تشي تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، التي أدلى بها يوم أمس الثلاثاء، بالكثير حول مستقبل التوافقات الروسية-الأميركية بخصوص سوريا -تحديداً- خلال الفترة المقبلة، وكذلك آلية الحل في سوريا وتوقيته، وذلك بعد إعلان ريابكوف استعداد موسكو للحوار مع واشنطن في مختلف القضايا الثنائية والدولية، بما في ذلك الملف السوري.
رغم أن التصريحات المُعلنة داخل الجلسات السياسية أو الأحاديث للوسائل الإعلامية ليست قناة التواصل “المنطقية” بين واشنطن وموسكو -بالأخص حول التفاهمات المتعلقة بسوريا-، لكن موسكوعلى ما يبدو رأت أن الوقت قد بات مواتياً لإعلان نواياها تجاه الإشارات/التحركات الأميركية. ورغم الخلافات السابقة بين الجانبين حيال الشأن السوري، إلا أن قنوات الحوار على ما يبدو لم تغلق وماتزال قائمة.
ريابكوف الذي قال خلال المناقشات المُكرّسة للعلاقات الروسية الأميركية التي نظمها مجلس العلاقات الخارجية بنيويورك يوم الثلاثاء، أن موسكو تخوض حوارا مُعمقاً مع واشنطن عبر القنوات العسكرية، وبأن آلية منع “الصدامات العرضية” في سوريا تعمل، معتبراً أنها تجربة جيدة نعول على إمكانية تطبيقها على حالات أخرى، دون أن يسميها مباشرة.
يمكن تصنيف دلالات التصريحات الروسية ضمن ثلاثة مستويات، أولها يأتي لنسف كل التسريبات/الأنباء التي انتشرت بشكل مكثفحول اعتماد الروس على تعيين مجلس مؤقت في سوريا من قيادات النظام العسكرية والأمنية.
التسريبات التي كانت ادعت بقرب الإعلان عن المجلس الذي تريده أو توافق عليه روسيا، وعلى لسان مصادر ادعت أنها مقربة من القصر الجمهوري بدمشق، تأتي متزامنة مع أزمة التدهور الجديدة التي ضربت بالاقتصاد السوري وبسعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي. حيث جاء تصريح ريابكوف ليقلل من شأن تلك التسريبات ويقول عبر تصريحه -آنف الذكر- و لجميع الأطراف بمن فيهم الولايات المتحدة، بأنه ورغم كل ما يحصل الآن فإن بشارالأسد ما زال يمثل لدينا ورقة صالحة -حتى الآن- فعلى واشنطن ألاتنتظر أي تحرك ضمن ما يعتبر بالانقلاب العسكري في هذا الوقت، ولا إمكانية من أي تبديلات وتغييرات جوهرية سوى ما يمكن أن نتفقعليه في الفترة المقبلة ولكن خارج مقام رئاسة الجمهورية. كذلك يبرز ضمن المستوى الأول لدلالات تصريح ريابكوف بأن مهمة الكسندر يفيموف (السفير الروسي بدمشق والمكلف حديثاً كمبعوث خاص للرئيس الروسي لتطوير العلاقات مع دمشق) تبدو أنها تسير بشكل جيد وليس هناك أية إجراءات يقوم بها الأخير خارج إطارالتنسيق والتوافق مع دمشق و الأسد.
تصريحات ريابكوف أكدت على جدية موسكو في التعاون مع واشنطن -كما بدا من لغة الدبلوماسي الروسي- مشيراً إلى أنه وفي نهاية المطاف يتوجب إيجاد صيغة رسمية لتعاون روسيا مع الولايات المتحدة حول سوريا. وهنا يأتي المستوى الثاني من دلالات التصريح الروسي حيث يبدو وكأن موسكو تحاول الرد “لأول مرة” على تصريحات المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري في أكثر من مناسبة والتي كان قد طرح من خلالها عدة رسائل إيجابية نوعاً ما صوب موسكو، من بينها عدم رغبة واشنطن في إخراج النفوذ العسكري الروسي من سوريا. وهنا في هذا الجانب يتصل الخطاب الروسي بتداعيات التواجد المزدوج لكلا الطرفين في مناطق شرق الفرات والتوترات الميدانية التي تتصاعد بين الحين و الآخر هناك.
ولعل أبرز مسألة تتصل في المستوى الثاني من تصريحات ريابكوف، تلك التي تتمثل بالتوافق المرتقب بين روسيا والولايات المتحدة حول الآلية الأنسب التي تضمن إخراج النفوذ الإيراني من سوريا، وهو الجانب المحوري الذي يُنتظر تنفيذه من أجل حلحلة الأمور المُعقدة في الملف السوري، وقد تحمل الأيام المقبلة تطورات متسارعة فيما يتعلق بهذه المسألة. حيث أكد ريابكوف في تصريحاته بالقول “سنوسع آليات حوارنا مع الولايات المتحدة إذا أبدت واشنطن رغبتها في ذلك وردت بالمثل. ونحن من جانبنا مستعدون”.
وأما عن المستوى الثالث “الأهم”، والذي يتعلق بتفعيل قانون”قيصر” الأميركي، فموسكو التي تلمّست رغبة واشنطن في عدم التصعيد معها بسبب هذا القانون، تُريد إخطار واشنطن بأنه من الأفضل للطرفين أن تكون هي شريك معها خلال الفترة المقبلة بأن يفجر “قيصر” كل الملفات المشتركة، وهذا ما قد توافق عليه أيضاً واشنطن بخاصة وأن الأزمات المتعاقبة على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد تجبرها أكثر من أي وقت مضى على تلافي تأجيج الأروقة الدبلوماسية للإدارة الأميركية قبل الانتخابات الرئاسية خلال الأشهر القليلة المقبلة.
إذاً روسيا لا تريد أن تُظهر أي توتر وقلق حيال قرب تطبيق”قيصر”، ويهمها في المقام ذاته ضمان حضورها بشكل قوي وحاسم في سوريا دون تعريض نفوذها/هيبتها لأي اهتزاز، وهي التي تدرك بأن نفوذ إيران في سوريا بات كابوساً يثقل كاهلها، لكنها في الوقت ذاته ربما تريد إظهار قوة كلمتها في الإبقاء على الأسد في المرحلة المقبلة وعدم الرضوخ لضغوط ليست بالجديدة حيال مصير الأسد.
مالك الحافظ- باحث و محلل سياسي، خاص لوكالة أنباء “رياليست”