موسكو – (رياليست عربي): تتواصل النقاشات حول إمكانية بناء قاعدة عسكرية روسية في إفريقيا، حيث أعلن السودان مراجعة الاتفاقية مع روسيا، ربما تحت ضغط من الولايات المتحدة، ومع ذلك، فإن روسيا مصممة أيضاً على امتلاك قاعدة عسكرية على شواطئ البحر الأحمر.
وتتنقل وفود حكومية بين موسكو والخرطوم والمحادثات بين الجانبين جيدة، لكن لماذا بشكل عام تريد روسيا بناء قاعدة عسكرية بعيدة عنها؟ ولماذا في السودان تحديداً؟ تريد روسيا تسمية المنشأة العسكرية المزمع بناؤها في السودان بـ “المركز اللوجستي للبحرية الروسية” في مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر.
القاعدة ستكون مجهزة بأرصفة لأربع سفن، ولروسيا الحق في استيراد الذخيرة والأسلحة والمعدات إلى أراضيها. لكن، ما هي هذه القاعدة من وجهة النظر العسكرية؟
بداية، إن تواجد روسيا في البحر الأحمر كافٍ لحل أي مشكلة تتطلب استخدام القوة، رغم أن عدد الجنود الذين من المفروض تواجدهم يقدر بـ 300 جندي، ولكن هذه القاعدة نفسها هي بوابة بحرية يمكن من خلالها إجراء كل ما هو ضروري، سواء من خلال مشاة البحرية أم الوحدات القتالية اكبيرة، بما في ذلك فوج البرمائيات، إلى جانب أهمية السفن تم بناؤها في “كيرتش، التي تضم كتيبة هبوط وطائرات هليكوبتر وطائرات بدون طيار على كل منها.
لكن الحديث اليوم يتمحور حول القدرة – في حال الضرورة – على القضاء على أي تهديد من العدو، لقد تم اختيار السودان هنا في المقام الأول لأسباب جغرافية. نظراً للموقع الحيوي، إذ ان لموسكو أهداف أخرى، فالقاعدة البحرية مجرد بوابة، خاصة وأن للسودان حدوداً برية مع عدة دول في وقت واحد، فهي مدخل مباشر إلى مصر (بريّاً وبحريّاً)، ومصر سوق ضخم بالنسبة لروسيا من المنتجات الزراعية إلى محطة الطاقة النووية التي تُبنى فيها عبر شركة “روسا توم الحكومية لطاقة النووية”، إلى جانب معاناة مصر بين الفينة والأخرى من الحركات الإرهابية الداخلية، وهذا من ناحية.
من ناحية أخرى، يتمتع السودان بإمكانية الوصول المباشر إلى جمهورية إفريقيا الوسطى، الأمر الذي يفتح باباً واسعاً للمصالح التجارية الروسية هناك، إذ تحتفظ الحكومة الروسية هناك بمجموعة من المتخصصين والمدربين العسكريين.
السودان أيضاً له حدود برية مع ليبيا، وتكمن المصلحة الروسية هنا (اقتصادياً وسياسياً وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بعمل شركات النفط)، وبالنظر إلى حيث تؤدي الممرات المائية، فإن البحر الأحمر هو “طريق” لا يمكن أن تمر به أي سفينة تبحر على طول قناة السويس، والقاعدة في بورتسودان لا تختلف كثيراً في المعنى عن القاعدة على ضفة القناة، حيث يمر عدد لا يصدق من سفن الشحن من جميع القوى عبر هذا الشريان، حيث من المفترض تواجد السفن الروسية، التي ستؤدي دور ضمانة سلامة السفن التجارية عبر القناة.
زد على ذلك أنه في الجزء الغربي من المحيط الهندي، هناك العديد من البلدان ذات القوات البحرية الضعيفة والبلدان غير القادرة على المقاومة بشكل فعال لتهديدات القراصنة والإرهابيين والمافيا، وهذا بدوره يفتح الطريق أمام النفوذ الروسي أيضاً، وبشكل خاص أن المحيط الهندي هو الذي قدم أكبر نمو للاقتصاد في الشحن التجاري العالمي في السنوات الأخيرة.
هذه المعطيات ليست لإظهار القوة، بل هذه فرص للدفاع عن قضايا مهمة في أجزاء مختلفة من العالم. بالنسبة لروسيا، المنغلقة في البحار الباردة، تعتبر سلامة التجارة في البحر قضية استراتيجية، وهنا تتبع روسيا الاتحادية المبادئ التي أدركها بطرس الأكبر.
ومع الحد الأدنى من النفقات، يمكن لروسيا أن تفتح طريقها إلى منطقة واعدة للغاية، منطقة مهمة على الصعيدين السياسي والاقتصادي والعسكري.