موسكو – (رياليست عربي): بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) مساء الأربعاء 12 فبراير 2025 أنه يتوقع أن يلتقي نظيره الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) في المملكة العربية السعودية، ضمن أول اجتماعٍ لهما منذ تولي الرئيس الأمريكي (الجمهوري) لمنصبه:
- أكد المتحدث الرسمي بإسم الكرملين الروسي (دميتري بيسكوف) أن الرئيس (فلاديمير بوتين) قد دعا (دونالد ترامب) ومسؤولين أمريكيين آخرين من إدارته لزيارة موسكو ولمناقشة قضية أوكرانيا، حيث جاءت هذه الدعوة الروسية بعد إعلان (دونالد ترامب) أن محادثات السلام ستبدأ، وأن أوكرانيا ربما لن تستعيد أراضيها، مما تسبب بضجةٍ إعلامية كبيرة على جانبي المحيط الأطلسي.
- وقد أدلى (دونالد ترامب) بهذه التصريحات في أعقاب محادثة هاتفية استمرت قرابة 90 دقيقة مع الرئيس (فلاديمير بوتين) ناقش خلالها الزعيمان سبل إنهاء الحرب (الروسية – الأوكرانية) بشكل نهائي.
- كما أعرب ترامب عن توقعه بأن يقوم بزيارة موسكو لاحقاً، وتوقعه أيضاً بأن يقوم الرئيس بوتين بزيارة واشنطن لاحقاً، ولكنه فضَّل حالياً لكليهما معاً أن يتم اللقاء الأول بينهما في المملكة العربية السعودية، وذلك لرؤية إذا ما كانت الإدارتين الأمريكية والروسية قادرتان على فعل شيء ما، ضمن ملف الحرب الحالية بين روسيا الإتحادية وأوكرانيا، مضيفاً بأن موعد اللقاء لم يتم تحديده بعد، لكنه سيحدث في المستقبل غير البعيد (على حد تصريحات دونالد ترامب)، ومشيراً في الوقت نفسه أن سمو ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان آل سعود، سيكون حاضراً في ذلك الإجتماع (الأمريكي – الروسي)، حيث برر (دونالد ترامب) رغبته بحضور الأمير محمد بن سلمان، لكونه يتمتع بعلاقات طيبة للغاية مع قادة كلا البلدين، أي روسيا الإتحادية والولايات المتحدة الأمريكية.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- يرى العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف تطورات الحرب (الروسية – الأوكرانية) وتأثيرها على الأوضاع الأمنية والعسكرية واللوجيستية ليس فقط في أوكرانيا، وإنما أيضاً في روسيا الإتحادية ودول الجوار الإقليمي لكلا البلدين المتحاربين، أن الرئيس الأمريكي الحالي (دونالد ترامب) بات يثبت قولاً وفعلاً بأنه يريد رؤية مفاوضات لوقف الحرب في أوكرانيا، وأن هذا الأمر بات واضحاً للغاية لدى الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) الذي لم يبدِ اعتراضه من حيث المبدأ على وقف الحرب، لكنه أكد بأن أي عملية السلام يجب أن تنظر في أمن روسيا الإتحادية، ويجب أن تنظر في الوقائع العسكرية الحالية على جميع الجبهات فوق أرض المعركة.
- ويرى الخبير السياسي والأمني والعسكري الأمريكي (ستيفين كولينسون) والذي شغل منصب المستشار والمحلل السياسي والأمني والعسكري في عدة وسائل إعلام أمريكية وغربية، أن المكالمة الهاتفية الأخيرة بين الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) والرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) تعني بأن الزعيم الروسي قد نجح بالخروج من عزلته الدولية، وبمهارة فائقة للغاية، بعد أن وضع الأسس الأولى لخطة إنهاء الحرب (الروسية – الأوكرانية)، حيث اتفق على تبادل الزيارات الرئاسية مع الرئيس (دونالد ترامب) وفق ما أكد الأخير شخصياً، والذي أعلن بأنه سيزور موسكو لاحقاً وأن الرئيس بوتين سيزور واشنطن هو الآخر.
- ويضيف الخبير الأمريكي (ستيفين كولينسون) أن وزير الدفاع الأمريكي (بيت هيجسيث) قد توجه إلى بروكسل وطلب من الحلفاء الأوروبيين تولي مسؤولية الأمن التقليدي في القارة العجوز حالياً، لأن هذه الخطوة الأمريكية بالتواصل مباشرةً مع الكرملين الروسي، وهذا التحول الكبير الذي انتظرته القيادة الروسية سابقاً يسلط الضوء على أيديولوجية (دونالد ترامب) ونظريته السياسية والأمنية التي تقول (أمريكا أولاً) وتعكس ميل الأمريكيين للنظر إلى كل قضية أو تحالف باعتباره قيمة مضافة إلى القوة الأمريكية، ومن هنا فإن روسيا الإتحادية سينظر إليها حالياً كحليف لتحقيق الأمن والسلام العالميين.
- هذا الأمر يؤكد تحرر (دونالد ترامب) من سطوة وقبضة بعض مستشاريه من الذين كانوا يدعمون نظام كييف بشراسة، والذين حاولوا أن يستخدموا نظرية (أسطورة السياسة الخارجية لدول الغرب) وهو الأمر الذي أحبط الكثير من طموحات (دونالد ترامب) خلال ولايته الأولى، ولذلك نراه يحاول أن يتفادى هذا الفشل ضمن ولايته الثانية، والتي بدأها بالتواصل مع الجانب الآخر من الأطلسي، وبالذات مع موسكو وزعيمها بوتين، والذي حاولت عواصم الدول الغربية بما فيها واشنطن أن تعزله سابقاً.
- وقد ذكر خبير إستراتيجي آخر، هو الخبير الروسي العالمي (دميتري ترينين) الذي كان يترأس مؤسسة (كارنيغي) للسلام في روسيا الإتحادية والذي يعتبر أحد كبار مستشاري الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) لشؤون العلاقات (الروسية – الأمريكية)، أن هناك شيئاً أساسياً بدأ يتغير ضمن هذه العلاقات، لأن قادة الكرملين الروسي مدركين بأن التدخلات الأمريكية قد نجحت بإنهاء الحربين العالميتين اللتين بدأتا في أوروبا، ثم ضمنت بعد ذلك حرية القارة في مواجهة ما اعتبره الأمريكيين سابقاً (التهديد السوفييتي)، ولكن (دونالد ترامب) حالياً، يختلف عن أسلافه، بأنه لا يريد أن يدافع عن حلفاء واشنطن الذين لم يستثمروا ما يكفي من الأموال في ملف الدفاع، وكان يقصد هنا الأوروبيين، وبهذا أعاد إحياء النقطة التي طرحها بذكاء رئيس الوزراء البريطاني (وينستون تشرشل) في عام 1940، وكانت سؤالاً إستراتيجياً:
(متى ستتقدم دول العالم الجديد بكل قوتها وسلطانها لإنقاذ وتحرير دول العالم القديم)؟
- وهنا يعود الخبير الأمريكي العالمي (ستيفين كولينسون) ليؤكد بأنه بات من الواضح منذ فترة طويلة أن إدارة الرئيس ترامب الثانية سوف تفرض مطالب جديدة على شركاء واشنطن الأوروبيين، وهو ما من شأنه أن يؤدي الآن إلى خيارات مؤلمة للحكومات الأوروبية التي فضلت الإنفاق الإجتماعي على ملفات الدفاع والأمن.
- ففي الشهر الماضي مثلاً، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (مارك روته) أمام البرلمان الأوروبي إن الأوروبيين لابد أن يخصصوا المزيد من الأموال لجيوشهم، مضيفاً، وبشكل ساخرٍ للغاية، أنه وفي حال لم تقوم الدول الأوروبية بهذا الأمر، فعندها سيتوجب عليهم أن يتعلموا دروساً في اللغة الروسية، في إشارةٍ ساخرةٍ إليهم بأن القوات الروسية ستصل إلى بلدانهم.
- وهنا يجب النظر ملياً إلى تصريحات وزير الدفاع الأميركي (بيت هيجسيث) رغم تناقضها، لأن تلك التصريحات تكشف حقيقة الأسباب التي تدفع الأمريكيين لفتح قنوات إتصال جديدة مع الكرملين الروسي رغم معرفتها بأن هذه الإتصالات تعني ضربة كبيرة للحلفاء الأوروبيين الذين سيعتبرون هذا بأنه محاولة أمريكية لتعويم الكرملين الروسي من جديد، فمثلاً:
- يؤكد هيجسيث أن الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) قد أمره شخصياً بالطلب من أعضاء التحالف إنفاق 5% من الناتج المحلي الإجمالي على شؤون الدفاع، لأن الولايات المتحدة الأمريكية ستعطي الأولوية لصدامها المتزايد مع جمهورية الصين الشعبية وستعطيها لأمن حدودها على أوروبا، حيث أكد مدير البنتاغون الجديد (بيت هيجسيث) بتصريحاته هذه أن الولايات المتحدة الأمريكية، لن تتسامح بعد الآن مع أي علاقة سياسية أو عسكرية غير متوازنة ومعتمدة على واشنطن ، وهو ما يعني أن أحد هذه العلاقات (غير المتوازنة)، هي العلاقة التي تربط كييف مع واشنطن والتي باتت عبئاً على الأخيرة، ولذلك فإن الإتصال بين بوتين وترامب بات يؤكد مرة أخرى بأن الشرخ (الأمريكي – الأوروبي) قد اتسع بما يكفي ليدخل الروس من خلاله براحة.
- ولمعرفة الأسباب الموضوعية التي دفعت الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) للتواصل حالياً مع فخامة الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) يجب العودة إلى آخر مقابلة لوزير الخارجية الأمريكية (ماركو روبيو) حيث أكد الأخير أن الرئيس ترامب يريد أن يكون أكثر ميلاً إلى المصالح التجارية والقومية الأمريكية مقارنةً بفترته الرئاسية الأولى، ولهذا السبب يؤكد وزير الخارجية الأمريكي أنه اقترح على (دونالد ترامب) بأن لا تبقى الولايات المتحدة الأمريكية هي (الواجهة الأمامية للأمن الأوروبي)، كما كانت سابقاً متسيدة لهذه الواجهة لأكثر من 80 عاماً، لأن الأوروبيين تعاملوا مع هذا الأمر وكأن الأمريكيين يجب أن يظلوا هم أصحاب (المنطقة الخلفية لأمن أوربا الإقليمي)، وهذا خطأ سياسي وإقتصادي وأمني كبير، لأنه عطل كثيراً في بعض الأحيان على تنفيذ خطط السياسة الخارجية الأمريكية.
- وهنا يقول الخبير الأوروبي (نيكولاس دونجان) رئيس شركة (كوجيتوبراكسيس) التحليلية الإستشارية الإستراتيجية في مدينة (لاهاي) الهولندية، أن أجندة الرئيس دونالد ترامب، والتي بدأها بالتواصل حالياً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لا تتعلق بالأمن الأوروبي بقدر ما تتعلق برغبة الأمريكيين بالتنصل من بعض المسؤوليات السياسية أمام الأوروبيين، الذين دائماً ما كانوا يسعون وخاصةً البريطانيين بأن تدفع واشنطن ثمن الأمن الأوروبي، وهذا الأمر يؤكد لقادة البيت الأبيض الأمريكي، وعلى رأسهم الرئيس (دونالد ترامب) بأن الأوروبيين لم يستوعبوا حتى الآن، بأن هناك حقبة سياسية جديدة من العلاقات قد بدأت عبر حلف شمال الأطلسي، وهي حقبة تتميز بربط العلاقات بين القوى التجارية الكبرى التي بدأت تحل مكان الهياكل المؤسسية المعتمدة للنظام الدولي الليبرالي، ومن هنا فإن هذه الحقبة سوف تعلن قريباً عن الرسالة الأمريكية المؤلمة بشأن أوكرانيا، والتي لم ترغب الدول الأوروبية في سماعها إطلاقاً، وهو أن هناك عصراً جديداً سيبدأ فيه الأمريكيون بالتعامل مع الأوروبيين وربما مع الروس بشكل مختلف، بل حتى أن الأوربيين والروس قد يصبحوا على درجة واحدة من التعاون والتنسيق.
- وهنا يؤكد الخبير الأوروبي (نيكولاس دونجان) أن الإختبار الأول لهذا الواقع السياسي الجديد بين الأمريكيين والأوروبيين، سيكون في أوكرانيا لسوء حظ (فولوديمير زيلنكسي) وفريقه السياسي، حيث أكد الرئيس (دونالد ترامب) أن المفاوضات لإنهاء الحرب في أوكرانيا ستبدأ على الفور بعد مكالمته مع الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين)، وهو ما أعطى إشارة واضحة بأن الرئيس (فولوديمير زيلينسكي) ليس مشمولاً في المحادثات، في إشارة مثيرة للقلق بالنسبة لنظام كييف الحالي، لأن زيلينسكي نفسه كان دائماً محور كل الأحداث السياسية خلال إدارة الرئيس الأمريكي (جون بايدن)، خلافاً للوضع الحالي، والدليل على ذلك أن (دونالد ترامب) قد اتصل مع زيلينسكي (شخصياً) في وقت لاحق بعد اتصاله مع بوتين، وأخبره بأنه سيُعِدُّ قراراً سياسياً، اعتبره قادة نظام كييف بأنه سيكون لصالح روسيا الإتحادية.
- ويؤكد الخبير الأوروبي (نيكولاس دونجان) أن الإدارة الأمريكية، وبعد الإتصال الهاتفي الذي جرى مع القيادة الروسية في الكرملين الروسي، قد حددت نقاط الإنطلاق الأمريكية للمفاوضات، لاعتقادها بأن أوكرانيا لا تستطيع العودة إلى حدودها قبل عام 2014، أي قبل ضم الروس لشبه جزيرة القرم، وأنها لن تستطيع الإنضمام إلى حلف شمال الأطلسي، لأن القوات الأمريكية لا تريد في الحقيقة أن تلعب أي دور ضمن أي قوة أمنية لضمان أي سلام في نهاية المطاف. وسوف يتعين على أي قوة لحفظ السلام أن تتألف من قوات أوروبية وغير أوروبية، ولن تكون مشمولة ببند الدفاع المتبادل لحلف شمال الأطلسي وهذا يعني بشكل واضح أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تنقذ أوكرانيا نهائياً، ولن تستطيع مساعدتها حتى في حالة وقوع اشتباك بين قوات كييف وقوات موسكو بشكل مباشر.
- فضلاً عن هذا وذاك، فإن الرئيس السابق (جو بايدن) كان قد أبدى تحفظه بشأن منح أوكرانيا طريقاً للإنضمام إلى حلف شمال الأطلسي، خوفاً من الصدام مع روسيا الإتحادية المسلحة نووياً، والذي يمكن أن يتحول إلى حرب عالمية ثالثة، وهو ما يؤكد بأن إصرار (دونالد ترامب) على أن قوات حفظ السلام الأوروبية لن ترتدي زي حلف شمال الأطلسي، يشي بأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تريد اندلاع أي صراع مسلح مع روسيا الإتحادية، وهو الأمر الذي بدأت القيادة الأوكرانية في كييف تدركه على مضض وبدأت تفكر في الخروج من هذا المأزق الذي وُضِعَ فيه رئيس نظام كييف (فولوديمير زيلنكسي).
- لهذا السبب، كان يوم الأربعاء 12 فبراير 2025 أحد أفضل الأيام بالنسبة للقيادة الروسية في الكرملين، لأن الروسي الرئيس (فلاديمير بوتين) قد قضى بضربة واحدة على العديد من طموحات أوكرانيا، التي لم تتمكن من إستعادة أي أراضي في ساحة المعركة على الرغم من مليارات الدولارات المقدمة كمساعدات غربية، وهو الأمر الذي دفع (دونالد ترامب) ليحرم الأوكرانيين من ورقة مساومة هامة، كان من الممكن استخدامها لانتزاع تنازلات جديدة من صديقه القديم الرئيس فلاديمير بوتين.
- لكن الأمر بات مختلف حالياً، نظراً لأن تواصل الرئيسين (بوتين و ترامب) أعطى إشارة للأوكرانيين بأن ترامب لا يعترض على احتفاظ روسيا الإتحادية بغنائم حربها في حوض (دونباس)، حيث تؤكد هذه الإشارات السياسية المتعاقبة للرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) بأنه استسلم لمقولات الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) بأن القوى العظمى كروسيا الإتحادية والتي كانت سابقاً روسيا القيصرية، سيكون لها الحق في التوسع داخل مناطق نفوذها التاريخية سابقاً، مما يعني أن نظام كييف لن يستعيد الأراضي التي استولت عليها القوات الروسية، أي أن هذه الأراضي ستكون ثمن توقف روسيا الإتحادية عن القتال ضمن التسوية المقترحة، والتي ستكون كارثية بكل معنى الكلمة لأوكرانيا ولنظام كييف الحالي.
- وهنا يؤكد خبير أوروبي هذه المرة، وليس خبير أمريكي أو خبير روسي، وهو الخبير العالمي (كارل بيلت)، والذي شغل منصب رئيس وزراء السويد سابقاً، أن هذه المكالمة الهاتفية بين الرئيس (دونالد ترامب) والرئيس (فلاديمير بوتين)، وحديثهما لوسائل الإعلام العالمية عن القمة المستقبلية المزمع عقدها حالياً في المملكة العربية السعودية بين روسيا الإتحادية والولايات المتحدة الأمريكية، لم تكن إشارة واضحة فقط بأن (فولوديمير زيلينسكي) قد استبعد من هذه الصفقة العالمية وأنه خرج من هذه المفاوضات السياسية فحسب، بل إنها تعني أن دول القارة الأوروبية قد استُبعِدت هي الأخرى من هذه الصفقة، وهو ما اعتُبر صفعة سياسية من قبل موسكو لجميع العواصم الغربية بيد واشنطن.
- ولهذا السبب، يضيف الخبير السويدي العالمي (كارل بيلت)، أن تجمعاً كبيراً لمسؤولي الدول الأوروبية، مثل فرنسا وألمانيا وبولندا وإيطاليا وإسبانيا والإتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية، بالإضافة إلى المملكة المتحدة وأوكرانيا، قد جرى مؤخراً، حيث أكدوا جميعهم بعد لقائهم في بيان رسمي مشترك، بأن أوكرانيا ودول أوروبا، لابد أن يكونوا جميعهم جزءاً من أي مفاوضات سياسية قد تجري بشأن وقف الحرب (الروسية – الأوكرانية)، ولهذا السبب وجه البيان الأوروبي المشترك تحذيراً للرئيس الأمريكي (دونالد ترامب)، الذي يريد التوصل إلى اتفاق سلام بأي ثمن مع نظيره الروسي (فلاديمير بوتين) بأن السلام العادل والدائم في أوكرانيا، هو شرط ضروري لأمن الدول الأوروبية عبر حلف شمال الأطلسي.
- ولهذا السبب أيضاً، يؤكد رئيس الوزراء السويدي السابق، الخبير (كارل بيلت) في مقابلةٍ تحليلية أخرى له على شبكة (سي إن إن) الأمريكية الدولية مع الصحفي الأمريكي (ريتشارد كويست)، أن الشيء المزعج للغاية بالنسبة لمختلف القادة والزعماء الأوروبيين، هو أن كلا الرئيسين الأمريكي ترامب والروسي بوتين يعتقد حالياً، بأنه قادرٌ على حل جميع القضايا بمفرده. لكن الإستراتيجية التفصيلية التي يتبناها (دونالد ترامب) لم تنظر في إمكانية أن يقوم الرئيس الأوكراني (فولوديمير زيلنكسي) بإحباط العديد من تطلعات الأمريكيين والروس معاً، لأن موافقة كييف على أي اتفاق بين بوتين وترامب، ليست مؤكدة، خاصةً بعد المكاسب الثابتة التي حققتها القوات الأوكرانية فوق أرض المعركة.
- بالإضافة إلى ذلك فإن إطار التسوية المحتملة كان موضوع محادثات خاصة في واشنطن والعواصم الأوروبية لعدة أشهر، حتى أثناء إدارة (جون بايدن)، لأن الجميع بات يعلم بأن آمال أوكرانيا في استعادة كل أراضيها السابقة، باتَ أمراً غيرَ واقعي، وهو ما قد ينشأ عنه (حل سياسي على غرار تقسيم ألمانيا) بعد الحرب العالمية الثانية، إذ سيتم تجميد الأراضي التي استولت عليها روسيا الإتحادية تحت سيطرتها مع بقاء الجزء الغربي من أوكرانيا على الجانب الآخر من الحدود الصارمة لتكون أوكرانيا الديمقراطية.
- وهنا يعود الخبير الأوروبي (نيكولاس دونجان) رئيس شركة (كوجيتوبراكسيس) التحليلية الإستشارية الإستراتيجية في مدينة (لاهاي) الهولندية، ليؤكد بأنه سيسمح للجزء الغربي من أوكرانيا على الأغلب بالإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي، تماماً كما حصل مع ألمانيا الغربية القديمة، لكن هذه المرة، لن تكون القوات الأمريكية متمركزة في (الجزء الغربي من أوكرانيا) من أجل ضمان أمنها وحريتها، كما تمركزت القوات الأمريكية سابقاً في ألمانيا الغربية.
- ويختم الخبير (نيكولاس دونجان) تصريحاته بأنه وبغض النظر عن التفاصيل الدقيقة التي قد تخرج لاحقاً بشأن المفاوضات (الروسية – الأمريكية) حول الوضع في أوكرانيا بعد الإتصالات السياسية التي أجراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن الأمر الذي سيتحقق قريباً، والذي يخشاه الأوربيون كثيراً، هو أن غرب أوكرانيا وشرق أوكرانيا، سيكونان بعد وقف الحرب مثل ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية، مع فارق بسيط هو أن ألمانيا الغربية قد سُمِحَ لها لاحقاً بأن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي، فيما سيتم حرمان أوكرانيا الغربية من الإنضمام إلى حلف شمال الأطلسي، لتنضم لاحقاً إلى الإتحاد الأوروبي.
- وفي النهاية يمكن القول، وكما يؤكد المثل الألماني بأنه (عندما لا يكون هناك ألم فلا يكون هناك فائدة) وقد يستحضر هذا المثل الألماني تلك المفارقة التاريخية القاسية والتي تحدث عنها الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) شخصياً، موضحاً أنه عندما كان ضابطاً ضمن جهاز الإستخبارات السوفييتية في مدنية (دريسدن) الألمانية، كان يراقب في يأس وألم وصمت عملية تفكك الإتحاد السوفييتي، ولكن لم يخطر ببال أحد من القادة الأوروبيين، ولا ببال الرئيس (فلاديمير بوتين) نفسه، بأن الأمريكيين أنفسهم الذين ساعدوا الإتحاد السوفييتي لتقطيع ألمانيا إلى (شرقية وغربية) بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، هم نفسهم أيضاً، أي الأمريكيين الذين سيساعدون روسيا الإتحادية حالياً في تقطيع أوكرانيا هي الأخرى إلى (شرقية وغربية) في مطلع القرن الــ21 ، وعلى مسمع ومرأى الدول الأوروبية وقادتها جميعهم.
خاص وكالة رياليست – حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.