دمشق – (رياليست عربي): أولاً: زيارة رئيس المرحلة الانتقالية السورية المؤقتة أحمد الشرع إلى دولة الإمارات للمرة الأولى منذ سقوط نظام الأسد المخلوع في 08 كانون الأول/ ديسمبر الماضي 2024 بُعيد مشاركة وزير الخارجية في الحكومة السورية الانتقالية أسعد الشيباني في القمة العالمية الحكومات بدبي في 11 شباط / فبراير الماضي 2025 هي خطوة غير مسبوقة وتوجه سوري – إماراتي لقراءة الواقع الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط بطريقة أكثر واقعية وبراغماتية.
ثانياً: سياسة دولة الإمارات في منطقة الشرق الأوسط سياسة محورية وأساسية، فهي منغمسة بشكل كبير في النظام الدولي وتسعى لتحقيق أكبر قدر من المكاسب التي تحافظ من خلالها على مصالحها الاستراتيجية وأمنها القومي في ظل حالة التنافس السياسي والاقتصادي الشديدين على النفوذ بينها وبين لاعبين إقليميين مختلفين في منطقة الشرق الأوسط لا سيما قطر وتركيا والمملكة العربية السعودية.
ثالثاً: دولة الإمارات قد تلعب دوراً استراتيجيا يؤدي إلى فتح قنوات تواصل دبلوماسية بين الإدارة السورية الجديدة وإسرائيل، وإحياء عملية السلام السورية الإسرائيلية المجمدة منذ المفاوضات السورية الإسرائيلية غير المباشرة التي كانت برعاية تركية ومباركة فرنسية عام 2008.
فما إن يجلس المسؤولون السوريون الجدد على طاولة مستديرة مع الإسرائيليين حتى تكون دمشق قد أصبحت أكثر قرباً قبل أي وقت مضى من الانخراط في الاتفاقيات الإبراهيمية التي كانت دولة الإمارات عرابة لها؛ والوصول إلى نتيجة جوهرية وهي القبول بتطبيق صفقة القرن أو مبدأ حل الدولتين أو المبادرة العربية للسلام لعام 2002 أو أي صيغة سياسية أخرى، تساهم في إنهاء الصراع والتصعيد العسكري في منطقة الشرق الأوسط منذ حرب 07 عشرين الأول/ أكتوبر عام 2023 بطريقة أكثر براغماتية ومنفعية وبعيداً عن الثوابت الإيديولوجية أو المواقف المبدئية المسبقة.
رابعاً: دولة الإمارات تسعى لأن تكون رائدة إعادة الاعمار في سوريا من خلال المساهمة بعودة الشركات الاستثمارية إلى دمشق لتحقيق الانتعاش الاقتصادي بعد تضخم خانق فرض واقع سياسي سيء على سوريا بعد سقوط نظام الأسد المخلوع.
الخطوات الاقتصادية التي قد تمضي بها دولة الإمارات ربما تساهم بطريقة أو بأخرى في تخفيف تداعيات العقوبات الاقتصادية الأمريكية على سوريا؛ بل إن أبدت الإدارة السورية الجديدة مرونة تجاه الشروط الأمريكية للانتقال السياسي ربما يكون الدفع نحو الانتعاش الاقتصادي أسرع مما يتصور البعض؛ والكرة الآن في ملعب الحكومة السورية الانتقالية للإمساك بزمام المبادرة وإبداء ديناميكية ومرونة تؤدي إلى إعادة تفعيل (مجلس رجال الأعمال السوري الإماراتي).
خامساً: دولة الإمارات تسعى لتحقيق مكاسب اقتصادية في شرق المتوسّط وقامت يتعزيز علاقاتها مع قبرص ومصر واليونان وإسرائيل وتركيا، وترى أن موقع سوريا الجيوسياسي على درجة كبيرة من الأهمية في معادلة التنافس الاقتصادي الإقليمية بل ربما يكون لها الدور الأكبر مع المملكة العربية السعودية في إحياء طريق التنمية من سوريا إلى أوروبا إن تم تطبيق الشروط الأمريكية المطلوبة من الإدارة السورية الجديدة.
إذ يكفي أن نعلم أنه حتى عام 2022 شكلت حصة دولة الإمارات من تجارة سوريا الخارجية ما نسبته 14%، وتم الكشف عن حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين خلال النصف الأول من عام 2021 بنحو مليار درهم أي (أكثر من 272 مليون دولار).
ناهيك عن كون الإمارات السباقة لإرسال جسر جوي وبري محمل بمئات الأطنان من المساعدات الإنسانية الى سوريا للمساهمة في محاربة تفشي جائحة فيروس كورونا كوفيد-19 ما بين عامي 2019-2022؛ ولعب الهلال الأحمر الإماراتي دوراً جباراً خلال عملية (الفارس الشهم 2) بتخفيف حدة المعاناة الانسانية عن المنكوبين جراء الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا في 06 شباط / فبراير عام 2023.
الأيام القادمة حافلة بالتطورات الدراماتيكية وربما نشهد تحولات جذرية في منطقة الشرق الأوسط، وسوف يكون هناك وضع للنقاط على الحروف وتأسيس لسياسة خارجية وداخلية سورية منسجمة إلى حد كبير مع مصالح كافة القوى والأطراف الدولية والإقليمية وكل ذلك مرتبط بمدى جدية رئيس المرحلة الانتقالية السورية المؤقتة أحمد الشرع (الجولاني) في ترجمة أقواله إلى أفعال والاستجابة للشروط الأمريكية بحذافيرها.
خاص وكالة رياليست – د. ياسين العلي – باحث اقتصادي وناشط سياسي – سوريا.