مثلت زيارة الرئيس الصيني «شي جين بينغ» لروسيا في شهر حزيران/يونيو من عام 2019 بداية لعهد جديد من التعاون الاستراتيجي الشامل. و أتى تعميق التعاون الصيني – الروسي في ذروة الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأمريكي مع الصين، فعلى وجه الخصوص ، في 20 كانون أول | ديسمبر 2019 ، بدأت شحنات الغاز الروسي إلى الصين عن طريق خط أنابيب “Power of Siberia” للغاز، وبالطبع «هذا مشروع غير مسبوق، وهو أكبر مشروع للطاقة، وطبقاً للعقد، سيتم توفير 38 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي للصين سنويا لمدة 30 عاما»، مما يشكل «تحالف طاقة» كبير في آسيا.
وبالطبع لا ننسى مشروع محطة «يامال» لإسالة الغاز في منطقة القطب الشمالي و الذي يمثل ثمرة للتعاون الروسي- الصيني في مجال الغاز و في منطقة القطب الشمالي ذات الأهمية الجيوبوليتيكية.
لكن هناك وجه آخر لهذا الجانب الإيجابي في العلاقات الروسية -الصينية، بالنسبة لروسيا، تعد الصين الشريك الوحيد الذي لا يمكن تعويضه، وبدون تعاون وثيق و ثقة متبادلة، ستصبح عزلته الحالية عن العالم الخارجي، بكل أشكالها المعقولة وغير المعقولة شبه مطلقة، على العكس من ذلك، بالنسبة للصين ، تعد روسيا شريكًا مهمًا ولكن ليس الشريك الوحيد، لذلك فإن الصين هي التي تحدد مستوى العلاقات و سرعة التقارب.
وتأكيدا لما تم الاتفاق عليه في بداية الفترة الرئاسية الثالثة لبوتين في عام 2012 عندما زار القيصر الروسي بكين، ويشمل مضمون هذا «العصر الجديد» الحاجة إلى حماية تعددية الأطراف ، و نظام التجارة العالمي ، وهيبة الأمم المتحدة والحقوق السيادية للدول.
ولكن الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن كلا الطرفين قررا لأول مرة التعاون في عدد من المجالات – ليس فقط في مجال التجارة والاستثمار ، ولكن أيضًا في تطوير التكنولوجيات، بما في ذلك تكنولوجيا المعلومات، من أجل إنهاء الاحتكار الذي تحتفظ به الولايات المتحدة في هذا المجال لفترة طويلة، بالإضافة إلى ذلك، تعكس فكرة «حقبة جديدة» التغييرات الأساسية في النظام الدولي التي بدأت فيما يتعلق بتنفيذ استراتيجية «أمريكا فوق الجميع»، التي وضعت بمبادرة من الرئيس دونالد ترامب و تدابير الرد الروسي-الصيني على هذه الاستراتيجية و التي أدت في النهاية إلى الحرب التجارية التي رأيناها بين بكين وواشنطن.
بشكل عام اتضح أن لدى روسيا والصين، وبصورة أكثر دقة، لدى الصين وروسيا اتفاقيات كافية بشأن حسن الجوار و الصداقة و التعاون، لكن هل هناك تأكيد كاف من جانب الصين عند قدوم لحظة الحقيقة (الحرب المباشرة مع الغرب) أن تقف مع روسيا؟ و هل هناك استعداد روسي للدخول في أي حرب من أجل الصين؟
عموما هم لا يفكرون من خلال هذه النظرة الضيقة، وإنما ترى روسيا في الصين السوق الذي سيستوعب كميات الغاز الروسي إذا ما تم بالفعل التضييق على مشاريع أنابيب الغاز الروسية إلى أوروبا (مشروع السيل الشمالي 2 و السيل التركي) و ترى فيها أيضا ملاذاً استثمارياً جيدا بسبب العقوبات الاقتصادية الغربية، في حين ترى الصين في روسيا مصدراً جيدا للطاقة بأسعار رخيصة و ترى فيها أيضا حليفاً محتملاً إذا ساءت الأمور بين الصين و الولايات المتحدة أو بين الصين و اليابان، خاصة و أن اليابان في آخر 5 سنوات تسابق الزمن من أجل إقامة أحلاف غير تقليدية وتحديدا مع الهند.
و من منطلق مناقشتنا للجانب السلبي في العلاقات الروسية – الصينية، يجب أن نستعير رأي جريجوري كونادزي نائب وزير الخارجية الروسية السابق، الذي يتخوف من بعض البيانات الرسمية الروسية والتي تقر بوجود عدد من العمال المهاجرين الصينيين الذين يقيمون بشكل قانوني في روسيا، لا يتجاوز 500 ألف شخص.
في حين و هذا الأمر على لسانه، هناك تقديرات غير رسمية تعطي بعض الأرقام الأخرى: 2.5 مليون عامل مهاجر قانوني وحوالي 2 مليون عامل غير قانوني، و طبقا له قد يشير هذا العدد الكبير من البيانات الرسمية والتقديرات غير الرسمية إلى أن السلطات الروسية ليست قلقة للغاية بشأن قضايا هجرة العمالة الصينية، على الرغم من أنه كان من الممكن أن تتضايق ، لأن المهاجرين من العمال الصينيين يركزون بشكل أساسي على الشرق الأقصى الروسي، الذي لا يتجاوز عدد سكانه 6 ملايين نسمة، فهناك عملية احتلال صيني بطيء تحدث لهذه المناطق.
وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن المهاجرين من العمال الصينيين العاملين في التجارة والصناعة والزراعة والخدمات الصناعية لا غنى عنهم منذ فترة طويلة للحياة الاقتصادية لمناطق الشرق الأقصى الروسي ، لكنهم ليس لديهم اتصال كبير مع الكيانات الاقتصادية الروسية المحلية ، ويفضلون إنشاء شركاتهم الخاصة للوهلة الأولى، يتم التحكم في النشاط الحر ، كما يقولون ، من قبل سلطات المقاطعات الصينية الحدودية.
فيأتي معظم العمال الصينيين من هذه المقاطعات الحدودية، حيث يعيش 100 مليون شخص على الأقل، و نادراً ما يظل المهاجرون الصينيون العاملون في روسيا لفترة طويلة (يأتي البعض ، ويغادر آخرون).
صحيح أنه لا يمكن استبعاد أن مثل هذا النموذج من هجرة العمالة الصينية قد يتغير إذا انضم في المستقبل سكان المقاطعات الغربية من الصين الذين هم أكثر عرضة للاستقرار في أراضي جديدة. يضيف «جريجوري كونادزي» أن التعاون الاقتصادي طويل الأجل مع الصين، وهي النغمة التي ينتهجها عمالقة الشركات الروسية مثل غازبروم وروس نفط ، تثير بعض المخاوف، في مقدمتها ما يتعلق بالعقد الضخم لتوريد الغاز الروسي إلى الصين ، الذي أبرمته شركة غازبروم مع شركة النفط والغاز الصينية في آيار | مايو 2014، و وفقًا لهذا العقد ستزود غازبروم سنويًا 38 مليار متر مكعب من الغاز إلى الصين، (تقريبًا نفس الكمية من الغاز التي تبيعها شركة غازبروم في أسواق أوروبا بأسرها).
وسوف يأتي الغاز الروسي إلى الصين من حقل تشياندا الجديد في منطقة «لينسكي» في «ياكوتيا» عبر خط أنابيب للغاز طوله حوالي 2000 كم ، والذي تم بناؤه في عام 2016.
إن نقطة نهاية خط أنابيب الغاز هي مدينة «بلاغوفيشتشينسك» في إقليم «آمور»، حيث سيتم تسليم الغاز إلى مدينة «خيخه» الصينية الحدودية، مدة العقد هي 30 عامًا، و قيمته 400 مليار دولار، وتم بدء عملية التسليم في نهاية 2019، ونظرا لضخامة هذا العقد، ليس من الصعب علينا أن نفهم أن الصين ستصبح مشترًا احتكارًيا للغاز الذي يتدفق عبر خط أنابيب جديد للغاز.
ويبدو أن التوجهات والأشكال المذكورة أعلاه للتعاون الاقتصادي الروسي – الصيني تشير إلى التحول السريع لروسيا إلى أن تكون مجرد مصدر رخيص للمواد الخام في الصين، لذلك يبدو أن الصين ستكون قادرة تمامًا على إملاء شروط معاملاتها الخاصة بها.
في إطار نفس المنطق، لا يمكن لروسيا أن ترفض استخدام المهاجرين الصينيين من العمال، وهي مجبرة على أن تغض الطرف عن وجودهم و سلوكهم، وهو أمر محفوف بطبيعة الحال باستياء متزايد من السكان المحليين، ويتخوف «كونادزي» من أن صورة التعاون الروسي- الصيني في مناطق الشرق الأقصى يمكن أن تؤدي إلى حالة احتلال صيني لهذه المناطق الروسية النائية.
وذلك بقوله إن الصورة الناشئة للتعاون الروسي – الصيني مثيرة للقلق إلى حد ما في المستقبل، فإن «اختراق الصين الودي» مناطق الشرق الأقصى في روسيا سوف يتحدد على ما يبدو بنفسها ، إلى الحد الأدنى من الاعتماد على رأي روسيا. ومع ذلك فإن الصين على الأرجح ليس لديها نية للقيام بـ «الاستيلاء الودي» على هذه المناطق، إن امتصاص أراضي دولة مجاورة ، وخاصة تلك المهملة أمر محفوف بالمخاطر و مكلف.
شيء آخر هو أنه، بعد أن أصبحت روسيا مصدرا للمواد الخام للصين ، فقد تتحول روسيا عاجلاً أو آجلاً إلى شريكها السياسي الأصغر، مجبرًا على النظر إلى شريكها الأكبر(الصين) عند اتخاذ القرارات الرئيسية للسياسة الخارجية، فلنتخيل هذا ، بالطبع ، ليس سهلاً.
لكن هذا مثال ملموس: في السنوات الأخيرة انسحبت روسيا بهدوء بطريقة ما من عملية حل مشاكل كوريا الشمالية المتفجرة، وعهدت إلى الصين بشكل فعال بتمثيل مصالحها وبذلك، اتبعت روسيا مثال اليابان ، التي تمثل الولايات المتحدة مصالحها في التسوية الكورية الشمالية، لكن بالنسبة لليابان فإن دور الشريك الأمريكي الأصغر مألوف.
وقد ساعد ذلك حقًا في تحقيق النجاح ، بينما فشلت روسيا، فمن الصعب القول ما إذا كانت روسيا ، بغرورها الذاتي الوحشي ، سوف تعتاد على دور الشريك الأصغر للصين، وهذه طبعا وجهة نظر جريجوري كونادزي، لكن وجهة النظر هذه تحترم خصوصا و أن الصين بالفعل تريد أن تكون صاحبة اليد العليا في علاقاتها مع روسيا أو غيرها من البلدان و الوضع الاقتصادي و السكاني الخاص بها يؤهلها لذلك، في حين أن روسيا بقيادة بوتين أو بقيادة أحد من فريقه بعد ذلك لن تطيق أن تكون تابعة لأي دولة أخرى، و هذا بالطبع سيجعل من الأمور الخاصة بالعلاقات المشتركة بين الصين و روسيا مرشحة للتوتر كما هي أيضا مرشحة دائما للأفضل.
المصدر الأصلي للموضوع: معهد أوتاوا لدراسات الشرق الأدنى