موسكو – (رياليست عربي): حماس غير راضية عن الاقتراح الأمريكي لوقف إطلاق النار مع إسرائيل، وبالتالي فإن الصفقة الجديدة قد تفشل في نهاية المطاف، وفقاً للخبراء، والحركة واثقة من أن الاتفاق بصيغته الحالية يلبي مصالح رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو. وفي الوقت نفسه، زار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مصر في 20 أغسطس الجاري للتباحث مع قيادة هذا البلد في مسألة الحفاظ على الوجود الإسرائيلي في ممر فيلادلفيا، وترفض حماس فكرة السيطرة الإسرائيلية على فيلادلفيا، معتبرة ذلك احتلالاً للجيب.
واستمرت في القاهرة جولة جديدة من المحادثات غير المباشرة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، والتي بدأت في الدوحة. وتعتبر مصر، إلى جانب قطر، الوسطاء الرئيسيين في حل الحرب في غزة.
وزار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن القاهرة في 20 أغسطس/آب لتقديم النسخة النهائية من اتفاق غزة إلى الوسطاء المصريين، وكان قد قال في اليوم السابق إن هذه المفاوضات يمكن أن تكون “الفرصة الأخيرة” لتحقيق وقف إطلاق النار.
وحذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال الاجتماع من الخطر الجسيم المتمثل في توسع الصراع إلى المستوى الإقليمي مع عواقب وخيمة محتملة، وقال مكتب الرئاسة المصرية في بيان إن الرئيس السيسي أكد أن الوقت قد حان لوضع حد للحرب المستمرة واللجوء إلى صوت العقل والحكمة وإعلاء لغة السلام والدبلوماسية.
جدير بالذكر أن وزير الخارجية الأمريكي زار إسرائيل في اليوم السابق، يوم 19 أغسطس/آب، وبحسب صحيفة الأخبار اللبنانية، فإن الإدارة الأميركية، عقب لقاء بين بلينكن وقيادة البلاد، تمكنت من الحصول على موافقة الدولة اليهودية على سحب قواتها من ممر نتساريم الذي يقسم القطاع إلى قسمين شمالي وجنوبي ويمنع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى منازلهم في شمال القطاع، وفي الوقت نفسه، أرسلت إسرائيل إشارات إلى واشنطن حول إمكانية الحفاظ جزئياً على وجود عسكري على خط فيلادلفيا الحدودي الذي يفصل غزة عن مصر. وتعتقد القيادة الإسرائيلية أن الحفاظ على السيطرة في هذه المنطقة ضروري للدولة لمنع الدخول غير القانوني للمسلحين وتهريب الأسلحة إلى الجيب.
وسبقت زيارة بلينكن مفاوضات في الدوحة، أعلنت على إثرها الخارجية القطرية عن “تفاؤل حذر” بشأن احتمالات التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن من قطاع غزة.
وبحسب تسريبات في الصحافة الإسرائيلية، فإن إسرائيل وافقت على تقليص عدد الأسرى الفلسطينيين غير المؤهلين لعملية التبادل، وتتوقع إسرائيل زيادة عدد الرهائن الذين سيتم إطلاق سراحهم خلال المرحلة الأولى من الصفقة التي تستمر ستة أسابيع، وكان من المفترض في البداية أن يكون لإسرائيل حق النقض (الفيتو) على إطلاق سراح بعض السجناء الذين تعتبرهم خطرين بشكل خاص، ومن بينهم، على سبيل المثال، مروان البرغوثي وهو أحد قادة فتح، ولا يزال أكثر من 100 رهينة محتجزين لدى حماس. هناك آلاف الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
وعلى عكس جولات المفاوضات السابقة، خصص بنيامين نتنياهو هذه المرة صلاحيات أكبر بكثير لفريق التفاوض الإسرائيلي، ربما كان هذا عاملاً مساهماً في “التقدم الكبير” الذي تزعمه وسائل الإعلام الغربية، وفي الوقت نفسه، تقول حماس إن المسار التفاوضي لم يحل أياً من الخلافات المتبقية.
بالتالي، إن الاقتراح الجديد يلبي ويتوافق مع شروط نتنياهو، خاصة رفضه وقف إطلاق النار الدائم والانسحاب الكامل للقوات من قطاع غزة وإصراره على مواصلة احتلال محور نتساريم ومعبر رفح وممر فيلادلفيا، كما وضع شروطاً جديدة لتبادل الرهائن.
بدوره، قال البيت الأبيض إن المفاوضات المقبلة بشأن غزة بمشاركة كبار المسؤولين ستعقد في القاهرة قبل نهاية الأسبوع الجاري، وسيواصل الطرفان مناقشة الجوانب الفنية للصفقة.
الجوانب الإشكالية
قالت مصادر لـ«الأخبار» إن الوسطاء يرون أن جولة محادثات الدوحة «ساهمت في تضييق الفجوات بين الأطراف، لكن ذلك لا يضمن حتى الآن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار». وبحسب الصحيفة، قبلت القاهرة طلب إسرائيل بعدم تحديد جدول زمني لانسحاب القوات من فيلادلفيا ضمن الاتفاق النهائي، وفي الوقت نفسه، نفت صحيفة القاهرة نيوز المصرية مزاعم بأن القاهرة وافقت على وجود قوات إسرائيلية في ممر فيلادلفيا، ومن الواضح أنه خلال زيارة بلينكن لمصر، أصبحت فيلادلفيا أحد البنود الرئيسية على جدول الأعمال.
وعلى ما يبدو، تظل مسألة السيطرة على ممر فيلادلفيا إحدى العقبات الرئيسية أمام إبرام الصفقة، بالإضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل ليست مستعدة للموافقة على وقف دائم للقتال، وترغب في الاحتفاظ بحرية المناورة في حالة انتهاك الجانب الآخر للاتفاقات.
جدير بالذكر أنه في عام 2005، كانت إسرائيل تخطط بالفعل للاحتفاظ بالسيطرة على ممر فيلادلفيا، ثم توصلت القيادة العسكرية السياسية للبلاد إلى فهم لا لبس فيه بضرورة تسليمه إلى مصر بطريقة منظمة، لأن إسرائيل لن تكون قادرة على ذلك. إعلان انسحابها من غزة إذا احتفظت بالسيطرة على الحدود بين القطاع ومصر، الحجة الأخرى التي أجبرت سلطات البلاد على تسليم فيلادلفيا هي موقف الجيش، الذي حذر من أنه في سياق انسحاب القوات من غزة، فإن الوحدات الموجودة على هذا الخط الحدودي ستكون في خطر.
موضوع إشكالي آخر يظل هو وضع معبر رفح الواقع على الحدود بين مصر وقطاع غزة، وذكرت صحيفة العربي الجديد القطرية أن نتنياهو رفض من خلال وفده المفاوض في الدوحة الاقتراح الذي وافقت عليه مصر والولايات المتحدة، وكانت خطة القاهرة تقضي بنقل السيطرة على رفح إلى السلطة الفلسطينية مع ضمانات أمريكية بأن حماس لن تستخدم المعبر الحدودي لأغراض عسكرية. ويصر نتنياهو على مشاركة إسرائيل في السيطرة على الحاجز.
وهكذا، وعلى الرغم من «التفاؤل» الذي أبداه الوسطاء بشأن إمكانية تحقيق وقف إطلاق النار، إلا أن الفجوات لا تزال قائمة بين الأطراف المتحاربة، وتقول حماس إنها غير مهتمة بمفاوضات جديدة وستلتزم بنسخة يوليو من الاتفاق التي طرحها الرئيس الأمريكي جو بايدن.
بالتالي، لا يوجد سبب للاعتقاد بأن القيادة السياسية لحركة حماس، وعلى رأسها يحيى السنوار، خاصة بعد مقتل رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، ستتخلى عن التزاماتها بمواصلة المواجهة المسلحة.
ويتحدث المحللون عن تغيير في توجهات إسرائيل تجاه الصفقة مع حماس، لكن هذا ذو طبيعة تكتيكية وفنية، ويظل التركيز على الحل العسكري للمشكلة الفلسطينية هو المهيمن بين القيادة الإسرائيلية.
وهذا يجعل من غير المرجح أن تنجح عملية السلام التي بدأت في الدوحة، ومع ذلك، وعلى الرغم من معارضة حماس للصفقة في شكلها الحالي، فإن فشل المفاوضات أمر خطير للغاية، ويرجع ذلك إلى توقع الانتقام الإيراني لمقتل القائد العسكري لحركة حزب الله الشيعية اللبنانية فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، لكن يبدو أن السلطات الإيرانية، التي تدرك جيداً مخاطر نشوب حرب إقليمية، قررت تأجيل الانتقام من إسرائيل من أجل إعطاء فرصة لعملية السلام.