موسكو – (رياليست عربي): قال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف: “إن السودان لم ينسحب من اتفاق مع روسيا لإقامة منشأة بحرية روسية هناك”، طبقاً لوكالة “رويترز” للأنباء.
وتابع بوغدانوف “أعتقد أنه يمكن دائماً التوصل لحل وسط … لم ينسحبوا من الاتفاق ولم يسحبوا توقيعهم. لديهم بعض الأسئلة التي استجدت”، وقال السودان في وقت سابق من هذا الأسبوع إنه يراجع الاتفاق المتعلق باستضافة قاعدة بحرية روسية على ساحل البحر الأحمر وهو اتفاق تم التوصل إليه في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير قبل الإطاحة به في انتفاضة شعبية في 2019.
تنافس شديد على القارة السمراء
لا شك بأن أفريقيا تشكّل ثقلاً اقتصادياً مهماً لكل الأطراف التي تتواجد فيها، وعلى الرغم من ذلك، كل طرف يحاول الاستئثار بها لوحده، من خلال تحالفات وتكتلات، وصل بعضها إلى إسقاط أنظمة كما الحالة الليبية، وبعد عشر سنوات من سقوط ليبيا، يبدو أن هذا البلد شمال أفريقي يُعتبر بوابة دخول إلى القارة الأفريقية سواء كان الدعم سياسياً أم عسكرياً، رسمياً أم دعماً للمتشددين، إذ لم تكن لتنشط الجماعات المتشددة في القارة كما الآن، ولم يشهد العالم انقلابات عسكرية وانتقال للسلطة كما يحدث في أفريقيا، إذ يجد المتابع أن هناك اهتماماً امريكياً من خلال وضع قوات مرابطة ومتاخمة وقريبة من القارة، “قوات أفريكوم”، كذلك لا ننسى التواجد العسكري الأوروبي، وبالأخص الفرنسي.
ومؤخراً برزت السودان وما يحدث فيها من تنافس، حيث حاول الغرب الاستئثار بها، من خلال إعفاءها من ديونها، وتقديم القروض الدولية لها، وبرزت فرنسا من خلال مؤتمر باريس الأخير كحامية عن مصالح السودان، ومساعدة له خاصة في الجانب الاقتصادي، لكن كل هذا لم يلقَ قبولاً فقد استطاعت روسيا إنعاش وإحياء اتفاقية إقامة منشأة بحرية روسية على البحر الأحمر، وهذا أمر لن يعجب لا الولايات المتحدة الأمريكية ولا الغرب الأوروبي.
خسارة فرنسية مدوية
ومن البديهي أن فرنسا لا يمكن لها مقارعة روسيا أو التغلب عليها لا سياسياً ولا عسكرياً ولا يمكن لها أن تحدث نزاعات في أفريقيا أكثر مما حدث سواء ليبيا أو مالي أو تشاد وحتى السودان نفسها، فرغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون واضحة في هذا الشأن إذ تتمحور في أن باريس ترغب العودة وبقوة إلى أفريقيا، بعد أن بدأت الصين بملء الفراغ اقتصادياً فيها، إلى جانب الدور الروسي المستجد الذي يأتي على حساب فرنسا، حيث خرج الفرنسيون من جمهورية إفريقيا الوسطى عسكرياً ليحل محلها مستشارون عسكريون روساً، فضلاً عن اتهام موسكو بالوقوف وراء الانقلاب الذي حدث في مالي العام 2020، واتهام عناصر فاغنر بتدريب المعارضين التشاديين الذين اطاحوا بحكم الرئيس إدريس ديبي وقتله.
من هنا، بدأت الدول الكبرى تبدأ في طرح خياراتها على الطاولة وبناء تحالفات تؤمن الاستحواذ على هذه القارة الغنية بالموارد الطبيعية، حيث بدأ السباق المحموم إليها بشكل كبير ما يعني أن النفوذ الفرنسي كمرحلة أولى سينخفض تدريجياً إلا إذا انتهجت باريس خطوات جدّية وأساسية في إعادة القارة على سُلّم اولوياتها، وإدارتها بطريقة جديدة عبر الاستثمار والمشاركة لا عبر الاستعمار، وبالتالي تكون قد خسرت في سوريا وفي لبنان والآن أفريقيا، والآن الفرصة سانحة أمام موسكو لتثبيت تواجدها العسكري على البحر الأحمر، وعليها أخذ كل التدابير لأن المؤكد لن تقف واشنطن مكتوفة اليدين.