رغم الترحيب المعتاد من المجتمع الدولي لما حدث في بوزنيقة، والإشادة بما تم تحقيقه من اتفاق بين فريقي الحوار إلا أن الغموض السائد حول مخرجات الحوار، يجعل التفاؤل بما تم الوصول إليه فعل غير قابل للتحقيق حتى الآن في الداخل الليبي على الأقل.
الليبيون لا تزال ذواكرهم حاضرة بخصوص المبادرات الدولية التي عُـقدت لأجل ايجاد حل لمشكلتهم ، وأصبحت ثقتهم شله معدومة في كل ما تقدمه الأمم المتحدة وبعثتها في ليبيا، ولا تزال ذكريات اجتماعات مونترو وفي بوزنيقة، وفي القاهرة ، وتونس ، والصخيرات، وموسكو، تتجسد كواقع صفري حتى الآن في الحالة الليبية. ويأتي تخوف الليبيين وشكوكهم في كل الحوارات والاجتماعات ، كونها تتبع نفس النسق، وكأن المشكلة عبارة عن سوء فهم عابر، ستحله لقاءات عابرة أيضا، تعقد في دول مجاورة أو صديقة ، أو حتى بعيدة عن جغرافيا البلاد وواقعها.
فما يطرح من قبل رعاة الحوار، ينظر له الليبيون على أنه عبارة عن ترف سياسي، يسعى رعاته إلى إطالة أمد الأزمة، لأن كل ما يتم عرضه عبارات فضفاضة تصلح للتصريحات الاعلامية، والحوارات السياسية، لكنها لا تصل لحل أزمة عميقة مثل الأزمة الليبية، والتي إن لم يعالج لبَّها ستظل كل هذه المحاولات مجرد نزهة لمن يشارك بها ، هذا إذا افترضنا حسن نوايا المشرفين عليها، وستظل مخرجاتها مثل المُسكّن الطبي ، يخفف الألم لكنه لا يقضي عليه.
ويرى الشارع الليبي بأن سبب الأزمة الليبية أمني بشكل واضح، وهذا العنصر لا تعمل عليه بشكل جدي ومباشر الأمم المتحدة ، أو رعاة الحوارات الليبية، ولم تُسمى الأشياء بمسمياتها بهذا الخصوص، فهي لم تعرض أي حل حاسم للقضاء على المليشيات، وطريقة انهاء المظاهر المسلحة في العاصمة الليبية، ولا مستقبل الجماعات المتشددة ذات التفكير الإرهابي، بل أنها وافقت على وجود ممثلين في الحوار، وتسعى الجهات الراعية للمحادثات الليبية، بأن يظل لهم وجودا في الحالة الليبية، بشكل أو بأخر.
ووفق أصوات عديدة في ليبيا، فإن السؤال المطروح، لماذا تُصر الدول الكُبرى والمنظمات الدولية والجهات الراعية للحوار الليبي، على أن تكون تنظيمات مثل الإخوان المسلمين، وقادة المليشيات المسلحة، وكذلك إرهابيين أغلبهم كانوا مسجونين في عدة دول حول العالم؟ ولماذا يصرون على أن يكون لهم دور في الدولة الليبية ؟ ولماذا لم نسمع حوارات مع أمثالهم حين تتعرض دول أخرى لتواجد مثل هذه الجماعات ؟.
وينظر الليبيون لمخرجات بوزنيقة بنوع من عدم الاكتراث والثقة، خصوصا أنه لم تطرح على الليبيين جدول أعمال هذا الحوار، ولا آلية الاتفاق التي قيل أنها سيناقشها الطرفان هناك، كما أن الغموض الذي يلف جلساتها من جانب وفد البرلمان، يجعل المتابع في الداخل الليبي، لا يجد ارتياحا فيما ينضح من تصريحات غامضة حولها.
وما يثير مخاوف الليبيين هو ما أعلن عنه إثر انتهاء الجولة الثانية من حوار بوزنيقة، هذا الاعلان الذي لم يعطي الليبيون مؤشرا واضحا، حول مصير التسلح خارج المؤسسات الرسمية، ولا مصير القيادات المتطرفة والمؤدلجة في شكل الدولة القادمة، كما أن تصريحات الدولة الراعية “المغرب” لم تخرج عن إطار الدبلوماسية، ولم تقدم ما يُمكن أن يشير إلى أن هناك نقاطا ستكون مهمة في إناء الأزمة الليبية الراهنة.
فوزير خارجية المغرب “بوريطة” تحدث بعبارات يلفها الغموض، مشيرا إلى أن الجولة الثانية من حوار بوزنيقة، الذي جمع ممثلين من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، “انتهت بتوافقات مهمة بين الأطراف الليبية” وتوصلهم إلى «تفاهمات على توزيع المناصب السيادية». كما أن الطرفين الليبيين لم يوضحا طبيعة هذه التفاهمات، وأكتفى كل طرف بأنه سيحمل مسوَّدة ما تم التوصل إليه ، إلى رئاسة البرلمان ومجلس الدولة للتوقيع. وهذا الأمر سيرفع درجة الخوف والشك أكثر لدى الليبيين من نتائج هذه الاجتماعات الغامضة.