القاهرة – (رياليست عربي): في الجلسة العلنية التي عُقدت يوم الأحد 20 أغسطس الماضي، صوت أعضاء “لجنة الدمج” بمجلس الشورى الإسلامي (البرلمان الإيراني) على مشروع قانون يسحب من نقابات المحامين صلاحية إصدار ترخيص مزاولة المحاماة وتجديدها وإلغائها، ويسلم هذه الصلاحية إلى وزارة الشؤون الاقتصادية والمالية، حيث جاء في البندين الأول والثاني من نص المادة الرابعة الخاصة بمشروع قانون “خطة التنمية السابعة (2023-2027)” للحكومة الإيرانية ما يلي:
- إلغاء اختبار مزاولة مهنة المحاماة من عملية إصدار ترخيص المزاولة، وتكليف وزارة الشؤون الاقتصادية والمالية بالتعاون مع وزارة العدل والسُلطة القضائية بصياغة لائحة الإشراف على أداء المحامين في مدة أقصاها 3 شهور عقب دخول هذا القانون حيز التنفيذ، ورفعها إلى هيئة تحديد القواعد المنظمة وتحسين بيئة العمل بوزارة المالية للتصديق عليها.
- تكليف وزارة الشؤون الاقتصادية والمالية بتفعيل نظام “تقييم التزام المحامين وكفاءتهم بناءً على آراء موكليهم، ونشر نتائج تقييم كل محام وفقًا لموكليه السابقين على الملأ بشكل نزيه، وذلك بهدف الإشراف على أداء المحامين عن طريق البوابة الوطنية لتراخيص العمل بالدولة على شبكة المعلومات الدولية.
وفقًا لهذا القانون، لم تعد نقابات المحامين في إيران هيئات مستقلة مثلما كانت، بل أصبحت تتبع وزارة الشؤون الاقتصادية والمالية، وتخضع إلى قوانينها التنظيمية، كما لم تعد هذه النقابات لديها الحق في الطعن على قوانين وزارة المالية أو إبطالها في محكمة العدل الإدارية.
مظاهرات المحامين الإيرانيين احتجاجًا على القانون الجديد
بعد ما أعلن البرلمان الإيراني عن مشروع قانون نقابات المحامين الجديد، نَظَّم عدد كبير من المحامين المحتجين على هذا القانون يوم الخميس 24 أغسطس الماضي وقفات احتجاجية أمام نقاباتهم بالمحافظات الإيرانية المختلفة، كان من بينها: كِرمانشاه، ويَزد، وخُراسان الرضوية، وخُراسان الجنوبية، وأذربيجان الغربية، تشهار مَحَال وبَختياري (چهار محال وبختیاري)، وغيرها. كما عطلت نقابة محافظة “ألبُرز” نشاطها يوم الاثنين 21 أغسطس احتجاجًا على هذا القانون. واعتبر المحامون الإيرانيون قانون البرلمان الجديد ينتهك مبدأ الفصل بين السُلطات واستقلال نقابة المحامين المركزية (کانون وکلای دادگُستری مرکز)، ويتعارض مع السياسات العامة للنظام في الشؤون القضائية، ويخالف الدستور الإيراني.
وبحسب ما أعلنته إدارات العلاقات العامة بنقابات المحامين الإيرانية، طالب المحامون المحتجون من رؤساء السُلطات الإيرانية الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وهيئة الرقابة العُليا لمجلس تحديد مصالح النظام (مجمع تشخيص مصلحت نظام)، ومجلس صيانة الدستور (شورای نگهبان)، بالنظر في “المواد المخالفة للقانون والدستور الإيراني المدرجة في مشروع القانون المذكور”.
وبالتزامن مع استمرار الوقفات الاحتجاجية، دُشنت حملةٌ احتجاجيةٌ في هذا السياق، وجُمع خلالها أكثر من 19 ألف توقيع، حيث أفادت قناة “احتجاجات السوق المدنية (اعتراض مدنى بازار)” على تطبيق تبادل الرسائل والمقاطع المصورة “تليجرام” Telegram يوم الخميس 24 أغسطس، أن عدد الموقعين على حملة “الاحتجاج على الخطط ومشاريع القوانين المناهضة لاستقلال نقابات المحامين والأمن القضائي” قد وصل إلى أكثر من 19 ألف و200 شخص في أقل من 48 ساعة من تدشين الحملة.
وجاء في متن هذه الحملة الموقع عليها محامين وقانونيين: “انطلاقًا من الدفاع عن الأمن القضائي والنظام القانوني في البلاد واستقلال نقابات المحامين، واعتراضًا على كل الخطط ومشاريع القوانين واللوائح المخالفة للمبادئ الدستورية والمعايير القانونية والمواثيق العُليا خاصة السياسات العامة للنظام، نطالب بتعديل (مشروع قانون خطة التنمية السابعة) و(خطة تمويل وتنمية الإنتاج) في الشق المتعلق بالمحاماة والنقابات”.
وكتب نقيب نقابة محاميِّ قزوين (قازفين) “محمد نسخة تشي (محمد نسخه چی)” في نهاية المذكرة الموقعة: “اليوم يسن قوانين نقابات المحامين أشخاصٌ، ربما لم يطلعوا على قوانين المحاماة ولو لمرة واحدة”.
وكان نقيب نقابة محاميِّ زَنجان “عليِّ پِزشكي” قد قال سابقًا في تعليقه على مشروع قانون البرلمان الإيراني الخاص بنقابات المحامين: “في تغيير عجيب ومثير للدهشة للمادة الرابعة بخطة التنمية السابعة؛ سحبت لجنة الدمج البرلمانية صلاحية إصدار ترخيص مزاولة المحاماة وتجديدها وإلغائها من نقابات المحامين، وسلمتها إلى وزارة الشؤون الاقتصادية والمالية”.
يُذكر أن “نقابة المحامين المركزية الإيرانية” قد واجهت ضغوطًا عديدةً من قبل الأجهزة الحكومية والسُلطة القضائية طوال العقود الأربعة السابقة منذ اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979، وتحَجَّمت استقلاليتها وتقلصت سُلطاتها بسُبلٍ مختلفةٍ وبالتصديق على قوانينٍ متعددةٍ.
وفي هذا السياق، يذكر نقيب محاميِّ جولستان (گُلستان) “عليِّ طالع زاري” أن أبعاد التصديق على المادة الرابعة من مشروع قانون خطة التنمية السابعة في البرلمان وعواقبه قد أطاح باستقلالية نقابة المحامين المركزية شكلًا ومضمونًا، وحولها إلى مؤسسةٍ فرعيةٍ تابعة للحكومة الإيرانية.
التعدي على استقلالية “نقابة المحامين المركزية”
في حالة التصديق على القانون المزمع بشكل نهائي ودخوله حيز التنفيذ، سيمثل أقوى ضربة يوجهها النظام الإيراني عقب الثورة إلى “نقابة المحامين المركزية”.
وتُعد “نقابة المحامين المركزية” أول نقابة محامين في إيران وأهمها، كما أنها أقدم مؤسسة مدنية، مستقلة في البلاد، حيث تأسست باعتبارها مؤسسةً ذات شخصية اعتبارية مستقلة بموجب قانون المحاماة المُصدق عليه عام 1937، وأصبحت تُدار بصورةٍ مستقلةٍ منذ التصديق على مشروع قانون استقلال نقابة المحامين في 26 فبراير 1953، هذا فضلًا عن انضمامها إلى عضوية “نقابة المحامين الدولية” International Bar Association عام 1950.
يتشكل مجلس إدارة النقابة المركزية من 12 عضوًا أساسيًا و6 أعضاء احتياطيين، يُنتخبون كل عامين لمرة واحدة بتصويت الأعضاء، ويتولى “حسن صفا دوست” منصب النقيب الحالي، ووفقًا لقانون استقلال النقابة، يقف النقيب على قدم المساواة مع النائب العام الإيراني من حيث المقام والتمتع بالمراسم الرسمية نفسها. يعمل تحت لواء هذه نقابة وإشرافها أكثر من 30 ألف محام في العاصمة الإيرانية طهران، ومحافظات سِمنان، وسيستان، وبلوشستان (بلوچستان)، وهُرمُزجان (هرمزگان).
ومن أبرز مهام نقابة المحامين المركزية وأهمها؛ منح ترخيص مزاولة مهنة المحاماة للمحامين مستوفي الشروط القانونية، وإدارة الشؤون المتعلقة بالتمثيل القانوني، والإشراف على أداء المحامين وسلوكياتهم، والتحقيق في مخالفات المحامين وتوقيع العقوبات التأديبية عليهم، وتقديم المساعدات القضائية، وتوفير سُبل تقدم المحامين وتطورهم على الصعيدين العلمي والعملي.
النظام الإيراني ومعاداة نقابة المحامين المركزية
إن نظام “الجمهورية الإسلامية” منذ نشأته عام 1979 يناصب نقابة المحامين المركزية العداء، وما يحدث الآن من مساعٍ ترمي إلى تهميش دور النقابة وتقويض استقلالها ليس أمرًا جديدًا، فقد حالت القوى الناشئة عن الثورة الإيرانية في البداية دون إجراء انتخابات مجلس إدارة النقابة عام 1980، ثم نَصَّبت مشرفًا عليها مستغلةً وجود عدد كبير من أعضاء مجلس الإدارة خارج إيران بسبب الاضطرابات السياسية داخل البلاد وشروع الحرب الإيرانية العراقية (1980: 1988).
وفي عام 1983 أصدر رئيس محكمة الثورة “محمد محمدي الجيلاني (محمد محمدى گيلانى)” المُعين من قبل قائد الثورة “الخُمينيِّ”، حكمًا يمنع 57 محاميًا من مزاولة المحاماة.
في ظل هذه الظروف، ظلت نقابة المحامين تدار بواسطة مفوضٍ من قبل الحكومة الإيرانية حتى عام 1997، إلى أن تمكن المحامون بعد ما يقرب من 20 عامًا من إجراء انتخابات مجلس إدارة النقابة مرة أخرى. ووفقًا للقانون الذي كان قد أقره البرلمان الإيراني، كان على المحامين أن يحصلوا على موافقة المحكمة التأديبية العُليا للقُضاة على مرشحي الانتخابات، وبعدها يُقيمونها.
والحقيقة أن ما جعل استقلالية نقابة المحامين المركزية أمرًا يثير الإعجاب ويلفت الاهتمام هو أنها كانت تُدار باعتبارها مؤسسة مدنية، غير حكومية، لا تحصل على أية أموال من موازنة الدولة، وتقوم بتدريب المحامين الجدد، لكن مع التصديق على المادة (187) من مشروع قانون “خطة التنمية الثالثة” في 5 أبريل 2000، أصبح المستشارون القانونيون والمحامون يتبعون السُلطة القضائية من خلال “مركز شؤون المستشارين القانونيين والمحامين وخبراء السُلطة القضائية ومجلسه التنفيذي المُعين من قبل رئيس السُلطة القضائية”، وليس “نقابة المحامين المركزية”.
وبناءً على هذه المادة، إذا وجد أي مُحقق أو مدع عام أو قاض أثناء سير المحاكمة أن سلوك المحام أو المستشار يخالف نص المادة (187)، فيحق له إلغاء ترخيصهما، لذا لا يجرؤ أي محام أو مستشار مطلقًا على التصرف بشكل مستقل خوفًا من سُطوة القاضي.
وعلى الرغم من أن تأسيس “نقابة المحامين المركزية” هو إحدى ثمار الثورة الدستورية في إيران (1905: 1911)، إلا أنها خطت خطواتها الأولى كمؤسسةٍ مدنيةٍ وغير حكوميةٍ ومستقلةٍ في البلاد مع بدايات العصر البهلوي (1925: 1979).
وضع اللبنة الأولى في تأسيس “نقابة المحامين الإيرانيين” وزير العدل “عليِّ أكبر دافار (على اكبر داور 1885: 1937)”. ويُنسب إلى هذا الرجل تأسيس النظام القضائي الحديث في إيران وصياغة أول قانون مدني بالبلاد.
كان دافار قد درس العلوم السياسية في إيران، ثم توجه إلى سويسرا لاستكمال دراسته هناك، حيث درس القانون ونال درجة الدكتوراة فيه. بعد عودته إلى إيران اُنتخب عضوًا في مجلس الشورى الوطني –مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان الإيراني) حاليًا– على مدار دوراته الرابعة والخامسة والسادسة. وفي فبراير 1927 تولى منصب وزير العدل في حكومة رئيس الوزراء “حسن مستوفي الممالك”، وعهد الملك البهلوي “رِزا بهلوی (رضا شاه پهلوی)”.
أحدث دافار تغييرات جمة في جهاز القضائي الإيراني كانت كما يقول بنفسه “إنها قنبلةٌ ألقيتها في وزارة العدل”، فقد حلَّ جميع مؤسسات وزارة العدل، وبموجب تصديق عاجل من مجلس الشورى على قانون المادة (150)، شكَّل لجنةً من “خبراء القانون” حتى يصيغوا في غضون 6 أشهر المواد المتعلقة بإصلاح قواعد تنظيم مؤسسات وزارة العدل والتوظيف بها، والمحاكمات القضائية، ثم يرسلون هذا المواد إلى المجلس للتصديق عليها.
وقد نصت المادة (150) على تعيين عددٍ من المحامين الدائمين والمؤقتين في لجنة الخبراء، وبناءً على ذلك، انتخب محامو إيران 6 أشخاص منهم أعضاءً في هذه اللجنة؛ وهم: هاشم الوكيل، وأحمد شریعت زاده (المستشار)، وحُسين عليِّ نقیب زاده مشايخ، وقافام الدین مجیدي (قوام الدين مجيدى)، وجلال الدين نَهافندي (جلال الدین نهاوندی)، وعليِّ أصغر جورجاني (على أصغر گُرگانى).
كانت “رابطة المحامين الرسمية الإيرانية (مجمع وکلای رسمی)” التي عُرفت باسم “إدارة الشؤون القضائية (اداره امور قضایی)” لفترة من الوقت، من بين مؤسسات وزارة العدل المنحلة، وكان يرأسها “جلال الدين نَهافندي”، فخُولت المسؤوليات المنوطة بها إلى “إدارة الإحصاء القضائية (اداره احصائیه قضایی)” برئاسة “داوود پیرنیا”. وفي 17 يوليو 1930، دعا پیرنیا عددًا من المحامين إلى منزله، وأبلغهم أن وزير العدل يريد تأسيس “نقابة المحامين”، حيث اُتخذ في هذا الاجتماع القرارات المبدئية الخاصة بكيفية تشكيل النقابة وسُبل تمويلها. وفي 11 نوفمبر من العام نفسه، افتتح دافار “نقابة المحامين” بحضور جموعٍ من محاميِّ إيران. واقترح نَهافندي نيابةً عن محامي إيران على دافار أن يتولى رئاسة النقابة امتنانًا منهم لما بذله من جهود في سبيل تأسيس نقابة المحامين. على هذا النحو تأسست أول “نقابة للمحامين الإيرانيين” برئاسة “على أكبر دافار” أول نقيب لهم، ونائبه “داوود پیرنیا”.
أما مصطلح “النقابة المركزية” فقد اُستخدم لأول مرة في وسط المحامين الإيرانيين بعد التصديق على قانون المحاماة عام 1937 في عهد وزير العدل “أحمد متين دَفتري”، حيث منح هذا القانون إلى نقابة المحامين نوعًا من الاستقلال النسبي “شكليًا”. افتتح دفتري في 17 مارس 1938 “نقابة المحامين المركزية”، وعين مجلس إدارتها بالقرعة، حيث تولى هو منصب النقيب، و”هاشم وكيل” و”مُحسن همراز” منصب نائب النقيب.
بعد ذلك، جرى الحديث بين المحامين الإيرانيين حول استقلالهم واستقلال نقابتهم بشكل فعلي، ففي عام 1941 قدمت نقابة المحامين مشروع قانون تعديل قانون المحاماة إلى وزارة العدل من أجل طرحه في مجلس الشورى للتصويت عليه، لكن الوزارة لم تتخذ خطوةً جادةً في هذا الصدد. وفي عام 1947 قدمت النقابة مرة أخرى مشروع القانون السابق مع بعض التعديلات إلى وزارة العدل متضمنًا 10 نقاط رئيسة على النحو التالي:
- اختصاص المحامين بالتمثيل القانوني أمام المحاكم والمجالس القضائية والإدارية
- منح ترخيص مزاولة مهنة المحاماة إلى حاملي ليسانس الحقوق فقط
- منع القُضاة من مزاولة مهنة المحاماة في مقار الخدمة القضائية لمدة 5 سنوات
- حماية المحامين من الملاحقة الأمنية والتعرض لهم بسبب المرافعة عن المتهمين والدفاع عنهم
- إلغاء المواد المخالفة لشؤون التمثيل القانوني من القوانين
- تنفيذ عقوبة سب وقذف المحامين
- منح صلاحيات وزارة العدل الخاصة بالمحامين إلى النقابة المركزية
- انتخاب مجلس إدارة نقابة المحامين من قبل المحامين مباشرة
- تشكيل أغلب قُضاة المحكمة التأديبية العُليا من المحامين
- سحب سُلطة إيقاف المحامين عن مزاولة المحاماة من وزير العدل
هذه المرة طرحت وزارة العدل مشروع القانون في مجلس الشورى للتصويت عليه، لكن المجلس لم يتخذ خطوة حياله. ظلت المياه راكدة مجراها إلى أن تولى “محمد مُصدق (1882: 1967)” رئاسة الوزراء في أبريل 1951. كان مصدق مناضل وطني، ذو توجهات قومية وليبرالية، وهو مؤسس “الجبهة الوطنية” في إيران، وصاحب قرار تأميم صناعة النفط، وهو القرار الذي حفر اسمه في تاريخ إيران المعاصر، وفي الوقت نفسه حفر قبره أيضًا.
درس مصدق العلوم السياسية في “معهد الدراسات السياسية” بباريس Institut d’Etudes Politiques de Paris، ثم توجه إلى سويسرا لاستكمال دراسته، فحصل على درجتي البكالوريوس والدكتوراة في القانون من جامعة “نيوشاتيل” Université de Neuchâtel. بعد عودته إلى إيران شغل مناصبي وزير المالية في حكومة رئيس الوزراء “أحمد قافام (احمد قوام)”، ووزير الخارجية في حكومة رئيس الوزراء “حسن پيرنیا”، وذلك خلال عهد آخر ملوك الأسرة القاجارية “أحمد شاه قاجار”، كما اُنتخب عضوًا في مجلس الشورى الوطني خلال دوراته الأولى والخامسة والسادسة والرابعة عشرة والسادسة عشرة.
خلال وجود مصدق في مجلس الشورى، دعم قضية استقلال المحامين خلال خُطبه بقوة، وكان يقول: “طالما لم يكن المحامون مستقلين، أي لم يكن مصيرهم بأيديهم، لن يحترم القضاء والقُضاة حقوق المتهمين”.
بناءً على ذلك، عقب جلوس مصدق على كرسي رئيس الوزراء في عهد الملك “محمد رضا شاه بهلوي”، صدق في 26 فبراير 1953، بموجب السُلطة الممنوحة له من مجلسي الشورى والشيوخ لمدة 6 أشهر، على “مشروع قانون استقلال نقابة المحامين” بعد تعديل بعض المواد وإضافة مواد أخرى شمل إجمالها (23) مادة. وكان وزير العدل آنذاك “عبد العليِّ لُطفي”.
وفقًا لهذا القانون، اُعترف لأول مرة بـــ “نقابة المحامين المركزية” باعتبارها مؤسسةً ذات شخصية اعتبارية مستقلة، تُشكل في مقر كل محكمة بجميع المحافظات الإيرانية. كما تولى المحامون الإيرانيون مسؤولية إدارة شؤونهم؛ من بينها انتخاب مجلس إدارة النقابة.
وقد نص هذا القانون أيضًا على منع إيقاف أي محام عن ممارسة مهنته أو تعليق نشاطه إلا بموجب حُكم نهائي من المحكمة التأديبية العُليا للقُضاة. هذا الأمر كان انجازًا كبيرًا سعى إلى تحقيقه محامو إيران بعد صولات وجولات حامية الوطيس مع الحكومة الإيرانية على مدار ما يقرب من نصف قرن من الزمان، وفي هذا الصدد يقول وزير العدل الأسبق “أحمد متين دفتري” الذي كان قد أقر قانون عام 1937: “إن أساس استقلال المحامين هو نفسه سُلطة محاكمة أعضاء النقابة”.
على هذا النحو ناضلت نقابة المحامين المركزية الإيرانية على مدار سنوات طويلة من أجل الحصول على استقلالها، لكن يبدو أن النظام الإيراني لا يستطيع تحمل نقابة محامين مستقلة في ظل فساد الجهاز القضائي وتورط عدد من رجالاته رفيعي المستوى خلال السنوات الأخيرة في قضايا فساد مالي وإداري واستغلال سُلطة ونفوذ؛ لعل أشهرها وأوسعها تداولًا على الصعيد الإعلامي كانت قضية “أكبر طبري” نائب رئيس السُلطة القضائية الأسبق ورئيس مجلس تحديد مصالح النظام الحالي “صادق لاريجاني”.
إن الجهاز القضائي في إيران قد تحول إلى ساحةٍ ترتع فيها قوات الأمن، واُستبعد جميع القُضاة الأكفاء والشرفاء من المحاكم والمؤسسات القضائية المختلفة، وتحولت محكمة الثورة وقُضاتها إلى أداةٍ في أيدي رجال الأمن تلبي رغبات النظام الإيراني غير القانونية.
إذا صَدَّق البرلمان الإيراني على مشروع القانون الجديد الخاص بنقابات المحامين، فسوف ينهار آخر صرح “مدني مستقل” في الدولة الإيرانية، وهي “نقابة المحامين المركزية” البالغ عمرها قرابة قرن من الزمن؛ أي ما يعادل ضعف عمر “الجمهورية الإسلامية” المتمخضة عن ثورة 1979.
خاص وكالة رياليست – د. محمد سيف الدين – دكتوراه في الأدب الشعبي الفارسي، وخبير في التاريخ والأدب الإيراني – مصر.