شكّل الغاز الطبيعي في السنوات الأخيرة، عاملاً أساسياً في تحديد الإتجاهات الرئيسية في سوق الطاقة العالمية، وتعتبر ألمانيا واحدة من البلدان الرائدة في أوروبا من حيث إستهلاك الطاقة، ولكنها اختارت الطرق التقليدية من إستخدام الطاقة خاصة في استخدام محطات الطاقة النووية، ومع ذلك هي مضطرة للبحث عن سبل من أجل تنويع إمدادات الوقود.
وفي نفس الوقت، فإن سياسة التنويع المستمرة للبحث عن الطاقة، تؤدي بالنتيجة إلى تفعيل الحوار مع روسيا بخصوص المسائل المتعلقة بالطاقة، وتحديداً دعم مشروع نورد ستريم 2 الذي يستهدف توفير الغاز بخط أنابيب، وبالتالي توفير التكاليف على الاقتصاد الألماني.
لكن من المهم أن نفهم أن الغاز الطبيعي المُسال (الأمريكي والشرق الأوسطي على حد سواء) لا يمكنه حتى الآن المنافسة مع خط أنابيب الغاز الروسي من حيث التكلفة. لذلك، إذا كانت تكلفة إنتاج الغاز الطبيعي في روسيا في المتوسط 20-22 دولار، فإن تكلفة نفس الغاز الطبيعي المُسال القطري تتجاوز 60 دولار. وبالتالي، يبدو أنه من غير المرجح الحديث عن منافسة كاملة بين الغاز الطبيعي المُسال وخط أنابيب الغاز، والحديث هنا ليس مقتصراً على خط الغاز الروسي.
عند النظر في هذه المسألة على المدى الطويل، من الملاحظ أن هناك زيادة في استهلاك الغاز الطبيعي المُسال في العالم من مستهلكي الطاقة الرئيسية وبشكل خاص جمهورية الصين، والذي سيؤدي حتماً إلى انخفاض في حصة أنابيب الغاز في السوق العالمي.
وتدرك السلطات الروسية هذا الأمر أيضاً، ففي النظرية الروسية لأمن الطاقة الذي تمت الموافقة عليه في أيار/مايو من العام 2019، الذي اعتبر أن تطوير سوق الغاز الطبيعي المُسال تحدياً رئيسياً. ويتم التعبير أيضا عن الوعي بهذا التحدي على المستوى التطبيقي، فالشحنات المتواضعة من الغاز الطبيعي المُسال الروسي تذهب بالفعل في الاتجاه الأوروبي (إسبانيا، بريطانيا العظمى)، مما يدل على أن موسكو تهدف إلى عدم الاستسلام والتخلي عن السوق الأوروبي.
في الوقت نفسه، عندما يتم النظر إلى الموضوع كلعبة جيوسياسية، يصبح من الواضح أن عمليات الشراء القادمة للغاز الطبيعي المُسال القطري من ألمانيا هي نتيجة لسياسة واشنطن في مجال الطاقة، والتي دعت قطر في الواقع إلى السوق الأوروبية وبذلك وعدت أمريكا لتوفير مصالح الطاقة القطرية في السوق الأوروبية مقابل الاستثمار في البنية التحتية الأمريكية.
وكما نعلم، في بداية عام 2019، وعدت الدوحة باستثمار ما يصل إلى 20 مليار دولار في قطاع النفط والغاز الأمريكي.
يتضح ذلك أيضاً من خلال تزامن سياسات الطاقة بين واشنطن والدوحة من خلال انسحاب قطر من منظمة أوبك، التي تعتبرها السلطات الأمريكية جزءا من “مؤامرة كارتل” التي تلحق الضرر بالاقتصاد الأمريكي. حيث يتمثل الموقف الرسمي للدوحة في أن الانسحاب من المنظمة يرجع إلى خططها في التركيز على تطوير إنتاج الغاز الطبيعي المُسال، والذي تتمتع فيه قطر بمزايا تنافسية واضحة.
وفي المقابل، لا يمكن للغاز الطبيعي المُسال الأمريكي أن يكون جذاباً تجارياً للمشترين الأوروبيين إلا إذا تم تسعير الإغراق، الذي طبق بشكل خاص على بولندا. ومع ذلك، يبدو الإغراق في السوق الأوروبية بأكملها غير عملي من الناحية الاقتصادية، خاصه وأن موردي الغاز الطبيعي المُسال الأمريكي هم شركات خاصة، وليسوا دائماً على استعداد للمشاركة في اللعبة الجيوسياسية ويفضلون بيع منتجاتهم بالسوق المحلية بشكل حيوي.
وإدراكاً منها للمشاكل التجارية المتمثلة في زيادة حصة الغاز الطبيعي المُسال في السوق الأوروبية، ستواصل الولايات المتحدة دعم قطر للتأثير على الإمدادات الروسية من الغاز للسوق الأوروبية.
خاص وكالة “رياليست” – فاجي دافتيان -مدير معهد أمن الطاقة في أرمينيا و أستاذ مساعد في العلوم السياسية في الجامعة الروسية الأرمنية (السلافية)