طرابلس – (رياليست عربي): ما تنفك تركيا تعطي الإشارات التي تعطي انطباعاً راسخاً بأنها سترفض أي آلية لإخراج المرتزقة التي جلبتهم عبر طائراتها ومطاراتها إلى ليبيا، كما أنها قالت بكل وضوح، بأنها لا تعتبر قواتها المتواجدة في ليبيا بأنها قوات أجنبية.
وهذه ليست المرة الأولى التي تبعث فيها أنقرة برسائل رافضة للانسحاب من ليبيا، حيث سبق أن أكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، خلال زيارة له إلى العاصمة طرابلس “أنهم باقون للحفاظ على مصالحهم في ليبيا، وعلى مصالح الليبيين التي يحدّدونها لهم”.
ورغم كل هذه الإشارات والتصريحات، إلا أن أغلب المؤتمرات والاجتماعات الدولية، بشأن القضية الليبية، لم تتحدث صراحة عن ما قامت به تركيا، ولم توجه لها مباشرة أي “لوم” بأي لهجة، حيال تدخلها في ليبيا.
ورغم عديد المطالبات والقرارات، التي صيغت خلال المؤتمرات الدولية بشأن ليبيا، والتي حددت مواعيد ثابتة وبتاريخ محددة، إلا أن المجتمع الدولي عاد وعبر عدة مسؤولين دوليين، بأنه لا يوجد تاريخ محدد لخروج المرتزقة، وهو ما يعتبر بمثابة تمرير للموقف التركي.
ويبرز سؤال يفرض نفسه بقوة، يوجه لكل من يدعي انشغاله بحل سلمي ويطالب بخروج المليشيات والمرتزقة والقيادات الإرهابية، هل نسي العالم المواعيد التي حُددت سابقاً لخروجهم؟ وهل نسي العالم أن تركيا جاءت بتنظيمات إرهابية ومرتزقة أغلبهم ينتمون لتنظيمات متشددة إلى ليبيا؟ كما أن شماعة تفاهم تركيا مع حكومة الوفاق السابقة، فهذه التفاهمات لا تعني شيئا لأن كل الاجراءات التي تمت بها مخالفة للتشريعات الليبية، كما أنها تخالف أيضاً اتفاق الصخيرات الذي جاء بهذه الحكومة.
ومن الأمور التي تلقي بعدة علامات استفهام؛ حول موقف المجتمع الدولي من موقف تركيا، وتعنتها المتواصل حيال الحالة الليبية، ويثبت بأن هذا المجتمع الدولي، يتعمد التجاهل للموقف التركي، هو أن النقطة الثانية من بنود اتفاق جنيف الذي تم توقيعه في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020 تُقر بضرورة “إخلاء جميع خطوط التماس من الوحدات العسكرية والمجموعات المسلحة بإعادتها إلى معسكراتها، بالتزامن مع خروج جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية، براً وبحراً وجواً، في مدة أقصاها 3 أشهر من تاريخ التوقيع على وقف إطلاق النار، وتجميد العمل بالاتفاقيات العسكرية الخاصة بالتدريب في الداخل الليبي، وخروج أطقم التدريب إلى حين الاتفاق”.
ومع مرور هذه المدة التي أقرت وفق اتفاق دولي، تخرج تركيا وأمام الجميع وعبر وزارة الخارجية التركية، وتقول إنها رفضت خلال مؤتمر برلين 2 في العاصمة الألمانية، مساواة قواتها بالمرتزقة وذلك بالرغم من أن أنقرة كانت قد جلبت الآلاف من المرتزقة السوريين والعرب، لدعم ميليشيات حكومة الوفاق سابقاً في مواجهة الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
وهذه الرسائل التركية الواضحة مررتها تركيا، في وقت تدعي فيه العديد من القوى الإقليمية والعالمية، أنها تبذل جهوداً لتسريع عملية سحب المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، تمهيدا لإتمام العملية السياسية بتنظيم الانتخابات العامة في موعدها الذي حددته خارطة الطريق المنبثقة عن تفاهمات جنيف السويسرية في الـ24 من ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وتزعم هذه القوى أنها تقود مباحثات في هذا الإطار، مثلما أعلنت الولايات المتحدة وفرنسا بأن هناك تفاهمات بشأن الأزمة الليبية، خصوصاً ما أعلنته واشنطن بأنها تقود مباحثات مباشرة؛ مع أطراف وصفتها بالهامة لسحب المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، ومع هذا تتجاهل تصريحات تركيا، فعن أي تفاهمات تتحدث الولايات المتحدة؟
ويبدو مما يُمكن أن يقرأ من التحركات الدولية، هو رغبة هذه الدول في الاستفادة من ثروات ليبيا، وإعادة الإعمار، وأن تكون هناك حكومة طيعة لينة، يستطيعون من خلالها تنفيذ مصالحهم المشتركة، خصوصاً بعد التقارب الذي فرضته أمريكا على عدة دول كانت تميل للموقف الرافض لتدخل تركيا، وضد وجود قيادات إرهابية، وكذلك ضد سيطرة المليشيات على القرار الليبي.
ويُمكن أن يلخص ما يحدث الآن من تباطؤ في حلحلة المشكلة الليبية هو فرض أمريكا رؤية معينة على عدة دول عربية وإقليمية ودولية، لتبني أدواراً أقرب لموقفها، منها فرنسا، ومصر، والإمارات وفق ما أورده وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في مؤتمر صحافي مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان في باريس، والذي أشار فيه إلى أنهما ناقشا الأمن في ليبيا، والعمل على تعزيز التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مضيفاً بأنه تم الاتفاق في مؤتمر “برلين 2” على تنظيم الانتخابات الليبية وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة، غير أنه لم يشر إلى آلية ذلك وتحديد تواريخ معينة له.
ووفق تصريحات وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، أشارت بوضوح إلى أن “القوى الدولية أحرزت تقدماً في محادثات برلين في ما يتعلق بإخراج المقاتلين الأجانب من البلاد، على الرغم من أن البيان الختامي الصادر عن المؤتمر الذي تدعمه الأمم المتحدة، لم يحدد أي إجراءات جديدة عملية وملموسة لإتمام العملية”.
ولذلك ستظل مسألة المرتزقة قائمة، ما دام المجتمع الدولي لم يحدد آلية واضحة لخروج هذه القوات، وكذلك تسمية الدول التي تعيق سحب هؤلاء المرتزقة من البلاد، واستصدار قرارات قابلة للتطبيق بهذا الشأن.
وتُقدر العديد من التقارير المتعددة المصادر، بأنه يوجد في غرب ليبيا ما لا يقل عن 20 ألف مرتزق في ليبيا، وهم يمثلون عائقاً حقيقياً أمام تقدم العملية السياسية، بما يهدد بالعودة إلى مربع العنف في البلاد.
خاص وكالة “رياليست” – عبدالعزيز الرواف – كاتب وصحفي ليبي.