إندلعت مظاهرات شعبية كبيرة في العاصمة العراقية بغداد، وعدد من المدن العراقية الأخرى، للتعبير عن رفضهم للفساد الحكومي، وتحسين ظروف المعيشة وتأمين فرص عمل، مع مطالبات بإستقالة الحكومة الحالية، طبقا لوكالة سكاي نيوز العربية.
لماذا الآن؟
من المعروف عن العراق أنه بلد غني بموارده من نفط وماء وغاز وغير ذلك، إلا أن الشعب العراقي يعيش في ظروف صعبة، ليس آخرها مسألة إنقطاع الكهرباء المتكرر وشح المياه وضرره على القطاع الزراعي، إلى جانب ارتفاع الأسعار وغلاء كل شيء، في ظل تعاقب حكومات من بعد الحرب الأمريكية على العراق عام 2003 إلى اليوم، لم يستطيعوا تغيير واقع العراق بل نستطيع القول إن الوضع من سيء إلى أسوأ، مما أدى إلى خروج الجماهير الغاضبة من سياسية تلك الحكومات، فهل هذه المظاهرات شفافة وعفوية أم مسيسة لصالح جهات تريد الإطاحة بالحكومة الحالية؟
بعض الأوساط السياسية والإعلامية العراقية عللت أن الإحتجاجات الشعبية غير مسيسة، بل خرجت من تلقاء نفسها عبر دعوات على وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يتناقض وطبيعة هذه الإحتجاجات التي إعتمدت إلى إتباع سياسة التخريب من خلال حرق بعض المقار والمؤسسات الرسمية، وما يجعل هذه الفرضية غير مقبولة، أن الحكومات السابقة لم تحقق للعراق أي شيء، ومع ذلك لم يحدث بزخم الإحتجاجات الحالية، رغم أن السنوات السابقة إتسمت بالحرب على تنظيم داعش، وتجاهلت الوضع العراقي الداخلي أو أرجأته ريثما يتم لفظ الإرهاب، لكن التخريب لا يخدم مطالب ولا قضية، في ظل وقوع قتلى وإصابات ومشاحنات بين قوى الأمن العراقي والمتظاهرين.
نحو بناء موقف عراقي مستقل
إن رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي ومنذ تسلمه منصبه، سعى إلى إحداث فرق والنهوض بالعراق مجددا، ونشطت الزيارات واللقاءات الدبلوماسية مع نظرائه من الدول المجاورة، فضلا عن الإتفاقيات التجارية والإقتصادية، محاولا ترميم إخفاقات سياسات الحكومات السابقة، ولعل عوامل توجهه إلى الإتحاد الروسي وإيران، والنأي بالعراق عن مشاكل الإقليم، ساهمت في جعله خصما لا صديقا للولايات المتحدة. و إذا نظرنا لبعض الحقائق الملموسة الآتية سنتأكد من فرضية وجود رغبة أمريكية بالتخلص من الحكومة العراقية الحالية: وجود نية عراقية بشراء أسلحة دفاع جوي روسية بالإضافة لبحث مسائل شراء مقاتلات و صواريخ أرض جو، فالإدارة العراقية تعي جيداً أن الأسلحة الأمريكية التي في حوزته غير متطورة، و هذا ما أكده رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي محمد رضا المعلومات لـ “العربي الجديد“؛ الأوساط السياسية و العسكرية العراقية ليس لديها شك في تورط الجيش الأميركي في القصف المستمر لمقرات “الحشد الشعبي”، بالإضافة إلى رغبة البيت الأبيض في زيادة عدد القوات العسكرية في قاعدة عين الأسد الجوية، مما جعل العلاقات الأمريكية-العراقية في الفترة الأخيرة متوترة للغاية؛ زيارة رئيس الوزراء العراقي للمملكة العربية السعودية في نهاية سبتمبر/أيلول المنصرم، تمت دون تنسيق مع الولايات المتحدة و جاءت لتُبعد شبهات إستخدام الأراضي العراقية لضرب مقرات شركة أرامكو، بالإضافة لمحاولة لعب دور الوسيط بين القيادة الإيرانية و السعودية؛ رئيس الوزراء العراقي بدأ بإهتمام كبير تنمية العلاقات الإقتصادية مع الصين، و هذا نراه في زيارته الأخيرة للصين في الثلث الأخير من شهر سبتمبر الماضي؛ فتح معبر القائم الذي قد يمهد الطريق أمام طهران لإكمال مشروع السكك الحديدية الذي يربطها مع العراق وسوريا، الأمر الذي يدفع بالدول الثلاث للتعاون المستقبلي في أكثر من ملف وهذا الأمر من المؤكد أن واشنطن لن ترغب في تحقيقه تحت أي ظرف؛ و أخيراً، نرى تأكيد رئيس الوزراء العراقي المستمر على ان مهمة العراق هي الحفاظ على أمنه واستقراره وتجنب اية خطوة للتصعيد وعلى منع استخدام اراضيه ضد أية دولة مجاورة، بالإضافة إلى الإبتعاد عن سياسة المحاور. و هذه السياسة ضد كل التحركات التي تجريها واشنطن في المنطقة. من هنا رأينا ارتفاع سقف المطالبات الشعبية بإستقالة الحكومة العراقية الحالية.
يبدو أن العراق المُقسم بين النفوذ الأميركي و النفوذ الإيراني، سيواجه الفترة المقبلة تحديات داخلية تتمثل في حجم المظاهرات و إرتفاع مستوى التخريب الناتج عنها، بالإضافة إلى تحديات خارجية تتبلور في قصف مستمر من جانب الجيش الإسرائيلي و الأميركي لمقرات الحشد الشعبي و زيادة مسألة الضغط السياسي الأميركي على هذه الحكومة لتتماشى مع سياساتها، في حين أن هناك ضغط سياسي من الطرف الآخر- إيران عليها لنفس السبب، ليخرج العراق و شعبه من هذه المعادلة ليكون الخاسر الوحيد في ظل هذه التجاذبات.