في منتصف الشهر الحالي، توجه رئيس الوزراء العراقي “مصطفى الكاظمي” في زيارة رسمية لتركيا على رأس وفد وزاري رفيع أجرى خلالها مباحثات مع مسؤولين أتراك على رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث تمت مناقشة عدة قضايا من أبرزها ملف حزب العمال الكردستاني وملف المياه وملفات اقتصادية أخرى.
وقال الرئيس أردوغان “لقد اتفقنا على مواصلة كفاحنا ضد أعدائنا المشتركين، داعش وحزب العمال الكردستاني ومنظمة غولن الإرهابية”، مشدداً على أن “لا مكان للإرهاب الإنفصالي في تركيا أو العراق أو سوريا. لن تجد منطقتنا السلام حتى يتم القضاء على الإرهاب”.
واتفق البلدان أيضاً على مواصلة العمل على خطة عمل اقترحتها تركيا موجهة نحو “الاستخدام الفعال” لمياه نهر دجلة، بعد بناء تركيا لسد إليسو في جنوب شرق البلاد.
لماذا قررت أنقرة دعوة الكاظمي لزيارتها في هذا التوقيت؟
من الواضح أن الوضع في المنطقة أصبح أكثر تعقيداً، خاصة بالنسبة لتركيا والتي تحاول أن تفتح أكثر من جبهة في نفس التوقيت وظهر ذلك في ليبيا بالإضافة لتدخلها في جنوب القوقاز ودورها في نزاع ناغورنو قره باغ، بالإضافة للتواجد في سوريا، وتوغلها في الشمال العراقي، جعل عليها ضغطاً كبيراً من أجل الموازنة بين مصالحها في كل جبهة على حدا.
بالنسبة للعراق، تدرك أنقرة تماماً خطورة أي استقطاب إقليمي أو دولي للعراق، وهو ما قد يسبب ضرر مباشر للمصالح التركية، ما قد يعطي فرصة لخصوم أنقرة بالإقتراب من حدودها بشكل غير مباشر، فأتت تلك الدعوة التركية في أعقاب زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبغداد، في ظل الخلاف القائم بين أنقرة وباريس حول التدخلات التركية السافرة في البحر المتوسط والتصريحات والإتهامات المتبادلة من الجانبين.
سياسة الكاظمي التي تسعى لإحداث توازن في علاقات العراق الخارجية تقلق أنقرة، خاصة مع التقارب الملحوظ بين العراق ومصر أحد أبرز خصوم تركيا في المنطقة، بعد تدشين الإتفاقيات الثلاثية بين مصر والعراق والأردن، وهو ما يعرف بمشروع الشام الجديد، حيث أن العراق ايضاً من أكبر الأسواق الإستهلاكية للمنتجات التركية، وأنقرة بكل تأكيد لا تريد أن تخسر السوق العراقي.
هل ستسهم المفاوضات الأخيرة في حل المشاكل العالقة بين البلدين؟
تتركز النقاط الخلافية بين الجانبين على نقطتين رئيسيتين:
أولاً، التدخل العسكري التركي في شمال العراق: من الواضح أن اللغة التي تحدث بها الرئيس أردوغان لا توحي بأي تراجع قريب عن سياسات أنقرة الحالية، فهو لايزال يؤكد على ذريعة التدخل للحفاظ على أمن تركيا القومي، والمتمثل في الحفاظ على البلاد من خطر حزب العمال الكردستاني.
وترجع المماطلة التركية، لعدم قدرة بغداد على السيطرة على الشمال العراقي حتى بعد خروج عناصر داعش، إضافة للسلطة المركزية الهشة في بغداد التي يحجم عملها الميليشيات الولائية المتواجدة بالبلاد، فالحكومة العراقية على أقل تقدير لم تقم بتصعيد المشكلة لمجلس الأمن الدولي، خاصة وأن التواجد والقصف التركي المستمر لمواقع عديدة في شمال العراق هو بلا شك إنتهاك صريح للسيادة العراقية.
ثانياً، قضية الأمن المائي: تعد أبرز الملفات التي تناولها الكاظمي في زيارته لأنقرة، نظراً لما يشكله هذا الملف من خطر كبير على العراق، فتركيا قامت ببناء السدود على نهر دجلة وأبرزهم سد إليسو والذي يقع على الحدود العراقية – التركية، وانتهت أنقرة من ملئه في عام 2018، وفي الآونة الأخيرة كانت هناك مطالب عراقية عديدة بالتوقيع على بروتوكول مائي مع تركيا يضمن حصة العراق السنوية من المياه، لكن الرئيس أردوغان رغم ذلك يسعى لإستخدام هذه القضية كورقة ضغط على الحكومة العراقية، فهو يريد أن يحصل على النفط مقابل الماء، ما يعني أن أنقرة ستحاول أن تتوصل لإتفاق مع بغداد من أجل الحصول على النفط بأسعار أقل من السعر العالمي، في مقابل ذلك التوصل لحل فيما يخص أزمة المياه.
ولعل تصعيد أنقرة الأخير بإعلانها منذ أيام تشغيل سد إليسو بطاقته القصوى ضمن مشروع غاب الكبير، هو أكبر دليل على فشل المفاوضات التي تخللت الزيارة الأخيرة للكاظمي لأنقرة، وهو ما قد ينتج عنه فقدان العراق لـ 40% من أراضيه الزراعية.
فريق عمل “رياليست”.