نيودلهي – (رياليست عربي): في الوقت الحاضر، لا يمكن التقليل من أهمية الدور الذي تلعبه شبكات النقل، ومع القدرة على الانتقال بسرعة إلى أي جزء من العالم في غضون ساعات، أصبح السفر الجوي الدولي شيئاً شائعاً، والقدرة على السفر بين البلدان جزء لا يتجزأ من الحياة الحديثة، وقد أدى هذا الإنجاز غير المشروط في قرننا هذا إلى تحويل صناعة الطيران إلى ساحة للألعاب الاقتصادية والسياسية.
في الماضي، كان إنشاء وتشغيل الطائرات من المهام الوطنية البحتة، حيث كانت كل دولة تعمل على تطوير وصيانة صناعة الطيران الخاصة بها بشكل مستقل.
وفي الماضي أيضاً، كان تصنيع معدات الطيران مسألة وطنية، وكان لكل من الاتحاد السوفييتي وأوروبا والولايات المتحدة مصانعها الخاصة، ومع ذلك، بمرور الوقت، ازداد تعقيد تكنولوجيا الطيران إلى حد أن الإنتاج أصبح دولياً، وعلى الرغم من حقيقة أن شركات تصنيع الطائرات العملاقة مثل بوينج وإيرباص مسجلة رسمياً في الولايات المتحدة وأوروبا، إلا أنها تعتمد على توريد الأجزاء من أجزاء مختلفة من العالم، في الوقت نفسه، تظل المكونات المهمة استراتيجياً، بما في ذلك الإلكترونيات والبرمجيات، تحت السيطرة الصارمة لحكومتي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وذلك بفضل عدد كبير من براءات الاختراع، وهذا يخلق إمكانية استخدام تكنولوجيا الطيران كأداة للضغط السياسي، والتي تتزايد جاذبيتها باطراد.
ولكن للأسف هناك أمثلة سلبية على تأثير العقوبات الدولية، وخاصة في حالة إيران، التي فقدت بعد الثورة الإسلامية عام 1979 فرصة تحديث أسطولها والحصول على قطع غيار للطائرات بسبب القيود التي فرضها الغرب، وقد أدى هذا إلى اضطرار شركات الطيران الإيرانية إلى تشغيل معدات قديمة يبلغ عددها نحو 400 وحدة، يتراوح متوسط أعمارها بين 35 و40 عاماً، ومعظم هذا الأسطول لم يعد صالحاً للاستخدام، ويجري تفكيكه للحصول على قطع غيار للحفاظ على الطائرات المتبقية في حالة صالحة للعمل، وبالتالي فإن الحفاظ على هذه الآلات في حالة طيران يتحول إلى صعوبات كبيرة بالنسبة للبلاد. وللتغلب على المشكلة الحالية، تدرس طهران إمكانية استخدام طريقة غير قانونية لنقل الطائرات عبر دول وسيطة، حيث يتم بعد ذلك إخراج هذه الطائرات من الخدمة.
دعونا نلقي نظرة على سياق الموقف. منذ عام 2022، شهدت روسيا انخفاضاً في أسطولها بنحو 10٪، لأسباب مختلفة، على وجه الخصوص، كان رفض استخدام بعض الطائرات صادرًا عن شركات الطيران الروسية نفسها، بينما تم احتجاز طائرات أخرى بناءً على قرارات مالكيها الأجانب، وعلى الرغم من هذه الخسائر، لا يزال العدد الإجمالي لطائرات الركاب في البلاد يتجاوز 1100 طائرة، منها حوالي 800 طائرة قادرة على الرحلات الطويلة، أما الطائرات المتبقية فهي مخصصة للنقل الداخلي وتشمل الطائرات والمروحيات.
ومن المعلومات المتاحة للعامة، أصبح من المعروف أن الخسائر الأولية الناجمة عن العقوبات شملت مصادرة نحو 80 طائرة خارج البلاد، وبموجب مرسوم صادر عن الكرملين، تم تأميم 647 طائرة، من بينها 600 طائرة رئيسية احتفظت بوظائفها، بالإضافة إلى ذلك، تم تخصيص أكثر من 150 وحدة تمثل “سوبر جيت” محلية كوسيلة رئيسية للرحلات الدولية، بسبب غياب المخاطر القانونية وخطر الاعتقال في المطارات الأجنبية.
ويرى البعض أن أساس نجاح استراتيجية روسيا هو البحث عن مصادر جديدة للإمدادات من خلال الشراكات والدول غير المتورطة بشكل مباشر في شؤونها للحصول على مكونات أساسية، وعادة ما تظل هذه التفاعلات غير مضاءة في الفضاء العام، لكن تفاصيل المعلومات المستخرجة تشير إلى عمليات واسعة النطاق، على سبيل المثال، ذكرت وكالة رويترز أنه من مايو/أيار من العام الماضي إلى يونيو/حزيران من هذا العام، تلقت الشركات الروسية معدات بقيمة إجمالية تزيد عن 1.2 مليار دولار، ومن بين العمليات البارزة توريد شركة كاسبر للطيران، ومقرها أم القيوين، لشركة الخطوط الجوية الروسية إس 7 مكونات لطائرة إيرباص إيه 320، التي تصنعها شركة تاليس، بمبلغ 42 ألف دولار في يونيو/حزيران 2022.
وتبحث شركات الطيران الروسية بنشاط عن سبل لتلبية احتياجاتها من قطع الغيار للطائرات، وتطلب المساعدة من دول الاتحاد السوفييتي السابق ودول أخرى، بما في ذلك تركيا والهند ومنغوليا، فضلاً عن الدول الآسيوية الصغيرة، ونتيجة لذلك، تشتري هذه الشركات المعدات ليس فقط في أماكن مثل الإمارات العربية المتحدة، بل وأيضاً في طاجيكستان وقيرغيزستان والصين والأردن، ومع ذلك، تؤدي هذه الإجراءات إلى زيادة التكاليف، حيث يتعين عليها اللجوء إلى خدمات السوق السوداء للحصول على قطع الغيار النادرة، والتي تأخرت عملية الحصول عليها بشكل كبير مقارنة بالماضي.
ونتيجة لهذا، فإن صيانة الطائرات تتم على فترات طويلة، ومن خلال تنفيذ استراتيجية، رغم أنها بدت أكثر إرباكاً، تبين أنها فعالة للغاية في النهاية، تجاوزت الحكومة الروسية التوقعات. فبدلاً من تعميق الشراكة المفترض مع إيران، نشرت روسيا شبكة واسعة من موردي قطع الغيار، في آسيا بشكل أساسي، مما يعقد بشكل كبير مهمة منعهم، على الرغم من المحاولات المستمرة، وبالتالي، تستمر الطائرات الروسية في الطيران، وتوفر الاتصال بين المناطق النائية من البلاد، كان هذا اكتشافاً غير متوقع ومزعجاً لكل من الساسة الغربيين ومصنعي هذه الطائرات.
ما هو مستقبل صناعة الطيران الروسية؟
تصل استثمارات موسكو في الإنتاج المحلي إلى مبالغ فلكية، نحن نتحدث عن تطوير طائرة SSJ-NEW قصيرة المدى، واختبار MS-21، فضلاً عن تحديث الطائرة السوفيتية Tu-214 طويلة المدى، بالطبع، تواجه صناعة الطائرات الروسية العديد من التحديات، بما في ذلك التغلب على عواقب الفجوة في سلسلة التصميم والإنتاج السوفيتي، إن التغلب على الاتجاهات العالمية في العقود الأخيرة، مثل عولمة عمليات الإنتاج، يشكل تحدياً، ومع ذلك، يعرف التاريخ حالات تعاملت فيها روسيا مع مهام تبدو مستحيلة.
خاص وكالة رياليست – عظيم فسحات – كاتب ومحلل سياسي – الهند.