لندن – (رياليست عربي): نعى العاهل البريطاني الملك تشارلز ببالغ الحزن اليوم الجمعة والدته الراحلة الملكة إليزابيث، وتعهد بخدمة الأمة “بإخلاص واحترام وحب” مثلما كانت تفعل هي على مدى أكثر من سبعة عقود؛ وفي أول خطاب يوجهه للأمة، شكر تشارلز الملكة على تفانيها في خدمة أسرتها وشعبها.
خلال فترة انتظاره الطويلة لاعتلاء العرش، عُرف عن الملك تشارلز تعبيره العلني عن آرائه في كل القضايا.. من تغير المناخ إلى الهندسة المعمارية، والآن وقد أصبح ملكاً، ربما يحاول الاحتفاظ بأوراقه أقرب إلى صدره.
وتوفيت إليزابيث، أطول ملوك أوروبا جلوساً على العرش وصاحبة الحضور الطاغي على الساحة العالمية لأكثر من 70 عاماً، الخميس الماضي في مقر إقامتها بأسكتلندا عن عمر ناهز 96 عاماً.
تشارلز الذي أصبح ملكاً بشكل تلقائي بوفاة والدته ورئيساً لبريطانيا و14 دولة أخرى من بينها أستراليا وكندا وجاميكا ونيوزيلندا وبابوا غينيا الجديدة، أبلغ رئيسة الوزراء ليز تراس بأن رحيلها هو “اللحظة التي كنت أخشاها”.
ماذا تعرف عن الملك الجديد؟
في فيلم وثائقي تلفزيوني بمناسبة عيد ميلاده السبعين عام 2018، سعى تشارلز لتهدئة المخاوف من أنه سيستغل منصبه للترويج للقضايا التي يؤيدها، بسبب سخرية البعض منه بسبب آرائه، واتهامه بالتدخل في شؤون سياسية واجتماعية قد لا تعنيه.
وقال “فكرة أنني سأمضي على نفس الطريق بالضبط إذا حدث وجلست على العرش محض هراء لأن الموقفين مختلفان تماماً”.
ورداً على سؤال عما إذا كانت حملاته العامة ستستمر عندما يصبح ملكاً، أجاب “لا، هذا لن يحدث، لست بهذا الغباء”.
على مدار خمسة عقود، قام تشارلز بحملات تروّج لموضوعات قريبة إلى قلبه، وهو ما قوبل بإشادة واستنكار؛ ويقول أنصار الملك الجديد إنه سابق لعصره يفكر في رعاياه ويسعى لاستغلال دوره في تسليط الضوء على قضايا مهمة.
بينما يقول المعارضون إن مكانته تجعل الناس منقادين لآرائه التي لا يتفقون مع بعضها.
واعترف هو نفسه بأن طرح أفكار غير شائعة مثل تغير المناخ قبل عقود من قيام زعماء العالم بوضع الأمر في مركز الصدارة، دفع البعض لاتهامه بالحماقة.
فعلى مدار سنوات وجد تشارلز نفسه منقسماً بين النمط الأكثر تحفظاً للملكية الذي التزمت به والدته والذي نشأ في كنفه، وبين نمط أكثر حداثة وقُرباً يجسده ابنه وولي العهد الآن الأمير وليام.
وأحدث هذا تناقضاً بين سعيه وراء قضايا ليبرالية اجتماعياً من ناحية وبين كونه محافظاً في الجوهر من ناحية أخرى، وهو انقسام يحذر بعض المراقبين من أنه قد يكون صعباً على تشارلز والشعب.
وقالت الصحفية كاثرين ماير في سيرة صدرت عام 2015 إن أفراد البلاط الملكي قلقون من أن ينتهج تشارلز أسلوباً ملكياً ثورياً وإن شغفه بقضايا بعينها، خاصة البيئية، أثار انزعاجاً في قصر بكنغهام ولدى الملكة الراحلة نفسها.
وكتبت ماير “يخشى بعض رجال البلاط -والملكة نفسها- ألا يستسيغ التاج ولا رعاياه صدمة التجديد”.
وأضافت أنهم “يشعرون أنه يضع عواطفه الجياشة -حماسته- قبل مهامه الملكية، إنهم بعيدون جدا عن الاقتناع برؤية تشارلز المتطورة: إمكانية الجمع بين القيام بحملات والملكية”.
وبموجب الدستور البريطاني غير المكتوب، من المفترض أن تظل العائلة المالكة فوق السياسة، واحتفظت إليزابيث بآرائها لنفسها خلال فترة حكمها التي امتدت لأكثر من سبعة عقود.
وقال توني بلير الذي رأس الوزراء في الفترة من 1997 إلى 2007 “ليس لدي أي فكرة عن سياستها الفعلية، وقد كنت رئيساً للوزراء لعشر سنوات”.
خلافات كبيرة
لم تكن آراؤه فقط هي التي أثارت القلق، لكن أيضاً محاولاته لطرح قضايا ومناقشتها مع الحكومات، وفي 2013، تم الكشف عن أن تشارلز عقد 36 اجتماعاً مع وزراء على مدى السنوات الثلاث المنقضية.
وبعد ذلك بعامين، قضت أعلى محكمة بريطانية بإمكانية نشر أكثر من 40 خطاباً من تشارلز أو مستشاريه لوزراء أو من وزراء إليهم، فيما أُطلق عليه “مذكرات العنكبوت الأسود” بسبب خط الأمير.
وتنوعت موضوعات الخطابات بين الإسكان الريفي المتيسر ونوعية الطعام في المستشفيات والحفاظ على البنايات التاريخية وحتى موارد القوات البريطانية في العراق ومصير سمكة الباتاجونيا.
وفي يونيو/ حزيران الماضي، أثار تشارلز موجة انتقادات من وزراء بعد أن قيل إنه انتقد سياسة حكومية تتمثل في إرسال طالبي لجوء إلى رواندا.
وقال وزير طلب عدم ذكر اسمه لصحيفة تايمز “الأمير تشارلز هو زخرف حياتنا العامة، لكن ذلك سيزول سحره إذا حاول أن يتصرف بذات الطريقة عندما يصبح ملكاً… سيثير ذلك مشكلات دستورية عويصة”.
وفي 2014، تسبب تشارلز في خلاف دبلوماسي بعدما نُشرت تعليقات خاصة قيل إنه شبّه فيها مراراً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأدولف هتلر بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا.
وقال توم بوير الذي كتب سيرة حياة تشارلز تزامناً مع عيد ميلاده السبعين “لديه رؤية للعالم ويريد أن يفرض رؤياه على ذلك العالم، لا يريد إطلاقاً أن يساير التوقعات وهذا يجعله متمرداً”.
وأضاف “أعتقد أنه إذا أصبح ملكاً متمرداً، ستكون الملكية في خطر”.
وفي دوره الملكي الجديد، سيعقد تشارلز اجتماعاً أسبوعياً خاصاً مع من يشغل منصب رئيس الوزراء لمناقشة الشؤون الحكومية.
وتشير تقارير إعلامية مستقاة من الدوائر الملكية المقربة إلى أن المستشارين في البلاط الملكي يحبسون أنفاسهم لحين معرفة ما إذا كانت تدخلاته في الأمور السياسية ستشهد مزيداً من الشطط.
خاص وكالة رياليست.