قال نصر الله في خطاب متلفز: إن الانفجار الضخم في مستودع المرفأ الذي وقع يوم الثلاثاء وهز العاصمة اللبنانية كان “حادثة استثنائية” تتطلب الوحدة والهدوء. وأضاف أن حزب الله سيوضح موقفه السياسي عندما تهدأ الأجواء في البلاد، طبقاً لوكالة “رويترز” للأنباء.
إن الحدث المزلزل الذي طال مرفأ بيروت وُصِف بالكارثة المصغرة عن تفجير “هيروشيما” النووي لفداحته وقوته، والتي كادت أن تمسح العاصمة اللبنانية عن الوجود، بينما تعددت سيناريوهات الإنفجار، ورمي التُهم، خاصة في الداخل اللبناني، والذي كان للشعب تجربة معه مع إنطلاق الشرارة الأولى لثورة 17 تشرين الأول العام الماضي 2019، والتي لم ينتج عنها سوى تقديم إستقالة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، فيما تصاعدت الأوضاع الاقتصادية نحو الأسوأ، ولم يحدث أي تغيير من شأنه وقف أو تخفيف معاناة الشعب اللبناني.
البعض يشبه لبنان بالمزرعة، وأن كل زعيم فيها يرى بنفسه وحاشيته هو الرئيس، فإتفاق الطائف عزز هذه النزعة وأصبح عشق المنصب في بلد جمهوري، هو أشبه بحكم ملكي يتوارث من جيل إلى جيل، وعملياً منذ إستقلال لبنان 1920، وبعد مئة عام لم تحدث تغييرات إيجابية، بل صراعات وحروب أهلية وإقليمية وإغتيالات ومسرح تصفيات لكن أبعد ما يكون عن وصف الدولة المستقلة.
إن هذا التفجير المهول، لم يأتِ بجديد، فلقد كان اللبنانيين منقسمين في الحرب الأهلية وفي عام التحرير 2000، وفي حرب 2006، إذ يكفي نظرة فاحصة سريعة حتى يتعرف العالم كله على كافة الطوائف التي تحكم لبنان ويتحكم متزعموها سواء من الناحية الدينية أو السياسية في هذا الشعب الذي لم يحظَ بنعمة المواطنة الحقيقية أسوةً بأي دولة أخرى، فهو دولة مؤسسات، ولا مؤسسات فاعلة، وأما جزئية المصارف، فهي الدولة الاقتصادية التي حرمت الشعب بكامله من سحب مدخراته خاصة في هذه الظروف الضاغطة. ويكفي أن يخرج زعيم ما بحزمة من الوعود حتى وإن كان جديّاً فيها، إلا أن رياح الزعماء الآخرين تقف سدّاً منيعاً في وجهها إن لم تحقق لها ناتج مفيد.
تفجير مرفأ بيروت من المؤكد أن لا حزب الله ولا أحد آخر له يد فيه، لجهة تخزين الأسلحة، وأصبحت قصة المستودع أو العنبر رقم /12/ معروفة لكل دول العالم، لكن الأنظار تتجه على من كان يسيطر على المرفأ فبحسب المعلومات المعروفة في الداخل اللبناني، أن تيارين سياسيين هما المسيطرين عليه لكن ليس من الناحية السياسية بل من الناحية الاقتصادية، أما وبعد إعلان الإقامة الجبرية لبعض المسؤولين والموظفين في المرفأ، لا ينفي خروج رؤساء ثلاث حكومات متعاقبة عن هذه الكارثة وتحييدها بحجة الحصانة الممنوحة لها، والتي تم توجيه رسائل عدة في عهدها تتحدث عن وجود مواد شديدة الإنفجار “الأمونيوم”، لكن لم يبادر أحد للتخلص منها، حتى وقعت الكارثة.
ومع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان وإستقباله إستقبال الأبطال، يشي بأن لا إستقلالية ولا سيادة لبنانية موجودة وسط تعدد الولاءات، فلقد تم توقيع عريضة من حوالي 40 ألف لبناني تطالب بالإنتداب الفرنسي، عملياً مطالبة بإعادة الإستعمار الفرنسي، وهنا لا بد من قول الحقيقة إن الفساد في لبنان كبير وكبير جداً لكن في ظل الخوف من المحاسبة والتردد الدائم هو من أوصل الأوضاع إلى ما هي عليه اليوم.
أخيراً، لن يكون مؤتمر باريس الذي دعا إلى ماكرون والذي قال رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب بأنه سيحضره لأجل مساعدة لبنان، منقذاً للبنان، فلو أراد المجتمع الدولي مساعدة لبنان، لوافق على طلب الإستدانة من صندوق النقد الدولي، ومن الطبيعي أن يستثمر الغرب هذه الكارثة لصالحه، إلا أن نصر الله كان حازماً في خطابه أمس، حول عدم إستطاعتهم تحقيق شيء، ما يعني أن الأوضاع لن تهدأ ولن يرتاح لبنان، وقد يكون هذا الإنفجار، نموذج مصغر عن الإنفجار الكبير الذي سيحدث في لبنان.
فريق عمل “رياليست”.