طرابلس – (رياليست عربي): لا شك بأنه بات واضحاً للجميع سواء داخل ليبيا أو خارجها، أن سبب تأخير الحل للمشكلة الليبية، هو تيار واحد لا غير، “تيار الإسلام السياسي” والذي تدعمه تيارات وشخصيات قد لا تلتقي معه أيديولوجياً، لكنها تتقاطع معه مصلحياً فيما يشبه توافق هش، سينهار في أقرب فرصة، وسيشعل حرباً بين هؤلاء الحلفاء في أقرب فرصة.
ووفق مراقبين للشأن الليبي، بأن الدول المؤثرة في السياسة العالمية، على رأسها الولايات المتحدة، وبريطانيا، وكذلك بعض الدول الدائرة في فلكهما مثل تركيا، وإلى حد ما دولة قطر، هم من يرون مصلحتهم في أن لا تقوم شخصية قوية بالوصول للحكم، لأن ذلك سيخلق دولة (مناوئة) لهم ولمصالحهم في شمال أفريقيا.
ويذهب المراقبون إلى أن الصراع “البارد” بين أمريكا وروسيا، يأتي ضمن هذه الحسابات، التي تسير في كسب طرف مؤيد لها ، ضد الأطراف التي تُعتبر قريبة من خصمها في الساحة الدولية، ويُعرف عن روسيا أنها لا تعتبر الإسلام السياسي وعلى رأسه جماعة الإخوان تيارات يُمكن التعاون معها، على عكس أمريكا، التي وصل أكثر من 30 شخصية إخوانية للعمل ضمن إطار الخارجية والبيت الأبيض في عهد إدارة أوباما.
ويرى المراقبون بأن تاريخ الإسلام السياسي المتشدد، والذي ظهر مع بداية تنظيم الإخوان المسلمين، وصار يتواجد بقوة في واقع الدول العربية، مع ظهور “حسن البنا” في عشرينيات القرن الماضي، والمعروف أن بريطانيا، تعتبر وراء وجود هذا التيار المتأسلم في الواقع العربي والإسلامي.
وبالعودة الى تاريخ جماعة “الإخوان” في ليبيا، يمكن القول بأن بداية ظهور هذه الجماعة في ليبيا كانت في نهاية الأربعينات، عندما لجأ 3 من إخوان مصر إلى إقليم برقة “شرق ليبيا” وكان وقتها يتمتع باستقلال ذاتي عن إيطاليا، ولم ينضم له حينها إقليم طرابلس، بعد تورطهم في اغتيال رئيس الوزراء المصري محمد فهمي النقراشي في 28 ديسمبر/كانون الأول 1948.
ومنحهم الملك إدريس حينها لجوءً إنسانياً، وسعى هؤلاء لاحقاً إلى نشر فكر الإخوان في ليبيا، ومن المعروف أن منهج الملك إدريس لم يكن يقترب حتى من منهج الإخوان، فهو يتبع ( الحركة الدينية السنوسية) التي أسسها جده في أرض الحجاز أثناء إقامته بها.
وبحسب مصادر تاريخية عديدة، تؤكد بأن السنوسي كان يتصرف بالفعل من منطلق حماية المستجير، واحترام الدستور، الذي يمنع تسليم أي لاجئ مهما كانت صفته.
يقول الحاكم العسكري البريطاني لبرقة بعد الحرب العالمية “دي كاندول” في مذكراته بأن نشاط الإخوان المسلمين، بدأ بالظهور في ليبيا منذ عام 1949عندما لجأ إليها ثلاثة من الإخوان المصريين هم “عز الدين إبراهيم، ومحمود يونس الشربيني، وجلال الدين إبراهيم سعده”.
ويضيف كاندول، بعد أن منحهم الأمير حينها “إدريس السنوسي” قاموا بالتمهيد للحركة ببث الدعوة لها بين صفوف الشعب الليبي، وقد ساعدهم في ذلك بحسب كاندول “عُمر باشا الكيخيا”، الذي كان يعمل حينئذ رئيساً لديوان الأمير إدريس السنوسي، واستطاعوا أن يكوّنوا أول شعبة للإخوان في ليبيا تحت اسم “هيئة الدعوة الإسلامية”.
ويُعلل دي كاندول على لسان الأمير إدريس السنوسي أسباب قبول تواجدهم في ليبيا بقول السنوسي: “لقد استجاروا بي متوسلين باسم الواجب الإسلامي، ولم أجد بُداً من إجابة طلبهم ،لقد أجرتهم، وأمرت بإسكانهم في قصر المنار”.
غير أن الجماعة كعادتها، لم تحترم من أجارها، وقامت بتجنيد بعض الشخصيات الليبية، منهم الشريف محي الدين حفيد المجاهد الليبي المعروف أحمد الشريف، وكذلك ابن أخ الملكة فاطمة زوجة ادريس السنوسي.
وكان من نتائج تجنيدهم لمحي الدين أنه في صباح 5 أكتوبر/تشرين الأول 1954 استفاق الليبيون على أول عملية اغتيال سياسي في المملكة الليبية، حين قام محي الدين السنوسي بإطلاق الرصاص على ناظر الخاصية الملكية إبراهيم الشلحي المقرب من الملك، فأرداه قتيلاً.
بعد هذه الحادثة أصدر الملك إدريس أمراً ملكياً، حظر بموجبه جماعة الإخوان المسلمين من ممارسة أي نشاط سياسي، وأمر باتخاذ إجراءات لمراقبة ومحاصرة قياداتها، وعناصرها الليبية، لوجود علاقة بين القاتل وفرع الجماعة الإخوانية في ليبيا، كما أدت هذه الحادثة إلى قرار ملكي في العام 1952 بإلغاء الأحزاب السياسية وحظر نشاطها، ما ضيق الخناق على الجماعة، ومنعها من التحرك تحت أي غطاء حزبي.
وبعد فترة قصيرة من وصول معمر القذافي للسلطة في سبتمبر/أيلول 1969 ، أفرج عن قيادات الجماعة، لأنها أيدت انقلابه على الملك إدريس السنوسي، غير أن هذا القُربْ لم يستمر طويلاً، فمع بداية السبعينيات، قامت سلطات الانقلاب باعتقال عدد من “الإخوان” المصريين وترحيلهم إلى مصر.
كما قامت الأجهزة الأمنية والمخابرات العامة، باعتقال وتعذيب أعضاء من الإخوان المسلمين “الليبيين” عام 1973، ووافق هؤلاء تحت الضغط على حل “الجماعة” ونتيجة لذلك، التزم الإخوان الليبيين الصمت حتى نهاية سبعينات القرن الماضي.
مع بداية الثمانينيات، انتعشت آمال وطموحات جماعة الإخوان والتي غيرت اسمها إلى “الجماعة الإسلامية الليبية” وبدأت مرةً أخرى في حشد الدعم الشعبي، وحظيت الجماعة بدفعة معنوية من عدد من الطلاب الليبيين الذين عادوا من “المملكة المتحدة” و”الولايات المتحدة”، وساهموا بدور فاعل في المساعدة على نشر فكر الإخوان من جديد.
وعملت الحركة بسرية في مجموعات من الخلايا النشطة المترابطة في جميع أنحاء البلاد، وجذبت الحركة بشكل خاص أفراد الطبقات المتوسطة، مستغلة معارضة أغلب سكان إقليم برقة لنظام حكم القذافي، غير أن قبضة القذافي القوية، عادت بحلول منتصف الثمانينيات، لتضع معظم أعضاء جماعة الإخوان الذين بقوا في ليبيا إما في السجن أو القبور.
وفي عام 1999، عادت جماعة “الإخوان المسلمين” الليبية إلى الساحة من خلال الحوار مع نظام القذافي، واكتسب هذا التبادل المزيد من الزخم في الفترة بين 2005-2006، عندما ساعد نجل معمر القذافي، سيف الإسلام، في دفع العملية إلى الأمام، وقد قام سيف الإسلام بذلك خصيصاً لاستمالة “الجماعة”.
ووفق مصادر متعددة فإنه بعشية الانتفاضة الليبية في فبراير/شباط 2011، قُدر عدد عناصر جماعة الإخوان، بحوالي ألف عضو داخل ليبيا، ونحو 200 آخرين في المنفى.
وتلقى حالياً الجماعة دعماً دولياً، وتحاول البعثة الأممية، وكذلك الدول النافذة، من أن تجد لهذه الجماعة، موقعاً قوياً، في السلطة الليبية، وإدارة الدولة، رغم عدم وجود قاعدة شعبية، ورضا عام عن هذه الجماعة في ليبيا.
خاص وكالة “رياليست” – عبدالعزيز الرواف – كاتب وصحفي ليبي.