لقد أثبت الواقع العملي للنظام العالمي القديم والذي قام اّخره على انقاض الحرب العالمية الثانية وقبله ايضاً كان النظام العالمي القديم الذي انتفض على نفسه وتوج نهايته بحرب عالمية وضعت أسساً جديدة لعالم لم يدم اكثر من عقدين ونيف من الزمن , فنتائج الحرب العالمية الاولى التي قضت على نظام اقتصادي وسياسي استمر لقرون ولم يعد بإستطاعته تلبية الحاجات الاساسية للثورة الصناعية ولم تكن وقتها الديموقراطية الامريكية الا مطلباً عالمياً لإعادة رسم الخرائط السياسية والجغرافية والاقتصادية في العالم الذي ولد بعد الحرب العالمية الاولى.
فظهرت خرائط جغرافية جديدة أهمها انهيار الامبراطورية العثمانية والتي سيطرت على العالم العربي لفترة تزيد عن الأربعة قرون لتحل محلها اتفاقيات سياسية أهمها خطوط سايكس بيكو في منطقتنا العربية واندثار الامبراطورية العثمانية وتقلصها لما هي جغرافيتها اليوم , لتبدأ النهضة الاقتصادية والثورة الصناعية التي سرعان ما واجهت صعوبات في ثلاثينيات القرن الماضي وأثمرت عن أزمة اقتصادية عالمية وركود اقتصادي عالمي كان الممهد الحقيقي لنشوء الشركات العابرة للقارات والمسماة بالسينديكات والتي لم تستطيع الهيمنة والسيطرة المطلقة على اقتصاديات العالم فكانت صراعاتها هي الممهد الجديد للحرب العالمية الثانية والتي رسمت خرائط سياسية وجغرافية واقتصادية جديدة وقسّمت العالم الى ثلاثة اقسام اشتراكية ورأسمالية ودول عدم الانحياز.
وبدأت دول العالم الثالث تحديداً تخرج من تحت الاستعمار الجديد ونالت الدولة تلو الأخرى استقلالها عن المستعمر الجديد وفي مقدمتهم الاستعمار الفرنسي والانكليزي اللذان تقاسما الامبراطورية العثمانية وساعدا بإنشاء دولة اسرائيل في قلب العالم العربي الغني بالموارد الطبيعية والمصدر الرئيس للطاقة في العالم , وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ظهر بالفعل عالماً جديداً اقتصادياً وسياسياً وجغرافياً تحكم توازناته في مختلف تفرعاته قوتين أساسيتين الأول تزعمته الولايات المتحدة الامريكية ودول حلف الناتو والثانية الاتحاد السوفيتي ودول حلف وارسو وكان بينهما سباقاً للتسلح عابر للقارات وحرباً باردة أدت في نهاية المطاف للحفاظ على السلم والأمن الدوليين حتى لحظة انهيار الاتحاد السوفيتي ومعه حلف وارسو لتبدأ مرحلة جديدة من النظام العالمي الجديد الذي تربعت وبشكل مطلق على عرشه الولايات المتحدة الامريكية.
وقادت من خلاله مختلف الانقلابات على الانظمة السياسية الاشتراكية وخاصة في دول الاتحاد السوفيتي السابق ودول حلف وراسو وضمت أغلبها الى دول الناتو اي إلى نظامها السياسي العالمي الجديد اضافة الى فرضهم كأمر واقعي واقحامهم في نظام اقتصادي انشأته ليكون الاطار الذي يلبي رغباتها في السيطرة على اقتصاديات القارة العجوز وبشكل خاص نجاحها في فرض العملة الاوربية الموحدة التي تسهل كثيراً على الولايات المتحدة الامريكية عملية التحكم المالي باقتصاد الاتحاد الاوربي , ولم تكتف الولايات المتحدة الامريكية بهذه الانجازات بل ذهبت أبعد من ذلك بكثير في محاولاتها المتكررة لتقسيم الاتحاد الروسي وخنقها اقتصادياً وغزوها اعلامياً وافتعال حرب الشيشان الاولى والثانية ولم تكن تضع في حسبانها بان الفشل سيكون حليفها الوحيد هنا بالرغم من بذل اقصى الجهود لإنجاح هذه المعجزة من وجهة نظرها.
ولم تتوقع ان يحكم روسيا رجلاً قوياً وله خلفيات سياسية واستخباراتية يستطيع من خلالها قراءة وتحليل وتفكيك المؤامرات التي تحاك ضد بلده الذي عان الأمرين وقدم اكثر من 30 مليون ضحية في سبيل خلاص العالم من النازية وساهمت بلاده في انشاء النظام العالمي السياسي والاقتصادي الجديد والذي قام على أنقاض القضاء على النازية وتخويل الولايات المتحدة الامريكية لتلعب دور المهيمن السياسي والاقتصادي في العالم وخاصة القبول بإنشاء ما يسمى بالأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي واقرار ان تكون أراضي الولايات المتحدة الامريكية مركزاً اساسياً للأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي ليكون المسؤول الاول والاخير عن الحفاظ على الامن والسلم الدوليين في العالم أسره.
ولكن يبدو ان تجربة الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية اخذت تكرر نفسها في مطلع الألفية الثانية وخاصة بعد ان استفردت الولايات المتحدة الامريكية بقيادة العالم ونصّبت نفسها شرطياً للعالم وضربت بعرض الحائط كل القرارات والإتفاقيات الدولية التي تعهدت بها ابان انتهاء الحرب العالمية الثانية وأخذت على عاتقها خصخصت مجلس الامن الدولي وجميع هيئات الامم المتحدة لتصبح قراراتها حكراً على تنفيذ مصالح الولايات المتحدة الامريكية وضمان تعزيز قوتها وانتشارها وبغطاء قانوني عبر قرارات صادرة عن مجلس الامن الدولي.
هذه القرارات الاممية سمحت للوحش الامريكي بافتراس اية دولة في العالم تحت شعار الحفاظ على السلم والأمن الدوليين , واللافت هنا للنظر ان الولايات المتحدة الامريكية كانت وخلال كل هذه الفترة لا تأخذ بالحسبان التنين النائم ” الصين ” لأنها كانت على ثقة تامة بان الصين لن تستطيع فعل اي أمر مخالف للتوجهات الامريكية بشكل مفرد ومستقل في ظل غياب الدور الروسي وهيمنة وسيطرة حلفاء الولايات المتحدة على قرارات مجلس الامن الدولي ” فرنسا و بريطانيا ” وكذلك ثقتها المطلقة بان اقتصاد الصين برمته يتوقف بشكل اساسي على ارتباطه المباشر بأسواق الولايات المتحدة الامريكية وهي بلد المليار ونصف نسمة وجميعهم بحاجة الى تأمين لوازم العيش على اقل تقدير .
ولم تأخذ الولايات المتحدة على الاطلاق في حساباتها ان تعود روسيا الى الساحة الدولية وبثقل كبير وامكانيات ضخمة وتقف والى جانبها الصين لتقول للنظام الاقتصادي والسياسي الجديد الذي فرضته الولايات المتحدة على العالم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ولم يخطر ببالها على الاطلاق بان روسيا والصين ستقف عائقاً اساسياً في وجهها وفي مجلس الامن الدولي لتعرقل عملية نشر ” الديموقراطية الامريكية ” في مختلف اصقاع العالم فتم استخدام حق النقض الفيتو من قبل روسيا والصين وفي اكثر من مناسبة ضد قرارات تقدمها الولايات المتحدة او احد حلفائها او عبر اتباعها في مجلس الامن الدولي والتي اجهضت من خلالها الاندفاعة الامريكية لمتابعة انقضاضها وبسط سيطرتها على مختلف دول العالم وبخاصة بعد ان فرضت نوعاً جديداً من الاستثمارات السياسية والاقتصادية تحت عنوان نشر الارهاب على اراضي تلك الدول التي ترغب في فرض هيمنتها السياسية والاقتصادية عليها ففشلت في ذلك على الرغم من زج كل امكانياتها الاعلامية والعسكرية والاستخباراتية للوصول الى الهدف المنشود .
لتظهر علينا اليوم الولايات المتحدة الامريكية بإفراز نوع جديد من اللعبة السياسية وشكل جديد من الإرهاب الذي اصبح السمة الرئيسة للسياسات الامريكية والمعروف بالإرهاب البيولوجي بعد ان فشلت في إستغلال الارهاب العسكري والاقتصادي والدبلوماسي , لتطل على العالم بهذا الارهاب عبر ما يسمى بفيروس كورونا القاتل والعابر للقارات عبر الدول التي تعتبر عائقاً اساسياً امام فرض السياسات الامريكية ونشر الديموقراطية الامريكية انطلاقاً من الصين الى ايران والاتحاد الاوربي على الرغم من انه يعتبر على اقل تقدير حليفاً نظرياً لها ومطيعاً لتنفيذ تعاليمها , ومرة اخرى لم تأخذ الولايات المتحدة الامريكية بعين الاعتبار امكانية ارتداد هذا الفيروس عليها واظهرت فشلها الى هذه اللحظة في امكانية استيعاب هذا الفيروس والسيطرة عليه واحتوائه ونتائجه السلبية على اقتصادها وصحة مواطنيها وعدم استعداد المؤسسات الطبية لديها في معالجة هذا الفيروس , فكشفت عورتها وعورت النظام العالمي الذي فرضته بحكم الاأمر الواقع وغياب الضامن والمساعد وحتى المنافس , ففشلت في جميع الاتجاهات سواء كانت السياسية او الاقتصادية او الصحية وحتى الانسانية ولم ترغب او حتى لم تستطيع تقديم المساعدات والمعونات ليس فقط لحلفائها وتابعيها بل حتى في الداخل الامريكي نفسه الامر الذي سبب حالات من الذعر والدهشة والاحباط والانقسامات الداخلية الامريكية حتى ان الامر اخذ بالاتجاه نحو التحضير لحرب اهلية داخلية امريكية بعد التهافت على شراء الاسلحة من قبل المواطنين الامريكيين انفسهم على الرغم من العدد الكبير للغاية في نسبة حيازة الاسلحة في الداخل الامريكي .
نعم لقد فشلت الولايات المتحدة في إنجاب نظام عالمي جديد اقتصادي وسياسي وكل المؤشرات تدل على ان أمراً مهماً للغاية سيظهر في القريب العاجل كنتيجة للحرب البيولوجية الهدامة التي فرضتها الولايات المتحدة الامريكية على اغلب دول العالم فإما ان يتطور الامر اذا ذهبت الولايات المتحدة الامريكية بحماقاتها السياسية والاقتصادية والسير هنا فيها لن يكون على حافة الهاوية بل الى الهاوية نفسها لتتطور وتصبح حرباً تقضي فيها على الأخضر واليابس وتنهي من خلالها البشرية وتعلن قيام الساعة فيها او انها ستعود الى رشدها وتحاول التحدث الى الاخرين لإيجاد حلول وسط ونظام عالمي جديد اقتصادي وسياسي وفي كلا الحالتين فان الامبراطورية الامريكية سقطت مع فيروس كورونا في الهاوية وكأن هذا الفيروس يخاطب الولايات المتحدة الامريكية بالقول …… كورونا يريد اسقاط النظام !!!!!
خاص وكالة “رياليست” – الدكتور فائز حوالة