يبدو أننا ومع دخول العام جديد أصبحنا أمام معادلة إقليمية ودولية جديدة، فالولايات المتحدة الأمريكية التي تتابع حماقاتها السياسية في منطقة الشرق الأوسط واّخرها كان اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس مع رفاقهما قرب مطار بغداد الدولي، أدخلت العراق ومنطقة الشرق الأوسط ضمن معادلة جديدة مفادها “لا للوجود الأمريكي في غرب آسيا”، هذا المصطلح الذي أطلقته الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد حادثة الاغتيال أخذ يلعب دوراً كبيراً في معادلات إقليمية جديدة.
وحتى نستطيع القول بأنها جعلت من جميع اللاعبين الإقليميين والدوليين يعيدون حساباتهم في المنطقة ويحاولون تغيير خططهم فيها وإعادة تقييم لمصالحهم الاقتصادية والسياسية لأنهم ومن خلال الرد الإيراني المبدئي على جريمة الاغتيال أيقنوا تماماً بأنه فعلاً ما قبل الاغتيال ليس كما بعده وأن إدارة الرئيس ترامب ذهبت بهم إلى الجحيم بعد أن كانوا قد وضعوا خططاً لبقائهم وسيطرتهم شبه المطلقة على منابع الطاقة في منطقة الشرق الأوسط، وأنهم لربما يستطيعون البقاء في ذلك الجحيم، ولكن الثمن في المقابل سيكون خروجاً أفقياً للكثير من أفراد قواتهم، الأمر الذي لا يستطيعون تبريره لدافعي ضرائبهم وأمهات وزوجات وأبناء وأقارب أفراد قواتهم المتواجدة في منطقة الشرق الأوسط، وهم على دراية تامة بأن مشغلهم الأساسي ومحركهم الفعلي “الولايات المتحدة الأمريكية” بدأت الدخول الفعلي بالسباق إلى البيت الأبيض من خلال الانتخابات المزمع عقدها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2020.
إضافة إلى ذلك مشاكلهم الداخلية وتراجع النمو الاقتصادي في بلدانهم والتي لعب فيها حليفهم الأمريكي الدور الأول من خلال سلسلة برنامج العقوبات الاقتصادية التي طالت جميع دول العالم وليس الأعداء التقليدين أو المنافسين للولايات المتحدة، ففرض المبالغ الضخمة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية عليهم لتحديث أسلحتهم من خلال شراء الأسلحة الأمريكية تصل إلى نسبة 4% من الناتج القومي الإجمالي لكل دولة، والضغط عليهم لفرض عقوبات اقتصادية على روسيا من قبلهم، والتي انعكست على اقتصاديهم سلباً أكثر من تأثيرها على الاقتصاد الروسي، وعرقلة إتمام السيل الشمالي الثاني الذي سيوفر على دولهم مليارات الدولارات بالإضافة إلى الوصول السلس والآمن والرخيص للغاز الروسي لصالح فرض حليفتهم الولايات المتحدة عليهم شراء الغاز السائل الأمريكي المرتفع السعر والمحفوف بالمخاطر وخاصة خلال فترة الشتاء، وغيرها الكثير الكثير من العوامل التي سبقت رئاسة ترامب وخلال فترة إدارته للبيت الأبيض.
ولعل رئيس النظام التركي الذي كان رأس الحربة في حروب أمريكا في المنطقة شعر بذلك بعد بداية العام الجديد 2020، وتحديداً بعد افتتاح خط السيل التركي للغاز بفرعيه التركي والأوروبي الجنوبي جعله يشعر بأن هذا الأنبوب هو بمثابة شريان الحياة لتركيا التي في المقابل لم يحصل رئيس النظام التركي من الطرف الآخر سوى أنه جعل تركيا جسراً لعبور الإرهاب من مختلف أصقاع الأرض وهو اليوم على ثقة تامة بأن الدول التي أقنعته بلعب هذا الدور وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية ستتخلى عنه عاجلا أم اجلاً وتحمله جميع أخطائها وجرائمها بحق شعوب منطقة الشرق الأوسط.
لقد أثبتت مرة أخرى الدبلوماسية الروسية نجاحها في ترويض الثور الهائج “رئيس النظام التركي” بالرغم من طعنات الظهر التي تلقتها منه خلال السنوات الخمس الأخيرة “منذ بداية المشاركة الروسية في الحرب على الإرهاب” فكان لإسقاط الطائرة الحربية الروسية أثراً كبيرا على القيادة الروسية ولكنها استطاعت أن تضمد جراحها وتصبر على الألم من أجل الأهداف الاستراتيجية الروسية الهادفة بالدرجة الأولى لتخليص العالم من اّفة الإرهاب الدولي ومنع زعزعة الأمن والاستقرار الدوليين وكذلك وقف سرقة خيرات وثروات شعوب المنطقة والعالم، فهي بلد غني بخيراته وثرواته وليس لها أطماع بخيرات وثروات الدول الأخرى ولكن سياستها مبنية على أساس التشابكات الاقتصادية بين مختلف دول العالم من أجل تحقيق الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي الذي سيعود بالمنفعة على كل شعوب العالم وليس أسلوب العنجهية والهمجية ومبدأ من لم يكن معنا فهو ضدنا، وخير دليل على ذلك هو الأسلوب الذي اتبعته في ترويض الثور الهائج ذا الأطماع والطموحات التي تفوق قدرات المتعثمن الجديد وإمكانياته فذهبت معه إلى ابعد حدود التعاون الاقتصادي بين بلدين لغض النظر عن كون تركيا رأس حربة الناتو “من حيث عدد الأفراد” ورأس حربة الاستثمار في الإرهاب وسرقة خيرات وثروات سورية بالتحديد واّثارها وتهجير سكانها ثم الزج بهم في رحلات الموت عبر البحار للوصول إلى أوروبا.
وهنا يمكننا القول بأن روسيا الاتحادية بقيادة الرئيس بوتين الذي توج نتائج عمل طويل وشاق من خلال زيارته إلى تركيا بداية العام الجديد 2020، وافتتاح خط السيل التركي للغاز الروسي بفرعيه التركي والأوروبي، جعل في حقيقة الأمر رئيس النظام التركي يشعر بنشوة الانتصار “الاقتصادي على أقل تقدير” فكان عليه أن يسدد الثمن وهذا الثمن لا يقل عن وقفه لدعم الجماعات الإرهابية في محافظة إدلب فبدأ بنقل قسم منهم إلى ليبيا للتخلص منهم هناك من جهة ولغاية في نفسه الدنيئة تتمثل بمحاولة إيجاد طريق اّخر لسرقة خيرات وثروات الشعوب والضغط على أوروبا مرة أخرى انطلاقا من الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي ومن خلال حليفه في جماعة الإخوان المسلمين في حكومة الوفاق الليبية فائز السراج.
ولكن يبدو أن حساباته الإجرامية مرة أخرى لم تنجح فكان له الرئيس بوتين بالمرصاد من خلال جره عبر وزير خارجيته ووزير دفاعه ومدير مخابراته إلى موسكو مع دعوة طرفي النزاع في ليبيا أيضا لتوقيع وقف إطلاق النار والجلوس إلى طاولة الحوار بين الأفرقاء المتحاربين في ليبيا وإيجاد حل بالطرق السياسية وكانت من الرئيس بوتين خطوة جريئة للغاية عندما أعلن خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال زيارتها لموسكو بأنه لا يوجد لروسيا قوات تحارب على الأرض الليبية “قوات فاغنر” لا بل ورفع الغطاء عنهم واعتبرهم في مؤتمره الصحفي جماعات لا تمت بصلة إلى الحكومة الروسية ولا يقبضون رواتب من روسيا وهو يعلم علم اليقين بأن رئيس النظام التركي كان يبرر تصديره للإرهابيين من إدلب السورية ومناطق أخرى إلى ليبيا وكانه رداً على إرسال روسيا لقوات “فاغنر” إلى هناك والتي تقاتل الى جانب المشير حفتر.
لقد وضع أنبوب الغاز الروسي “السيل التركي بفرعيه” والخطط المستقبلية لبناء محطة توليد الكهرباء الكهرذرية رئيس النظام التركي أمام استحقاقات مهمة للغاية متمثلة ببيع مرتزقته والكف عن دعمهم لا بل والعمل وبشكل جدي وفعلي وسريع على تنفيذ اتفاقيات سوتشي للعام 2018 بينه وبين الرئيس بوتين حتى أنه من الملاحظ بأنه لم يتجرأ ويطلب فك الحصار عن نقاطه الثلاث التي يحاصرها الجيش العربي السوري في منطقة خفض التصعيد في إدلب أو في ريف حماة.
نعم لقد باع رئيس النظام التركي أذرعه الإرهابية وبمختلف مسمياتها بأنبوب غاز فهل سيقتنع من يحمل السلاح اليوم في وجه الدولة السورية بأنهم كانوا الوسيلة بيد المتعثمن الجديد لتحقيق أدنى أهدافه وطموحاته وأن قتلاهم ذهبوا إلى الجحيم من أجل أردوغان وأهدافه وطموحاته ليبقى أمامهم طريقان إما العودة إلى كنف الدولة السورية أو السحق من قبل الجيش العربي السوري وحلفائه وأصدقائه!!!
خاص وكالة “رياليست” – الدكتور فائز حوالة – موسكو