تعرّضت دورية مشتركة من المركبات المدرّعة الروسية – التركية في التاسع من أكتوبر/ تشرين الثاني، من العام الجاري، خلال دوريتها في شمال شرق سوريا، للرشق بالحجارة من قبل السكان المحليين، ما أسفر عن إصابة الواجهة الأمامية لتلك المركبة، إذ لم يقم أحد بإستئذان هؤلاء السكان من “الأرمن والآشوريين والأكراد والعرب”، الموجودين هناك، لدخول القوات الأجنبية إلى أراضيهم، وأراضي أجدادهم، بحسب المستشرق الروسي ستانيسلاف إيفانوف.
هذا الموقف دفع بدهشة المراسلين الصحافيين الموجودين هناك، حيال هذه العدوانية من قبل السكان المحليين، ليس فقط ضد الأتراك، بل أيضا ضد القوات الروسية الموجودة أساساً لحمايتهم من القوات التركية.
ضوء أخضر روسي
يبدو هذا الأمر طبيعيا، كما يقول المستشرق إيفانوف، لأن روسيا هي من أعطت الضوء الأخضر للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ليقوم بعمليته العسكرية في المنطقة الشمالية دون الرجوع لأحد من السكان المحليين، أو القيادة السورية أيضا. وهذا انتهاك واضح لسيادة الدولة السورية بل أيضا ومخالفة للأعراف والقوانين الدولية، حيث وصف الرئيس السوري بشار الأسد، الرئيس التركي أردوغان باللص، أما المستشارة الإعلامية بثينة شعبان وصفت العدوان وشبهته بنازية هتلر، في حين أن المعارضة السورية باركت هجوم الأتراك على المنطقة الشمالية وقامت أيضا بأسر عدد من الجنود السورين.
وإذا كانت القيادة الروسية قد تمكنت من إقناع الرئيس الأسد من حتمية العملية المؤقتة التركية، وذلك من أجل إخلاء المنطقة من الميليشيات الكردية، وذلك من أجل إنشاء منطقة آمنة بطول 30 كلم شمال شرق البلاد لحماية الحدود التركية من الأكراد، إلا أنهم لم يستأذنوا السكان المحلين في قرار نشر وحدات اجنبية في تلك المنطقة. فلقد استقبل السكان المحليين الأتراك بالحجارة بسبب دخولهم إلى مناطقهم والقيام بقتل أهلهم وأقاربهم نتيجة القصف التركي، الذي بدوره أدى إلى تحرير بعض أعضاء تنظيم داعش من سجون الأكراد وفرارهم الى تركيا، إذ تعمل تركيا على استخدامهم كوسيلة ضغط على الاتحاد الأوروبي والدول المستقلة ضمن روسيا، هذا ما دفع لإطلاق المشاعر السلبية من الأهالي تجاه الدوريات المشتركة.
نزوح جديد
من جانب آخر، يستشعر السكان المحليين الخطر، من نوايا الجيش التركي في الحصول على موطئ قدم لهم في سوريا حيث ستقوم بالإستيلاء على الأراضي بما يقارب 120 كلم وعلى عمق 32 كلم بين الحدود المشتركة، فضلا عن توطين اللاجئين السوريين في كل من تل أبيض ورأس العين إذ الخطة تقتضي بنقل مليون لاجئ سوري الى تلك المنطقة. ما أدى إلى فرار الآلاف من الأكراد ومن السكان الآخرين إلى مناطق سورية أخرى. خوفا من بطش الأتراك وانتشار عناصر داعش الفارين من السجن.
وهذا التطور قد يدفع لتشكيل موجة نزوح جديدة بعد الموجة السابقة عندما نزح السوريون إبان المعارك القديمة بين الجيش السوري والتنظيمات الإرهابية في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة السورية في الشمال السوري، أما حاليا ومع دخول تركيا وإعادة توطين اللاجئين السوريين سيؤدي ذلك إلى تغير ديموغرافية المنطقة.
تقويض الدور الكردي
لكن يجب التذكير بأن الأكراد في إدارتهم الذاتية الخارجة عن سيطرة قوات الحكومية السورية تمكنت من حماية المنطقة من العصابات الجهادية في عام 2012 في المنطقة الشمالية الشرقية، وهذه هي السنة التاسعة للحكم الذاتي الإقليمي والسلطات البلدية التي تم إنشاؤها وتعمل بنجاح، فهذه الميليشيا أو المخابرات أو الشرطة، التابعة لحزب الإتحاد الديمقراطي – الجناح الرديف لحزب العمال الكردستاني التركي، المصنف إرهابيا بحسب النظام التركي، أو مهما كانت تسميتهم من الجانب التركي، فلقد لعبوا دورا قياديا طوال 8 سنوات، فخلال كل هذه المدة لم ينتهكوا الحدود التركية ولم يرتكبوا أي أعمال عدائية ضد الأكراد، بل كانوا في خضم معارك عنيفة مع تنظيم داعش آنذاك، وتمكنوا من تخليص محافظة الرقة منهم.
بطبيعة الحال، لا يزال السكان المحليون يعتبرون الميليشيات الكردية هي المدافعة عنهم، ويدعمون السلطات المحلية المتمتعة بالحكم الذاتي، وفي ظروف العزلة المصطنعة حول عملية التفاوض في جنيف وأستانا، يرغبون في الحفاظ على السلام والهدوء في أراضيهم. أما بالنسبة لاتهامات الأكراد وغيرهم من سكان هذه المناطق بالانفصالية، فهذا رأي خاطئ. فلقد صرح الزعماء الأكراد مرارا وتكرارا أنهم على استعداد للتعاون مع السلطات في دمشق، بشرط واحد فقط وهو إيجاد ضمانات في الدستور الجديد للبلاد لحقوقهم وحرياتهم الوطنية. لكن إلى الآن لم يحدث ذلك.
ما البديل!
من هنا يرى المستشرق إيفانوف أن دمشق وأنقرة وطهران هم الذين يغذون المشاعر الانفصالية والطائفية في هذا البلد الذي طالت معاناته، وليس الأكراد. يود الرئيس الأسد والإيرانيون أن يطيلوا عمر الأزمة إلى الأبد حيث النظام هو الفاسد والمناهض للأقليات، بل يريد أن يكون كل شيء في يد حزب البعث العربي والعلويين، وأن أردوغان بكل الوسائل أو الأكاذيب يسعى إلى توسيع الجسر الذي تحتله القوات التركية في شمال سوريا ليقدم بديلا عن الأكراد، أي نظام الإخوان المسلمين المحظور في روسيا.
إن تركيا وإيران يكرهون فكرة الإعلان حول الحفاظ على سوريا موحدة وغير قابلة للتجزئة، لأن كل منهما يرى سوريا بطريقته الخاصة كدمية لها، ومستعدان للقتال بأنفسهما وبأيدي أجنداتهم وعملائهم المؤيدين للمشروع التركي والشيعي حتى آخر سوري. لكن يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن ثلث سكان البلاد قبل الحرب يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها القوات الرسمية السورية. خلال سنوات الحرب الأهلية، مات حوالي مليون سوري وفقد بعضهم، وهاجر البعض إلى مخيمات اللاجئين بالخارج أو يعيشون في أراضي الشمال الغربي والشمال الشرقي من البلاد الخارجة عن سيطرة الدولة السورية.ستانيسلاف إيفانوف – دكتوراه في التاريخ ، باحث أول في مركز الأمن الدولي التابع لأكاديمية العلوم الروسية، خاص لوكالة أنباء «رياليست»