بعد زوال نظام القذافي جراء ثورة شعبية في عام 2011، باتت ليبيا في حالة من الاضطرابات السياسية المستمرة وما يتصل بها من عنف مسلح. وأدى وجود حكومات متنافسة، وجماعات مسلحة مختلفة تبدو متغيرة باستمرار، “كثيراً ما تتبدل التحالفات وتبدو وكأنها تعمل بصورة مستقلة”، إلى تفاقم الوضع وأسفر عن حالة من عدم اليقين العام. (UN.2020).
وعلى مدى 15 شهراً، تم اختيار ممثلين من مجموعة من الجماعات الليبية للانضمام إلى ما أسماه المراقبون الحوار السياسي، فقد جمع الجهات الدولية الفاعلة ذات الصلة، بما في ذلك البلدان المجاورة والغربية على حد سواء، وتغلب على مقاطعات ليبية متكررة. من خلال جولة “روبن” من خلال الاجتماعات في الجزائر، وبرلين، والقاهرة، وجنيف، ولندن، وباريس، وروما، وتونس العاصمة، فضلاً عن تكرارات الاجتماعات التي لا تنتهي في الصخيرات المغربية، التي دفعت ثمنها الحكومة المغربية، تمكن “ليون” من إنشاء إطار أصبح يحظى بموافقة جيش التحرير الشعبي. تم توقيع الاتفاقية في الصخيرات في ديسمبر/كانون الأول 2015 بعد بضعة أسابيع من مغادرته واستبداله بالدبلوماسي الألماني مارتن كوبلر (WINER, 2019). ومنذ ذلك الحين دارت رحي الحرب الأهلية، وجذبت معها التدخلات الأجنبية على نحوٍ أنهك الداخل الليبي، ومر بالعديد من المحطات من سياسية وحربية وصولاً إلى اتفاق جنيف، نستعرضها علي النحو التالي:
- أطراف الصراع في الداخل الليبي
انقسمت ليبيا إلى طرفين متصارعين من أجل السيطرة علي ليبيا، وبات كل فصيل ينعت نفسه بالممثل الشرعي للبلاد ويصف الآخر بالمرتزقة والإرهابيين، فالفصيل الأول يتمثل في حكومة الوفاق الوطني بقيادة رئيس وزرائها فايز السراج؛ واتخذت من طرابلس مقراً لها، وقد حظيت باعتراف الأمم المتحدة، وتحتمي بمجموعة من المليشيات. على الجانب الآخر يوجد طرف منافس يتمثل في حكومة الإنقاذ الوطني التي يترأسها “خليفة الغويل” يدعمها المؤتمر الوطني (البرلمان الليبي المنتهية ولايته) وتساندها في عملياتها المسلحة مجموعة من المليشيات. من ناحية ثالثة تتمثل في الشق الميداني حيث يوجد الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، وتولي قيادة ما سمي آنذاك بالجيش الوطني الليبي (السبيطلي، 2017).
وقد قدم حفتر نفسه على أنه المناضل ضد المتطرفين، في الوقت الذي وصفه معارضوه بالديكتاتور المحتمل، وقد مُني الطرفين بدعم القوي الأجنبية، ومنذ نشوب الصراع تحولت ليبيا إلى ما يمكن وصفه بالدولة الفاشلة، إبان سقوط القذافي عقب الإطاحة به من جراء حملة القصف التي قادها حلف شمال الأطلسي في عام 2011، ومثل ذلك التاريخ البداية لتعاقب الإدارات الفاشلة في السيطرة علي المليشيات المنتشرة في البلاد؛ والتي يمكن وصفها بالممارس الفعلي للسلطة (أحمد سعيد نوفل؛ وآخرون، 2017).
عقب الانتخابات المتنازع عليها في عام 2014، تصاعدت أعمال العنف في ذلك العام، وصارت البلاد مقسمة بين تلك الإدارتين، حينما تولى فايز السراج رئاسة النظام القومي في عام 2016. ومنذ ذلك الحين، مُنيت المدن الليبية التي تقع تحت سيطرة حكومة السراج بالعديد من الهجمات العسكرية من جانب خليفة حفتر، في الوقت الذي اكتسب فيه تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” موطئ قدم لها في ليبيا ولكن لم يدم لوقت طويل؛ فلقد لاحقته الهزيمة وطويت صفحته كقوة مسيطرة، فعلى الرغم من تواجدها كطرف مؤثر تأثير نسبياً (النحلي، 2018).
أدت العملية التي قادها خليفة حفتر في نيسان/أبريل 2019 إلى التصعيد مرة أخرى، وبعد تسعة أشهر من عملياته المسلحة التي مُنيت بالفشل في السيطرة علي طرابلس أو مجرد وضع موطئ قدم له بالقرب منها عن حالة من الجمود، إلى أن توسطت تركيا وروسيا لوقف إطلاق النار. لقد تحول الصراع في ليبيا إلى حرب بالوكالة في سنواته الأخيرة عقب انضمام مجموعة من القوى الأجنبية التي أقحمت نفسها في الصراع الداخلي دفاعاً عن مصالحها الأيديولوجية والاقتصادية على حد سواء، فحكومة “السراج” دعمتها الأمم المتحدة والقوى الغربية بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من اعتمادها بشكل أساسي على كل من: قطر وتركيا وإيطاليا، على الجانب الآخر جاء الدعم لخليفة حفتر من الدول التالية: الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن وفرنسا ومصر وروسيا (العلوي، 2020).
- أطراف الصراع الدولية وتعارض المصالح
لم يكن الصراع في الداخل هو الصراع الأوحد في الأزمة، ولكن كان هناك ظهير خارجي يتألف من أطراف جمعتها المصلحة المشتركة كهدف في حد ذاته؛ والمصلحة المشتركة من أجل تعزيز المكاسب، وانقسمت الأطراف الخارجية أيضاً إلى ما يمكن تسميته بالمعسكرات في بعض الحالات التي شملت القوي الإقليمية، فضلاً عن مواقف القوى الدولية، وسوف نعرض لها على النحو التالي:
- المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر:
إن صعود جماعة الإخوان المسلمين، من بين العديد من القوى الإسلامية الأخرى، أثار جزع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين اعتبرتا دوماً أن “الإخوان” يشكل تهديداً وجودياً لبقاء ملوك الخليج. ولكن مع وفاة الملك عبد الله في 23 يناير/كانون الثاني 2015، ثم تعيين سلمان بن عبد العزيز خلفاً له، دخلت المملكة العربية السعودية في مرحلة جديدة وأكثر اعتدالاً من حيث موقفها من الإخوان المسلمين، فتركت الإمارات العربية المتحدة تقود المعارضة الشرسة للجماعة في المنطقة. وقد أدت هذه الأحداث إلى دعم مصر ورئيسها الجديد الجنرال السيسي ودعم حفتر وكيل السيسي في ليبيا، حيث أن مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية يرون في حفتر حليفاً ضد انتشار الإسلام السياسي. لقد كان حفتر جنرالاً تحت حكم القذافي ولكنه انشق خلال حرب تشاد عام 1987، وانتقل في نهاية المطاف إلى الولايات المتحدة عقب تحريره من الأسر. ثم عاد إلى الظهور بعيد انهيار نظام القذافي وعاد إلى ليبيا بهدف أن يصبح رجلها القوي الجديد (Pedde, 2017).
- تركيا وقطر وإيطاليا:
لقد أصبحت تركيا أكثر انخراطاً في ليبيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، عندما وقعت اتفاقيتين هامتين مع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها في طرابلس والتي تتخذ من طرابلس مقراً لها، والتي تتأثر بشدة بالإخوان المسلمين وغيرهم من العناصر الإسلامية. وفي مقابل الدعم العسكري الحاسم لحكومة طرابلس ضد منافسها الجيش الوطني الليبي الذي يتخذ من طبرق مقراً له ــ بقيادة خليفة حفتر وبدعم من الإمارات العربية المتحدة ومصر وروسيا وفرنسا ــ أمنت أنقرة اتفاقاً ثنائياً يضفي الشرعية ظاهرياً على مطالباتها الإقليمية الشاسعة في شرق البحر الأبيض المتوسط الغنية بالطاقة على نحو متزايد (Edelman & Wald, 2020).
وقد يرى البعض أن ذلك الاتفاق يمثل حجر عثرة في طريق اتفاق وقف اطلاق النار المبرم في جنيف في 23 تشرين الأول/أكتوبر، بيد أن وفقاً لقواعد القانون الدولي فإن الحكومات يمكنها أن تبرم اتفاقاتها الدولية بما لا يتعارض مع التزاماتها الدولية وليس المحلية، فالقانون الداخلي للدول يتبع الاتفاقات الدولية وليس النقيض لذلك هو الصحيح، كما أن الاتفاق المبرم مع تركيا يصب في صالح ليبيا كدولة يمكنها أن تبرم معاهدات دفاع مشترك مع أي دولة أخرى، فالأمر هنا يعود لإرادة الحكومة الليبية المستقبلية، غير أنه قد نص اتفاق جنيف على بند حال دون استمرارية الاتفاقات المبرمة مع تركيا؛ فلقد نص البند على تجميد الاتفاقات المبرمة مع قوات أجنبية في المجال العسكري، وهو ما أدى إلى عدم تطبيق الاتفاق؛ لكن ذلك لا يمنع أن الاتفاق ما زال قائماً ولكنه تم تجميده.
ويظهر هنا الجانب التركي من أجل تأمين مكاسبة من الطاقة ودعم التيار الإسلامي في ليبيا. بينما يتمثل الدور القطري في دعم الجماعات الإسلامية في ليبيا (Foundation, 2017). يأتي الطرف الإيطالي الذي يمثل القوة الاستعمارية السابقة في ليبيا، والتي ترى في استقرار ليبيا مسألة أمن قومي، وهي تراهن من أجل مصالحها المتعددة بما في ذلك الوصول إلى احتياطيات النفط ومسائل الهجرة على حكومة “السراج”، ولكنها عادت ورفضت الاتفاقات الموقعة بين تركيا وحكومة السراج، حيث ترى في ذلك تأجيجاً للصراع؛ في الوقت الذي تدعم فيه الحل السلمي، لتحقيق غايتها المنشودة ألا وهي استقرار الداخل الليبي (راشد، 2020).
- اتفاق جنيف خطوة نحو التسوية
وقعت الأطراف المتصارعة على اتفاق وقف اطلاق النار في جنيف في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2020، والذي جاءت بنوده بالتأكيد على العديد من النقاط تمثلت في:
- وقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة ويستثني من ذلك المجموعات الإرهابية.
- إخلاء جميع خطوط التماس وعودة الجنود إلى ثكناتها مع خروج جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب في مدة أقصاها ثلاثة أشهر وتجميد العمل بالاتفاقيات العسكرية المبرمة مع الخارج، كما اتفقت اللجنة العسكرية 5+5 على تشكيل قوة عسكرية محدودة العدد من العسكريين النظاميين للحد من خرق الاتفاق الموقع.
- فرز العناصر المسلحة وإيقاف خطاب الكراهية الإعلامي، وفتح المعابر والطرق البرية والجوية، وتأمين المنشآت النفطية، وعدم الملاحقة السياسية وتبادل المحتجزين.
- إحالة الاتفاق إلى مجلس الأمن الدولي ضمانةً لعدم خرقه (عربي س.، 2020).
أرسل إعلان وقف إطلاق النار موجة من الأمل في جميع أنحاء ليبيا. وقد أثنى الكثيرون في المعسكر المؤيد لحفتر على الاتفاق، كما فعل الكثيرون من التحالف المؤيد لطرابلس، وحتى السياسيون الذين ينتقدون عادة الوساطة الخارجية قد أعربوا عن ترحيبهم بالاتفاق، ووصفوه بأنه “أقرب ما لدينا لإنهاء الحرب ووضع حد لهذا البؤس الذي نحن فيه. وكانت ردود الفعل الدولية إيجابية في معظمها. وقد أشادت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي باتفاق وقف إطلاق النار. لقد أصدرت روسيا تأييداً ضعيفاً يوحي بالتشكك، واكتفى القائم بالأعمال المؤقت لموسكو في ليبيا بالإعراب عن “ارتياحه” للصفقة وقال إنه يأمل أن تستمر. كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعظم المشككين الأجانب في الاتفاقية: “إن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوقيع عليه ليس بوقف إطلاق النار على أعلى المستويات، وسيبين الوقت مدى دوامه في مستويات أدنى ” (Group, 2020).
وقد تحقق تقدم ملموس في النهوض بالحوارات السياسية والأمنية والاقتصادية داخل ليبيا التي تيسرها البعثة خلال الأشهر القليلة الماضية ” وقال غوتيريتش إن “المشاركة الدولية المستمرة” في المحادثات التي تيسرها الأمم المتحدة “ولدت زخماً كبيراً، تجلى في التقدم الملموس على المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية والدولية للقانون الإنساني وحقوق الإنسان، مما دفع ليبيا إلى الأمام على طريق السلام والاستقرار والتنمية، وشجع غوتيريتش جميع الأطراف على تنفيذ شروط وقف إطلاق النار “دون إبطاء”، وهو ما أشار إليه “بما في ذلك ضمان مغادرة جميع المقاتلين والمرتزقة الأجانب لليبيا، والاحترام الكامل وغير المشروط لحظر الأسلحة الذي فرضه مجلس الأمن”، والذي ظل قائماً منذ اندلاع الصراع قبل عقد تقريبا (France-Presse, 2021).
فلقد قام الكونغرس الأمريكي مؤخراً بتشديد الضغط على الدول التي تتدخل في ليبيا، بعد محادثات تونس مباشرة، أقر مجلس النواب قانون تثبيت الاستقرار في ليبيا بين الحزبين، والذي يحدد أسماء الدول التي تتدخل في الصراع الليبي والتي تنتهك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، وخاصة تركيا وقطر والإمارات العربية المتحدة وروسيا ومصر والسودان والمملكة العربية السعودية، والصين مدرجة أيضاً في القائمة لأن طائراتها بدون طيار المسلحة استخدمت من قبل أطراف متناقضة في الصراع، ويقتضي قانون تثبيت الاستقرار في ليبيا من وزير الدولة إجراء تحقيق وتقديم “وصف للمدى الكامل لتورط الحكومات الأجنبية في ليبيا [بما في ذلك] الحكومات المرتبطة بضربات الطائرات بدون طيار والطائرات” في غضون 90 يوماً.
كما قال أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة أنهم سيقترحون قرارات تدين بيع إدارة ترامب المقترح F-35s إلى الإمارات العربية المتحدة. في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، غرد السيناتور كريس ميرفي، وهو ديمقراطي، قائلاً: “الإمارات العربية المتحدة هي حليفنا، ولكن ليس هناك أي هروب من أن الإمارات لديها تاريخ من نقل الأسلحة الأمريكية إلى الميليشيات المتطرفة، وانتهكت القانون الدولي في ليبيا واليمن، على أقل تقدير، يجب أن لا نستعجل هذا البيع (عربي آ.، 2020).
وعلى الرغم من افتقارها إلى التفاصيل وغيرها من أوجه القصور، فإن الروح التي تجسدها هذه الصفقة جديرة بالحفاظ عليها. والآن حان الوقت لتحويل المبادئ العامة للاتفاق إلى تفاصيل ورسم خريطة طريق بإجراءات ملموسة يتعين على الجانبين اتخاذها، ويتعين على اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5، التي تفاوضت ووقعت على اتفاقية وقف إطلاق النار، ولجان متابعتها، وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL)، أن تتفق بسرعة على الجوانب العملية للصفقة، وينبغي للطرفين أن يوضحا كيفية تعريفه للمقاتلين الأجانب، وما إذا كان بنده المتعلق باتفاقات التدريب يشمل تلك التي وقعتها الحكومة في طرابلس مع الحكومات الأجنبية. وينبغي لها أيضاً أن تضع الإطار اللازم لفحص الجماعات المسلحة، وبقدر ما ينتمي العديد من المقاتلين الأجانب العاملين في ليبيا، وخاصة أولئك القادمين من السودان وتشاد، إلى الجماعات المسلحة المعارضة في بلدانهم، فقد تعترض السلطات هناك على عودتهم؛ وينبغي للأمم المتحدة أن تساعد في وضع خطة لتسريحهم حتى لا يصبحوا مؤهلين للاستئجار في صراعات أخرى.
ويلزم أيضاً أن يكون الجانبان أكثر وضوحاً بشأن شروط الانسحاب من الخطوط الأمامية وإعادة التوطين، وعليهم أن يقرروا وضع القواعد الجوية وتحديد المناطق لدوريات الشرطة المشتركة، وعندئذ فقط سيكون من الممكن إنشاء آلية دولية لرصد وقف إطلاق النار، وهي الحاجة التي تعترف بها جميع الأطراف. والحل الذي من شأنه أن يرضي تفضيل الجانبين لبصمة خفيفة يتلخص في وضع فريق مراقبة تحت سلطة المبعوث الخاص القادم للأمم المتحدة. ويمكن للمبعوث الخاص أن يقدم للفريق التوجيه السياسي وأن يكفل أن يدعم التحقق من الانتهاكات وتنفيذ تدابير المتابعة العملية السياسية، بينما يتحمل رئيس فريق رصد وقف إطلاق النار مسؤولية الإبلاغ علنا عن الانتهاكات وتنفيذها. إن مثل هذا الحل من شأنه أن يتغلب على الصعوبات التي قد تواجه وقف تنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإنشاء بعثة ليبيا لوقف إطلاق النار من الصفر (وما يرتبط بذلك من عقبات لوجستية وأمنية). ومن شأنه أيضاً أن يضمن الاستمرارية مع أفراد بعثة الأمم المتحدة UNSMIL ، الذين بنوا الثقة على مدى السنوات القليلة الماضية مع الفصائل العسكرية في ليبيا.
- الحكومة المؤقتة ومسار الانتقال الديمقراطي
وفي نقطة تحول محتملة تحظى بترحيب حذر من جانب القوى الرئيسية، فإن أربعة زعماء جدد من الغرب والشرق والجنوب في ليبيا يواجهون الآن مهمة توحيد أمة مزقتها إدارتان متنافستان ومليشيات لا حصر لها. واختير عبد الحميد الدبيبة، وهو مهندس يبلغ من العمر 61 عاماً، رئيساً مؤقتاً للوزراء من قبل 75 مندوبين ليبيين في المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة خارج جنيف، وهي تتويج لعملية الحوار التي بدأت في تشرين الثاني/نوفمبر. ودعا رئيس الوزراء الجديد يوم السبت إلى “إعادة إعمار البلد” ووعد بأن يكون “مستعداً للاستماع إلى جميع الليبيين والعمل معهم، أياً كانت أيديولوجيتهم أو انتمائهم أو منطقتهم” (عربي ب.، 2021).
وقد صوت منتدى ليبيا بقيادة الأمم المتحدة على حكومة مؤقتة، واختير محمد المنوفي رئيساً لمجلس الرئاسة، ويهدف انتخاب إدارة موحدة إلى إنهاء الانقسام في ليبيا الذي استمر لأكثر من خمس سنوات، حيث تدير حكومتان متنافستان، ومجموعتان مسلحتان منتسبتان إليهما، أجزاء مختلفة من دولة شمال أفريقيا (Aljazeera, 2021). وتجدر الإشارة هنا إلى أن تلك العملية الانتخابية التي ترعاها الأمم المتحدة إنما تأتي كجهد مثمر ليس لإنهاء الصراع؛ بل بتحويل حالة الصراع إلي حالة تعاون وهو الجهد الموفور الذي يكلل نجاح اتفاق جنيف.
- مستقبل الاقتصاد الليبي
أفصحت المؤشرات عن عجز شديد في الموازنة العامة في عام 2020، والواقع أن 55% من العائدات العامة تعتمد على النفط، ومع ذلك، في عام 2020، من المتوقع أن تكون إيرادات النفط قد استأثرت بخمس إيرادات عام 2019 فقط، وللتقليل من العجز، خفض التقييم القومي العالمي رواتب موظفي الخدمة المدنية بنسبة 20% وخفض إعاناته المالية، وخاصة على الوقود، وعلاوة على ذلك، ساعدت الضريبة المفروضة على مبيعات العملات الأجنبية في كانون الأول/ديسمبر 2018 على تخفيف الضغط قليلاً على المالية العامة، ويتم تمويل العجز من قبل البنك المركزي، ولكن أيضاً من قبل البنوك التجارية المحلية، وهو ما يفسر سبب كون معظم الديون محلية (coface, 2021).
وفي عام 2021، جاءت المؤشرات أكثر تفاؤلاً بفضل اتفاق جنيف، سيؤدي استئناف الإنتاج وارتفاع أسعار النفط إلى تحسين الحسابات العامة. إن انخفاض الصادرات بنسبة 80% (والتي تتألف 97% منها من صادرات النفط) يفسر جزءاً كبيراً من العجز الهائل في الحساب الجاري في عام 2020. وفي عام 2021، سوف يسمح رفع الحصار وارتفاع أسعار النفط بزيادة صادرات السلع بنسبة 198% وفقاً لصندوق النقد الدولي، غير أنه من المتوقع، في المقابل، أن ترتفع الواردات ارتفاعاً حاداً، وسيظل العجز الهيكلي في الخدمات كبيراً نظراً لاعتماد البلد على الشركات الأجنبية في خدمة صناعته النفطية، بينما سيستمر فائض الدخل الأولي الناتج عن الاستثمارات في الخارج. وفي عام 2021، سوف يعمل خفض عجز الحساب الجاري على تخفيف الضغوط المفروضة على احتياطيات النقد الأجنبي في ليبيا (74 مليار دولار أميركي في نهاية مايو/أيار 2020، أي أكثر من 20 شهراً من الواردات)، والتي استخدمها البنك المركزي في محاولة للحفاظ على إمدادات السوق من العملات الأجنبية في عام 2020.
وعلاوة على ذلك، فإن ليبيا لديها صندوق سيادي يقدر بنحو 60 مليار دولار أمريكي في عام 2011، والذي تم تجميده منذ ذلك الحين بموجب قرار من الأمم المتحدة (coface، 2021).
- مصير قطاع النفط
انعقد اجتماع في جنيف في ظل العديد من التطورات الواعدة، بما في ذلك الاستئناف الكامل لإنتاج النفط الليبي بفضل الجهود الكبيرة التي تبذلها المؤسسة الوطنية للنفط، ويجري حجب الإيرادات التي جمعتها حتى الآن شركة نفط الشمال في انتظار إحراز مزيد من التقدم نحو ترتيب اقتصادي أكثر استدامة، ورحب المشاركون أيضاً ترحيباً واسعاً بقرار مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي بعقد اجتماع للمجلس هذا الأسبوع من المتوقع أن يتناول توحيد سعر الصرف. إن توحيد المؤسسات المالية في ليبيا أمر بالغ الأهمية لنجاح الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة (UNSMIL, 2020).
خاتمة
لا يمكن بأي حال من الأحوال، تجاهل أدبيات العلاقات الدولية عند تفسير ظاهرة ما؛ أو محاولة التنبؤ بحدث مستقبلي لقضية بذاتها، لقد قدمت نظريات السياسة الخارجية مفهوم التغيير كأحد المفاهيم التي تؤثر في السياسة الخارجية للدول؛ ومن ثم العلاقات الدولية قاطبة، إن كل مراقب موضوعي لمجمل الأحداث الدولية السابقة على الاتفاق الليبي في جنيف، من ناحية، والمزامنة لاتفاق 23 تشرين الأول/أكتوبر، من ناحية أخرى، يرى بعين المحلل الموضوعي الممسك بخيوط مجمل الحدث، إلى مدى تم التمهيد المسبق -والغير محسوب- الطريق أمام التسوية السلمية، فعلى المستوى العالمي، مثل صعود “بايدن” إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة أول خطوة في طريق التسوية. وعلى المستوى الإقليمي جاءت المصالحة الخليجية لتعزز من الخطوة التي وضعت بذورها الولايات المتحدة، وفي سياق آخر ومنذ زمن ليس بالقليل، فلقد تغيرت النبرة الدبلوماسية بين أنقرة والقاهرة بما جعل البعض يتنبأ ببوادر تقارب مصري – تركي يلوح في الأفق. لكل ما سبق والذي يصب في صالح الأشقاء الليبيين، يمكن القول إن اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في جنيف في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2020، سوف يكون حجر الأساس في إعادة بناء ما خلفته الحرب الأهلية والتدخلات الأجنبية في ليبيا، فلربما اتفق المجتمع الدولي على طي الصفحة الليبية والتفرغ لملفات أخرى تدفع في طريق تغير النسق الدولي والنظام العالمي ككل.
خاص وكالة “رياليست” – محمد ثابت حسنين – باحث في العلوم السياسية.
المصادر والمراجع:
· Aljazeera. (2021, 2 5). UN-led Libya forum selects new interim government. Retrieved from Aljazeera: https://www.aljazeera.com/news/2021/2/5/libyas-factions-head-into-runoff-on-interim-government
· coface. (2021, 2 1). Libya. Retrieved from coface: https://www.coface.com/Economic-Studies-and-Country-Risks/Libya
· Edelman, E., & Wald, C. (2020). Turkey’s Escalation in Libya: Implications and U.S. Policy Options. USA: JINSA.
· Foundation, J. (2017, 7 14). Qatar’s Role in the Libyan Conflict: Who’s on the Lists of Terrorists and Why. Retrieved from refworld: https://www.refworld.org/docid/596c92b64.html
· France-Presse, A. (2021, 1 18). UN Recognizes ‘Tangible Progress’ on Solving Libya Crisis. Retrieved 2 22, 2021, from NOV: https://www.voanews.com/africa/un-recognizes-tangible-progress-solving-libya-crisis
· Group, I. C. (2020, 11 4). Fleshing Out the Libya Ceasefire Agreement. Retrieved from International Crisis Group: https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/north-africa/libya/b80-fleshing-out-libya-ceasefire-agreement
· Pedde, N. (2017, 7 4). The Libyan conflict and its controversial roots. European View, p. 96.
· UN, N. (2020, 11 4). Libyan sides agree plan on implementing ceasefire deal. Retrieved 2 22, 2021, from UN News: https://news.un.org/en/story/2020/11/1076852
· UNSMIL. (2020, 12 14). TECHNICAL MEETING ON CRITICAL REFORMS OF THE LIBYAN ECONOMY KICKS OFF TODAY IN GENEVA. Retrieved from UNSMIL: https://unsmil.unmissions.org/technical-meeting-critical-reforms-libyan-economy-kicks-today-geneva
· WINER, J. M. (2019, 2). ORIGINS OF THE LIBYAN CONFLICT AND OPTIONS FOR ITS RESOLUTION. Middle East Institute.
- أحمد سعيد نوفل؛ وآخرون. (13 3, 2017). الأزمة الليبية إلي أين؟ مركز دراسات الشرق الأوسط-الأردن(13)، الصفحات 1-27.
- آر تي عربي. (1 12, 2020). سيناتور ديمقراطي يدعو لرفع السرية عن صفقة الأسلحة المقترحة إلى الإمارات. تاريخ الاسترداد 22 2, 2021، من RT: https://arabic.rt.com/world/1178810-%D8%B3%D9%8A%D9%86%D8%A7%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A-%D9%8A%D8%AF%D8%B9%D9%88-%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AD%D8%A7%D8%B7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D9%8A%D8%
- السبيطلي, م. (2017, 7 1). الأزمة الليبية بين التدخلات الدولية والوساطات الإقليمية. (ا. س.-ي. حجاج, Ed.) مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية, 25.
- العلوي, ا. (2020, 12 21). الأزمة الليبية: بين صراعات الإرادات الدولية والانقسام الداخلي. مركز الجزيرة للدراسات السياسية والاستراتيجية, p. 3.
- النحلي, ع. م. (2018). الأزمة الليبية وتداعيتها على دول الجوار 2011-2017. عمان: جامعة الشرق الأوسط-عمان.
- باسم راشد. (28 1, 2020). تأمين النفوذ: دوافع تغير موقف إيطاليا في الأزمة الليبية. تم الاسترداد من المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة: https://futureuae.com/ar/Mainpage/Item/5225/%D8%AA%D8%A3%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D9%88%D8%B0-%D8%AF%D9%88%D8%A7%D9%81%D8%B9-%D8%AA%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D9%88%D9%82%D9%81-%D8%A5%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A7
- بي بي سي عربي. (9 1, 2021). عبد الحميد الدبيبة: من قطاع الأعمال إلى السياسة ورئاسة الحكومة الليبية. تم الاسترداد من BBC NEWS عربي: https://www.bbc.com/arabic/middleeast-55999447
- سكاي نيوز عربي. (23 10, 2020). النص الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا. تم الاسترداد من SKY NEWS عربية: https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1386461-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%84-%D9%84%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D9%88%D9%82%D9%81-%D8%A7%D9%95%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B1-%D9%84%D9%8A%D8%A8%