القاهرة – (رياليست عربي): انطلقت في العاصمة الفرنسية باريس، اليوم الاثنين 17 مايو/ أيار، فعاليات مؤتمر باريس للاستثمار في السودان وسط اهتمام دولي واسع وآمال بأن يسهم المؤتمر في إخراج السودان من أزمته الاقتصادية الطاحنة، بعد عودته الى الحظيرة الدولية من خلال رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
مؤخراً وأثناء الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في نهاية عام 2020، بعد سداد مبلغ 335 مليون دولار أمريكي كتعويض لأسر ضحايا ومصابي حادث تفجير سفارتي الولايات المتحدة بكل من كينيا وتنزانيا في عام 2001، والتي على إثرها صنّف السودان كأحد الدول الراعية والحاضنة للإرهاب، الأمر الذي بموجبه تم فرض حصار مالي واقتصادي وسياسي شديد من أمريكا والعالم على السودان، والذي تسبب في آثار اقتصادية وخيمة خلال تلك السنوات، إضافة إلى تداعيات ومشاكل جمة عاني منها المواطن السوداني كثيراً.
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده قررت إلغاء ديون مستحقة علي السودان إجمالها 5 مليارات دولار، مؤكداً أن البنك الدولي سوف يعلن ذلك القرار رسمياً الشهر المقبل.
كما قررت فرنسا تخصيص مبلغ مليار ونصف المليار كمِنَح للسودان لتمويل مشروعاته الاقتصادية الهامة، التي من شأنها مساعدة السودان على حل مشاكله الاقتصادية الضرورية، وهذه المساعدة ستمكن الخرطوم من استكمال خطوات وبرنامج التحول الديمقراطي، ومساعدته من “عبء سداد الديون”، حيث تعتبر الإدارة الفرنسية السودان نموذج نحو التحول إلى النظام الديمقراطي الحر، جاء ذلك ظهر اليوم بالعاصمة الفرنسية خلال مؤتمر باريس لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان والذي يهدف إلى التطبيع الكامل للسودان مع المجتمع الدولي بجانب إبراز فرص الاستثمار بالسودان في القطاعين العام والخاص، بحضور رئيسي مجلسي السيادة والوزراء الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان وعبدالله حمدوك والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيسة إثيوبيا سهلورق زودي والرئيس الرواندي بول كاغامه ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي وعدد من المسؤولين والسفراء ممثلين لأكثر من ٤٠ دولة.
وأوضح الرئيس الفرنسي أن ثورة ديسمبر المجيدة انطبعت بطابع فني وشعري وهذا نادر الحدوث، حيث احتفى بالشعر الثوري السوداني خلال الثورات السودانية وأضاف ماكرون، “ثورة ديسمبر المجيدة متميزة للدور غير مسبوق للنساء اللاتي غنى لهن محمد وردي من شموخ النساء”، وحيا الاتحاد الأفريقي الذي لعب درواً حاسماً للوصول إلى توافق سياسي بين مكونات الحكم، وأعلن الرئيس الفرنسي باسم كافة المجتمعين في مؤتمر باريس التأييد الكامل لحكومة الفترة الانتقالية لنجاح عملية الانتقال الديمقراطي والوصول لانتخابات حرة ونزيهة مؤكداً على أهمية تعزيز عودة السودان الاقتصادية للعالم كما هو الحال مع عودته السياسية وأضاف “فرنسا فخورة بأن تكون الباب الذي يعود منه السودان للعالم”.
بدوره الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أكد في كلمته أمام الحضور على ضرورة قيادة الأطراف السودانية نفسها لكافة جهود إحلال السلام والاستقرار على أراضيها، طبقاً لتوافق وطني شامل يستند إلى الأولويات الوطنية للشعب السوداني، مشيداً بالإنجازات الملموسة التي حققتها الحكومة الانتقالية السودانية، وأبرزها التوصل لاتفاق شامل للسلام في أكتوبر الماضي، والذي يتطلب مساندة المجتمع الدولي لتنفيذ استحقاقاته بالكامل، وشدد الرئيس السيسي على دعم المرحلة الانتقالية في السودان، مؤكداً على التزام مصر الراسخ بمواصلة دعم الأشقاء في السودان لتحقيق الاستقرار والتنمية التي يستحقها الشعب السوداني، داعياً جميع شركاء السودان لمواصلة دعم ومساندة الجهود السودانية.
وأكد الرئيس السيسي أن مشاركة مصر في مؤتمر دعم الفترة الانتقالية بالسودان إنما تأتي انطلاقاً من اقتناع راسخ لدينا بأن أمن واستقرار السودان هو جزء لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر والمنطقة، كما تعكس التزام مصر وإرادتها السياسية الثابتة بألّا تدخر جهداً لدعم استدامة السلام والتنمية والاستقرار في السودان، والحفاظ على وحدة أراضيه، وهو ما يأتي بالتوازي مع ما تشهده العلاقات الثنائية من قفزات متسارعة لتحقيق التكامل الفعلي بين البلدين في عدد من المجالات الحيوية.
وشدد الرئيس السيسي، على أن تثبيت السلام والاستقرار في السودان يتطلب بالضرورة توفير بيئة مواتية سياسياً وأمنياً في محيطه الإقليمي، بما يمكّن السودان من الحفاظ على استقراره استناداً إلى قواعد القانون الدولي والاتفاقيات الدولية ذات الصلة ومنها اتفاقية عام 1902، مؤكداً، في هذا الصدد، أهمية دعم حق السودان في بسط سيادته على كامل أراضيه، وأكد الرئيس أن نهر النيل يمكن أن يمثل ركيزة لتعاون أشمل بين دول حوض النيل إذا ما توافرت الإرادة السياسية لدى الجميع، بحيث يتم تحقيق التنمية المنشودة دون الإضرار بأي طرف، ومن بينها الشعب السوداني، بما يعزز الاستقرار في المنطقة.
واختتم الرئيس السيسي كلمته بالتأكيد مجدداً على التزام مصر الراسخ بمواصلة دعم الأشقاء في السودان لتحقيق الاستقرار والتنمية التي يستحقها الشعب السوداني، داعياً جميع شركاء السودان لمواصلة دعم ومساندة الجهود السودانية في إطار أولوياتها الوطنية.
ومن جهتها، أعلنت ألمانيا، عن مساعدة بملايين اليورو لتخفيف ديون السودان المتبقية، وبحسب نص خطاب صادر عن وزارة الخارجية الألمانية، قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إن جمهورية ألمانيا الاتحادية ستشطب 360 مليون يورو من الديون الثنائية مع الدولة الأفريقية، بالإضافة إلى ذلك، ستقدم برلين ما يصل إلى 90 مليون يورو لمساعدة السودان على تسوية متأخرات ديونه مع صندوق النقد الدولي، وبالإضافة لإلغاء الديون، من المنتظر كذلك أن يعمل المؤتمر على جذب رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية المباشرة للسودان.
كما أعلنت النرويج إلغاء جميع ديونها الثنائية المستحقة على السودان والمساهمة في تسوية الديون في إطار صندوق النقد الدولي والبالغ قدرها 4,5 مليار دولار، وقالت وزيرة الخارجية النرويجية، إين إريكسن سوريد، في بيان لها على هامش مشاركتها في مؤتمر دعم المرحلة الانتقالية للسودان بباريس اليوم: “نحن ملتزمون بالمساهمة في إنجاح عملية الانتقال في السودان، وتماشياً مع هذا، فقد اتّخذنا قراراً بإلغاء جميع الديون الثنائية، ونهدف للحفاظ على مستوى عالٍ من المساعدة، وهذا سيجعل السودان أحد المتلقين الرئيسيين للمساعدات التنموية النرويجية”، وأضافت الوزيرة أن النرويج ترحب بانتقال السودان نحو الديمقراطية مؤكدة دعم بلادها برنامج الإصلاح الذي تنفذه الحكومة السودانية، لذلك نتّفق مع اجتماع القادة في باريس اليوم على أن الانتقال في السودان لا رجوع فيه، وإننا “المجتمع الدولي” يجب أن نستمر في التضامن مع شعب السودان .
و قال أنطونيو غوتيرش الأمين العام للأمم المتحدة، في كلمته، إن هذا الإجتماع يدل على الإرادة الدولية، معرباً عن شكره لفرنسا لقيامها بترتيبه، وحيا الحكومة السودانية لقيامها بخطوات جادة وجهود واضحة لبناء السلام، وتصميمها لإحلال دولة القانون وخلق مساحة مدنية أوسع، وأوضح لدى مخاطبته اليوم مؤتمر باريس لدعم التحول الديمقراطي في السودان أن هذا الدعم من شأنه تطوير السودان والدفع بعملية الإنتقال الديمقراطي، وأضاف إذا لم يأتِ هذا الدعم قد تتأثر الفترة الانتقالية في السودان بطريقة سالبة، ودعا المستثمرين ورجال الأعمال للإستثمار في السودان ودعم العملية الانتقالية من أجل الشعب السوداني”.
وعبر أحمد أبو الغيط، أمين عام الجامعة العربية لدى مخاطبته مؤتمر باريس عن تقدير الجامعة العربية لفرنسا على هذه المبادرة والذي يجمع شركاء السودان ودعمهم لعملية الانتقال، وأثنى على الجهود الكبيرة التي قامت بها حكومة السودان لتجاوز الصعاب، مشيراً الى أن السودانيين قطعوا شوطاً كبيراً في التوافق وتنفيذ استحقاقات المرحلة الانتقالية. معدداً مسيرة التزام الشركاء واجتماعات مجموعة أصدقاء السودان، ومؤتمر الشراكة الذي استضافته برلين، وغير ذلك من فعاليات دولية ومبادرات إقليمية وثنائية، وجدد أبو الغيط التزام الجامعة العربية بدعم السودان انطلاقا من مسئوليتها الأصيلة تجاهه باعتباره عضواً مهماً في الجامعة وشريكاً فاعلاً في المنظومة العربية. موضحاً أن الدول العربية ومؤسسات التمويل العربية هم في طليعة من قدموا الدعم للسودان، مشيراً لدعم الجامعة لتقديم الدعم لمعالجة الأوضاع الإنسانية في دارفور، ومكافحة جائحة كورونا، وتداعيات الفيضانات، وكشف الأمين العام للجامعة العربية عن مجموعة من المشروعات الإنمائية للسودان بقيمة 100 مليون دولار، مؤكداً دعم الجامعة للسودان وحشد المزيد من الدعم لتمكينه من عبور التحديات التي تواجهه لاستكمال الانتقال الديمقراطي بشكل ناجح .
وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، إن خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز، وجه بدعم السودان لمعالجة المتأخرات وتخفيف أعباء الديون لدى صندوق النقد الدولي، مؤكداً حرصه على ازدهار ورفاه الشعب السوداني الشقيق، وأضاف: “امتداداً للدعم السابق المقدم من المملكة لجمهورية السودان، تعلن المملكة خلال مؤتمر باريس، لدعم السودان عن قيامها بتقديم منحة للمساهمة في تغطية جزءٍ من الفجوة التمويلية للسودان لدى صندوق النقد الدولي حوالي ٢٠ مليون دولار. إضافةً لتحويل رصيد المملكة في حسابي الطوارئ والرسوم المؤجلة لدى صندوق النقد الدولي، للمساهمة في معالجة متأخرات وتخفيف أعباء الديون على السودان”، وتعهد بعزم السعودية بإعفاء السودان من مديونيات مستحقة عليها لصالح المملكة قدرها 5 مليار دولار، وثمّن الأمير فرحان، عالياً مبادرة الرئيس ماكرون بالدعوة لهذا المؤتمر، وتمنى أن يقوم المجتمع الدولي بالدور المرجو منه لدعم السودان.
هذا وقد بدأت الحكومة السودانية بالتعاون مع فرنسا، الدولة المضيفة، في الإعداد للمؤتمر منذ أكثر من 4 أشهر بالتركيز على تحديد فرص وموارد الاقتصاد السوداني، وذلك من خلال عرض أكثر من 18 مشروعاً حيوياً في قطاعات الزراعة والطاقة والنقل والبنية التحتية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتحصلت السودان علي تعهدات وإعفاءات من ديون ثنائية بقيمة 30 مليار دولار، خلال اليوم الأول لمؤتمر الاستثمار في السودان الذي انعقد الاثنين، وخصص البنك الدولي 2 مليار دولار للسودان للاستثمار في برامج الصحة والطاقة خلال الأشهر العشرة المقبلة، كما قدم بنك الاستيراد والتمويل الأفريقي 700مليون دولار لتمويل مشاريع الطاقة والاتصالات في السودان ، وأبدت كل من الولايات المتحدة الأميركية والسويد وإيطاليا استعدادها لتقديم منح لتغطية النواقص في متأخرات الديون والمقدرة بنحو 1,3مليار دولار بما فيها الفوائد والغرامات الجزائية. كما تعهدت دول وشركات وهيئات تمويل بالاستثمار في مختلف قطاعات الاقتصاد السوداني، وعلى رأسها الطاقة والزراعة ومشروعات البنية التحتية، وتعتبر الديون الخارجية المقدرة ما بين 60 إلى 74 مليار دولار عقبة كبيرة أمام إنعاش الاقتصاد السوداني الذي يعاني من أزمات كبيرة بعد التدهور المريع الذي طال كافة القطاعات بسبب الفساد الكبير.
أخيراً، إن السودان دولة أفريقية هامة، ودورها التاريخي في القارة الأفريقية والمنطقة العربية والدولية، تمثل عودتها إلى الساحة الدولية داعماً هاماً للقضايا الدولية والإفريقية والعربية، وحصن أمان للحدود الجنوبية للدولة المصرية لما تمثله السودان من أهمية استراتيجية وأمن قومي هام، عودة حميدة للسودان الجديد، سلة غذاء العرب وإفريقيا والعالم، مؤتمر باريس نبراس أمل لشباب وشعوب العالم والمنطقة والقارة الأفريقية ومثال على أرض الواقع لإثبات أن الإرادة السياسية والاقتصادية الدولية عندما تتحد وتتعاون بين الدول والحكومات والمؤسسات والشعوب هي الأمل لمستقبل الأجيال الحالية والقادمة لتنعم بالأمن والسلام والتعاون والاستقرار.
خاص وكالة “رياليست” – د. خالد عمر.