دمشق – (رياليست عربي): من منظور مغاير، تُقارب القوى الإقليمية، زيارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى الشرق الأوسط، وذلك وفق محددات استراتيجية تتقاطع مع جملة الملفات المتشابكة في عموم المنطقة، لكنها تسعى في التوقيت ذاته، إلى استشراف مآلات ونتائج زيارة بايدن، ووضعها في الميزان الإستراتيجي الناظم لمصالحها الإقليمية. وربطاً بذلك، فإن الواضح حتى الآن، وما يُمكن تسميته بالعنوان الأبرز لزيارة بايدن إلى المنطقة، يتمثل في زيادة التقارب مع دول التحالف العربي، بهدف تشجيعهم على تكثيف إنتاج النفط والغاز والاستمرار بالاصطفاف مع واشنطن، مع تعميق مفاهيم الاتفاق الابراهيمي. لكن ضمن ذلك، فإن لدى إيران هواجس ترتكز على مفردات التقارب الأمريكي الخليجي عموماً، وعلى وجه الخصوص، التقارب الأمريكي السعودي، نتيجة لذلك، تجهد إيران لضعضة أسس التحالفات الأمريكية الجديدة، معتمدة في ذلك، على جملة من العوامل المؤثرة في سياستها الإقليمية.
وفق المنظور الإيراني، فإن التقارب بين واشنطن ودول الخليج، والسعودية تحديداً، لا يعتمد فقط على محدودية أهدافه، فالقيادة في إيران، ترى في أي تقارب أمريكي سعودي، تحدياً للإستراتيجيات الإيرانية بعموم جزئياتها في المنطقة، خاصة أن إيران اعتبرت وبناءً على جملة من الخطوات السياسية، سواء الأمريكية أو الخليجية، أن سياساتها الإقليمية قد نجحت. بمعنى أن إيران رأت في عودة الولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات في فيينا وغيرها، وتعاظم نفوذ اللوبي الإيراني في واشنطن، منذ عودة سياسة باراك أوباما إلى البيت الأبيض؛ اعتبرت كل ذلك ضمانة لتقدم الأجندة الأنسب لإيران، وفي جانب آخر، فقد رأت القيادة الإيرانية، أن الجفاء الأمريكي مع السعودية والإمارات ومصر، هو في المضمون نصراً لاستراتيجيتها الإقليمية، نتيجة لذلك، فإن تهيئة الظروف والأجواء لعودة العلاقات الأمريكية ومفاعيلها ومضامينها مع دول المنطقة، مع فتح أبواب التفاهمات من جديد، فإن ذلك يقرع جرس الإنذار في طهران، ويُنذر بتكتلات إقليمية جديدة، ضد الأهداف الإيرانية في المنطقة.
تُدرك إيران أن عودة الدفء للعلاقات الأمريكية السعودية، سيفتح من جديد باب التسليح الأمريكي للسعودية والامارات والبحرين وضمناً اسرائيل، وفي جانب موازٍ، فإن ما سبق، سيكون نواة لتعاون عسكري بين الدول السابقة، ومظلة عسكرية إسرائيلية ستتمدد إلى داخل الدول الخليجية، الأمر الذي يعني اهتزاز الميزان الإستراتيجي لإيران، مع الساحل الغربي للخليج، إضافة إلى ذلك، تتوجس إيران من تعزيز المصالح الاستراتيجية الأمريكية مع الدول الخليجية وإسرائيل، الأمر الذي تضعه طهران في إطار استضعاف مصالحها، وتأثيرات ذلك على الإتفاق النووي.
ضمن ما سبق، فإن نجاح التقارب الامريكي الخليجي، يُعد من وجهة النظر الإيرانية، فقدان مميزات القوة في الأوراق التي تمتلكها إيران في المنطقة، وبناء على هذه المقاربة، قد تلجأ إيران إلى جملة من الخطوات، لتقويض مفاعيل أي تقارب أمريكي خليجي جديد. نتيجة لذلك، فإن إيران ستسعى لإثارة أزمة في الداخل الأمريكي، بالاعتماد على الفريق الداعم لاتمام الاتفاق النووي وإنجاز خطواته، بالإضافة إلى تحريض الاعلام الأمريكي المناوئ أصلاً للتحالف العربي وإسرائيل. ومنذ بدأ تحرك إدارة بايدن باتجاه السعودية وإسرائيل، بدأت حملة تشكيك في الصحافة المؤيدة للاتفاق النووي والتي قادت حملات انتقاد ضد القيادات السعودية، والإماراتية، والمصرية، وحكومة نتنياهو سابقاً. وتركز الانتقادات الإعلامية الحالية عبر “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” و”سي أن أن” على أنه لا يجوز على الرئيس بايدن أن “لا يفي” بوعوده الانتخابية “كمعاقبة” السعودية، والضغط على مصر والإمارات والبحرين؛ كل ذلك تحت شعار “حماية حقوق الإنسان”. هذا الضغط قد بدأ فعلاً، و لو على نار خفيفة، لأن أي تصعيد بين اللوبي الإيراني والبيت الأبيض قد يضعف معسكر الحزب الديمقراطي في انتخابات الكونغرس الآتية.
في ذات الإطار، ومن ضمن الاستراتيجيات الإيرانية لنسف أي تقارب أمريكي خليجي، قد تسعى إيران إلى تحريك فصائلها في كلٍ من العراق وسوريا ولبنان واليمن، لزرع الخوف من انهيار الاستقرار الجزئي في المنطقة، الأمر الذي قد يدفع واشنطن للتراجع عن سياساتها الجديدة تجاه التقارب مع الخليج.
في ذات السياق، فإن إيران وضمن منظورها الإستراتيجي، قد تعمل على الانفتاح بشكل دراماتيكي باتجاه روسيا والصين، مع إمكانية أن تقوم القيادة الإيرانية، بفتح أجواء وأراض وسواحل إيران، بشكل كامل للقوتيين النوويتين روسيا والصين، بمعنى الانتقال إلى درجة أعلى من التحالف الوطيد مع موسكو وبكين، الأمر الذي يمكن وضعه، ضمن مراحل إسقاط الإتفاق النووي، وكسر الحصار الاقتصادي عبر الانضمام “للكتلة الآسيوية” اقتصادياً وعسكرياً، مما سيسبب خضة سياسية داخل أميركا وأوروبا، وهو أمر الغرب غير مستعد له.
جُملة القول، لا شك بأن إيران تمتلك أوراق ذهبية، ذات استثمارات إستراتيجية، ونتيجة لذلك، فإن طهران قد تلجأ لتفعيل أجزاء متعددة من مختلف الاحتمالات، لتضغط على إدارة بايدن تدريجاً، كي لا تختار التحالف بدلاً عن الاتفاق. وكأنها لعبة شطرنج تتقنها طهران، ولكن الأطراف المواجهة لإيران قد أتقنوا الشطرنج أيضاً، ولا شيء مضموناً لأحد هذا الصيف في الشرق الأوسط.
خاص وكالة رياليست – أمجد إسماعيل الآغا – كاتب وإعلامي – سوريا.