بدأ رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان في الفترة الأخيرة بتكريس وتركيز كل نشاطاته وخطاباته وجهوده وأحاديثه حول النازحين واللاجئين ومعاناتهم وكأنه يوحي لمن يستمع له بأن الله أعاد الخليفة عمر بن الخطاب إلى الدنيا على هيئة أردوغان، أو وكأنه روبين هود الذي يدافع عن حقوق الفقراء والجياع، إلا أن هذا الخليفة نسي تماماً بأن معاناة هؤلاء كانت وستبقى بسببه وسبب سياسته الخارجية وأطماعه العثمانية.
لقد كرر أردوغان في الآونة الأخيرة الحديث كثيراً عن إرث أجداده تحت غطاء الأمن القومي لتركيا وأنه المسؤول الأول والوريث الوحيد والأخير عن كل شبر من إمبراطورية أجداده التي ترافقت بالقتل والدمار والخراب وجلب الويلات وتتريك المناطق التي وصلوا إليها حتى الحرب العالمية الأولى، ويعتبر بذلك لزاماً عليه الدفاع عن عن مصالح أحفاد أجداده “سكان تلك المناطق” بكل ما يملك من قوة وبكل ما يستطيع توفيره من الدعم الخارجي من دول ربما تتطابق مصالحها من أحلامه بهدف زعزعة استقرار تلك الدول عبر أردوغان لتحقيق أهدافهم الجيوسياسية والتي سرعان ما سيتخلصون منه عندما تتحقق أهدافهم أو جزءً منها على أقل تقدير.
فبعد أن قام رئيس النظام التركي بدعم جميع حركات الإخوان المسلمين في مشروع ما يسمى بالربيع العربي وبمساعدة من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وبمباركة من الإتحاد الأوروبي وصل في حقيقة الأمر الإخوان إلى سدة الحكم في كل من تونس ومصر وليبيا وفشل في إيصالهم إلى سورية، على الرغم من سقوط الإخوان في مصر إلا أن آثارهم ما زالت في تونس وليبيا وإن كانت معاركهم هناك تختلف لتثبيت أنفسهم في الحكم، ففي تونس ما زالت المعركة سياسية وفي ليبيا اتخذت المعركة شكلها العسكري كلغة وحيدة ينطق بها هؤلاء، أما في سورية والتي تعتبر أقرب منطقة له استطاع أن يحشد لهذه المعركة أتباعه من جميع أنحاء العالم وقدم لهم كل ما يلزم وما يستطيع وبدعم غير مسبوق من مشغليه ولكنه وإلى هذه اللحظة فشل في تحقيق أي من الأهداف أو تنفيذ أي من الخطط التي وضعها للوصول إلى الهدف.
إن نوايا أردوغان بدأت تظهر بشكل واضح بعد أن استطاع الجيش العربي السوري وحلفائه وأصدقائه تطهير معظم الأراضي السورية التي سيطر عليها الإرهابيون من مختلف أصقاع العالم واقتصر تواجدهم على مدينة إدلب وجزءً من ريفها، وعندما شعر رئيس النظام التركي بأن الوتيرة التي يسير فيها الجيش السوري ويتقدم بدعم من حلفائه وأصدقائه في دحر الإرهاب وأنصار رئيس النظام التركي ومحبيه وأتباعه، بدأ يشعر بالقلق العميق لأن هذا التقدم سينهي كل أحلامه وأطماعه على الرغم من أنه كان يطلق التصريح تلو الاّخر بأنه لا يطمع بالأراضي السورية بل الدفاع عن إخوته المدنيين وحمايتهم من الجيش العربي السوري وحلفائه وأصدقائه الذين يتسارعون ويتفننون في قتل المدنيين وتهجيرهم وهو أمر مخالف للحقائق والوقائع التي تثبت بأنه ونظام حزبه الإخواني هو من يهجر ويتاجر بهم ويسرق أرزاقهم وممتلكاتهم ويتاجر بأعضائهم ويغتصب نسائهم ويدمر قراهم ومدنهم ويوطن في مساكنهم إرهابيين استجلبهم من مختلف أصقاع العالم الذين أجبروا السكان المدنيين وأصحاب الأرض للهجرة واللجواء سواء على الأراضي التركية أو على الشريط الحدودي ليتاجر بهم مع دول العالم وفي مقدمتهم دول الاتحاد الأوروبي ليحصل على ما يشاء ويرغب من الأموال لتمويل حربه ضد الشعب السوري وفي نفس الوقت يحصل على ما يشاء ويرغب من الدعم السياسي والدبلوماسي في مختلف المحافل الإقليمية أو الدولية .
وبالفعل فإن المتابع للحالة الهستيرية التي أصابت رئيس النظام التركي منذ تحرير خان شيخون وصولاً إلى السيطرة على الطريق الدولية حلب – دمشق وتحرير الريف الغربي لمدينة حلب يشعر بحجم المعضلة التي حلت بأردوغان فبدأ وبشكل علني في الدخول بحرب مباشرة ضد الجيش العربي السوري وألبس الإرهابيين لباس جيش حزب العدالة والتنمية التركي للتغطية عليهم وظناً منه بأن الجيش العربي السوري لن يقضي عليهم إضافة إلى الإسناد الناري وبمختلف أنواع الأسلحة التي استخدمها في المعركة الأخيرة سواء كان الإسناد من داخل الأراضي التركية أو عبر الجو باستخدام أحدث الطائرت بدون طيار والصواريخ على مختلف أنواعها ومضادات الطائرات المحمولة على الكتف واستخدام أسلحة التشويش الإلكتروني التي سمحت له وللمرتزقة الإرهابيين ولفترة وجيزة بإعادة السيطرة على مدينة سراقب الاستراتيجية والتي تقع على مفترق الطرق الدولية بين حلب ودمشق وحلب واللاذقية وكأنه يريد من هذه النقطة أن تكون الحدود الدولية الجديدة بين سورية وتركيا الجديدة.
نعم يريد من نقطة سراقب أن تكون نقطة حدود دولية بين سورية وتركيا الجديدة بحيث وتحت شعار إقامة منطقة اّمنة وعلى عمق 30-35 كلم لضمان العودة الاّمنة لمن يطلق عليهم اللاجئين والمهجرين السوريين وهنا كلمة سوريين طبعاً هي فقط لإضفاء الشرعية على عملية الاغتصاب من وجهة النظر الإنسانية على أقل تقدير والتي هي في الحقيقة فإن تحت هذه التسمية تدخل جميع العناصر الإرهابية على الأراضي السورية وفي مقدمتهم عناصر جبهة النصرة وجميع الإرهابيين الأجانب المتواجدين على الأرض السورية إضافة إلى اللاجئين على الأراضي التركية من غير السوريين، فإن تحقق حلمه بإقامة منطقة كهذه فإنه سرعان ما سيقوم بحركة غير مسبوقة وهي القيام بعملية استفتاء “داخل مدينة إدلب” وبالطبع ستكون النتائج مسبقة الصنع والتي تقضي بحسب الاستفتاء الذي يخطط له قبول الشعب السوري في مدينة إدلب الإنضمام إلى تركيا.
ويفسر ذلك عملية التتريك الممنهج للمناهج الدراسية وحتى أسماء الشوارع والقرى التي يقوم بها رئيس النظام التركي أردوغان واعتماد الليرة التركية بدلا من الليرة السورية في التعاملات التجارية وتبريره بأن تدخله في إدلب جاء بطلب من الشعب السوري وهو وبالطبع لا يقف عند هذا الحد بل يزيدها بأنه يدافع عن المسلمين السنة في إدلب الذين يضطهدهم “النظام السوري”.
لقد فقد أردوغان وعيه وتاه عنه الحقيقة انفصل عن الواقع، إذ يعتقد بأنه يستطيع تحقيق هذا الحلم الذي ربما راوده منذ أن كان صغيراً، واعتقد بأنه اليوم هو الخليفة الإسلامي الجديد وهو السلطان العثماني الجديد الذي ستنهض على كتفيه إمبراطورية أجداده والتي تضم من ضمن ما تضم دول البلقان واليونان وقبرص والعراق وحتى بلاد الحجاز والأهم من ذلك طبعاً هو شبه جزيرة القرم الروسية والتي تبجح بتصريحاته المقززة خلال زيارته الأخيرة لأوكرانيا بأنه لم ولن يعترف بأن القرم جزءً من روسيا الاتحادية.
نعم في حقيقة الأمر هناك خطراً كبيراً على وحدة وسلامة أراضي الجمهورية العربية السورية كنتيجة لسياسات رئيس النظام التركي العدوانية ولكن علينا أن لا نعير لهذه الفقاعات القادمة من الشمال ولتصريحاته الهوجاء لأننا جميعاً نعلم بأن أردوغان يتصرف بهذا الأسلوب الأقرب إلى أسلوب فاقدي العقل فقط من أجل ألا تنعكس مجريات الحرب على الداخل التركي والذي أخذ بالتحرك شيئاً فشيئاً لرفض السياسات الحمقاء لفقاعة الشمال ولن يسمح له بجعل تركيا أو أي دولة من دول الجوار مأوى للإرهابيين وملاذ اّمن للمجرمين والفارين من وجه العدالة من مختلف بلدان العالم.
ونحن نعلم جيداً بأن آثار هذه السياسات سترتد على أردوغان وحزبه حزب الإخوان المسلمين وداعميه وأن نتائج الحرب العالمية الأولى التي أوصلت الإمبراطورية العثمانية إلى وضعها الجغرافي الحالي ستوصل تركيا إلى واقع جغرافي جديد تجعل من أردوغان وحزب العدالة والتنمية يحلمون بخريطة تركيا الحالية.
خاص وكالة “رياليست” – الدكتور فائز حوالة