يلف الغموض، والمصير المجهول نتائج الحوارات الليبية ، فرغم تفاؤل عرابي هذه الحوارات، سواء في البعثة الأممية، وكذلك الدول الاقليمية والكبرى ، إلا أن ما ينضح من ردود أفعال من قيادات تتبع التيارات الاسلامية ، وكذلك أعضاء في مجلس الدولة الاستشاري، لا تشي بوجود امكانية لتحقيق هذا التفاؤل. آخر ما يدلل على صعوبة الموقف ، أن أطرافا عدة في غرب ليبيا خصوصا بمدن مصراته وطرابلس والزاوية ، لم تتقبل نتائج زيارة وفد قبائل اقليم “برقة” إلى مصراته وشككت قيادات كثيرة من اقليم طرابلس بغرب ليبيا، في امكانية تحقيق مصالحة عبر هذه اللقاءات.
وتحاول قيادات تابعة لجماعة الإخوان، وكذلك عدة تيارات متشددة مثل الجماعة الليبية المقاتلة، وقيادات مسلحة جهوية في مصراته وطرابلس ، بأن لا يتم التوصل إلى اتفاق حقيقي، يتم بموجبه تقاسم السلطة وتداولها بين كافة أقاليم وسكان البلاد. وتحاول هذه التيارات عدم تغيير قيادات المؤسسات المالية والنفطية، لأن هذا الاجراء يبعد عنها الدعم المالي اللازم ، كما أنه سيفقدها تأييد دول أخرى تعمل على أن تكون موارد الدولة الليبية ؛ في أيادي هذه الجماعات لكي تصب هذه الأموال في خزائنها، وتأتيفي مقدمة هذه الدول “تركيا” التي تسعى للاستحواذ ؛ على منافع اقتصادية كبيرة من تدخلها في ليبيا.
وما تشهده العاصمة الليبية حاليا من صراعات بين قيادات المليشيات، وتصفية الحسابات خير دليل على ذلك، فكل مجموعة من المسلحين تتبع شخصية من قيادات حكومة الوفاق، فبعض هؤلاء المسلحين يدينون بالولاء مباشرة لفائز السراج، ويتخذونه غطاء شرعيا لوجودهم، ومجموعة اتخذت من وزير الداخلية فتحي باشاغا سببا لوجودهم ، ومجموعات أخرى تتخذ من عضو المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق والقيادي في المقاتلة الليبية محمد العماري واجهة لهم تحتمي به لتظل في الساحة، بالإضافة إلى قيادات مسلحة ولائها لجماعة الإخوان، وتتخذ من خالد المشري رئيس المجلس الاستشاري للدولة كواجهة لوجودهم.
ويبدو واضحا للجميع بأن المشكلة الأساسية في ليبيا أمنية بالدرجة وليست سياسية ، ورغم ادراك المجتمع الدولي والبعثة الأممية لهذه النقطة ، إلا انه يتم تجاهلها والاهتمام بمسارات ثانوية سواء سياسية أوعقد اجتماعات تفاوضية بين جهات صارت مع الوقت تفقد ثقة الليبيين بشكل كبير، فالبرلمان الشرعي بطبرق ، فقد كثير من حيويته وصار جسد بلا روح ، وانقسم على نفسه، إلى كتل وكيانات تتصارع فيما بينها، وصارت كل قراراته ومشاوراته واجتماعاته، يقررها منفردا رئيس البرلمان عقيلة صالح.
وفي الجهة المقابلة فإن الأجسام الموجودة في العاصمة طرابلس، لا تملك أي أرضية ووجود لولا تمسك المجتمع الدولي بها، فهي في الداخل الليبي ، لا تملك أي تأييد على الإطلاق، وكل شخصية مسئولة سواء في حكومة الوفاق، أو المجلس الاستشاري للدولة، يحتمي بمجموعة مسلحين يستعملهم كأداة رادعة ضد من يخالفونهم. لذلك أي حل يستثني تفكيك الجماعات المسلحة، أو يؤجل هذا الأمر إلى مراحل أخرى، هو يعني بكل تأكيد تأجيل للحلول، ومط أمد الأزمة الليبية، ولن يوصلها لأي حل مستقبلي، ولن يصل بليبيا إلى استقرار مأمول.
ومن الغريب أن عمليات الخطف والاحتراب بين المجموعات المسلحة، زادت وتيرتها بعد انسحاب الجيش الليبي من العاصمة طرابلس، ومع هذا ظلَّ المجتمع الدولي ومنظماته وآلياته ، صامتا تجاه هذه الأمور، وحتى البيانات التي تخرج ضد هذه الأمور ، كانت هزيلة ولا ترتقي إلى فداحة الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين بصورة يومية. وآخر هذه الجرائم، هي عملية اختطاف رئيس المؤسسة الليبية للإعلام المُعين من قبل رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، والذي أختطف من مسلحين تابعين أيضا لحكومة السراج، على خلفية فضحه لممارسات فساد تم فيها هدر المليارات من العملة الليبية، في مشاريع اعلامية وهمية، وكذلك دعوته لتغيير خطاب الكراهية عبر قنوات تابعة لحكومة الوفاق.
خاص وكالة “رياليست” – عبد العزيز الرواف – كاتب وصحفي ليبي.