إلى الدول العربية والأفريقية للتحرر والاستقلال من المستعمر الأجنبي، وأنظمة الحكم البالية التي أرهقت شعوبها بالفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وعدم العدالة والظلم والاستبداد، بل تمددت أفكار ومبادئ الثورة الي آسيا ودول أمريكا اللاتينية.
الدروس المستفادة
- الإنسان بطبعه ثوري ومتمرد، خاصة في وجه الظلم والاستبداد وعدم العدالة والمساواة.
- الأنظمة التي تغفل مطالب شعبها والاستهانه بالاحتياجات الأساسية لمواطنيها، غالباً ما تستبعد إمكانية حدوث ثورة، أو تمرد شعبي، وهو ما يحدث.
- الحرية والعدالة والمساواة والشفافية والنزاهة هي أمور حسية غير ملموسة، لا يمكن تصنيعها، أو تحضيرها في المختبر أو المعمل، ولكنها عوامل أساسية للاستقرار والأمن والسلم الوطني للدول والشعوب، لا يعوضه التقدم الاقتصادي، فهو يعززه ولكنه ليس بديلاً.
- · انتقال الفكر والعمل الثوري من منطقة إلى أخرى، ومن دولة إلى أخرى، وهو الأمر الذي للأسف يتوقع حدوثه في كثير من المناطق حول العالم بسبب الأزمة الصحية العالمية، وتوابع وآثار نشوب النزاع المسلح بين أوكرانيا وروسيا، وأزمة الغذاء والطاقة العالمية، والقلق وعدم الثقة في الأنظمة والمؤسسات المالية العالمية، والأزمات الاقتصادية المتتالية: التضخم، إنخفاض قيم الأسهم والسندات والعملات والعقارات والمعادن النفيسة، وارتفاع أسعار المواد الخام ومستلزمات الإنتاج وتكاليف النقل والشحن والسفر، وغيرها.
كل ذلك هو جرس إنذار في أذن المسؤولين وصناع القرار، ولكم في سيريلانكا المثل والعبرة “يا أولي الألباب” سوف تظل الثورات الثلاث، هي الأهم في التاريخ الإنساني الحديث، وهي النبراس الذي يهتدي به الثوار لكثير من الشعوب والأمم وطالبي الحرية والعدالة والمساواة، ضد الظلم والفساد والاستبداد.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر.