ليست فرنسا بأفضل حالًا من الدول الأخرى التى تواجه عدوا خفيًا يطلق عليه فيروس كورونا و أيا كان سبب إطلاق هذا الفيروس أو مكان إنطلاقه أو الجهة المسئولة عن إطلاقه فإنه أصبح حقيقة واقعة وضعت كل مقدرات الدولة الفرنسية تحت الحصار الخانق لسيروره حياة البشئ و الإقتصاد .
إتخذت الدولة الفرنسية إجراءات تدريجية بدأت بتحديد اوقات لحظر التحرك الجزئى ثم إنتقلت إلى فرض حالة الحجر المنزلى لمده 14 يوما و إغلاق كافه المطاعم و المقاهى و المراكز التجارية و تخفيض عدد العاملين فى منشآت الدولة و قطاعات البريد و البنوك و منع التجمعات نهائيا و إيقاف كافه الأنشطة الثقافية و الرياضية مع فرض غرامة تبدأ من 38 يورو إلى 135 يورو للمخالفين و إيقاف رحلات الطيران مع العالم الخارجى لمده شهر تمشيا مع قرار الإتحاد الأوروبي و الذى أعلن على لسان الرئيس الفرنسى قبل 24 ساعة من صدوره رسميا .
ثم إنتقلت فرنسا إلى تقييد الحركة بإصدار وثيقة يكتبها من يرغب بالخروج من منزله و يوضح أسباب ذلك و وجهته و ينطبق ذلك على من يعملون فى مؤسسات تجارية خدمية مثل من هم فى الصيدليات و السوبر ماركت و الخدمات العامة الصحية و النقل العام .ثم تم تقييد الحركة الداخلية بين المدن الفرنسية إلا لظروف قاهرة توجب السفر.
ثم أصدر البرلمان الفرنسي وثيقة تفوض رئيس الوزراء إدوارد فيليب بفرض إجراءات تصعيدية بأن تبدأ الغرامة للمخالفين من 1500 يورو إلى 3700 يورو ثم السجن للمخالفين بعد المخالفة الرابعة كما فوضه البرلمان أيضا فى فرض حالة الحجر الصحى لمده شهرين و إتخاذ ما يراه مناسبا لمجابهه هذه المخاطر الوبائية.
جدير بالذكر أن الحكومة الفرنسية أقرت منذ بداية الأزمة مبلغ 300 مليار يورو لمجابهة الأزمة و تداعياتها و لتخفيف أعباء هذه التداعيات عن المواطنين و دعمهم ماليا حيث قررت ان من سيأخذ إجازة إجبارية سيحصل على 80% من دخله بدون عمل و كذلك ستدعم أصحاب الدخول الضعيفة فى سداد الإيجارات الشهرية الخاصة بمساكنهم و كذلك فواتير المياه و الكهرباء و الغاز .. كما تقوم حاليا بصرف مبالغ إضافية تحفيزا لمن يعملون فى الخدمات العامة و سط المخاطر.
أما عن إستعدات القطاع الطبى لمحابهه مخاطر الأزمة الوبائية فهو رغم تميزه الدائم فعليا فى الأيام العادية إلا إنه الآن تحت ضغط مميت غير طبيعى بسبب أعداد الإصابات المتصاعدة و تصاعد عدد الوفيات و إصابة عدد من العاملين به بالفيروس نتيجة مخالطة المرضى و وفاة عدد من الأطباء مؤخرا متأثرين بالإصابة بالفيروس.
مما إستدعى تدخل القطاع الطبى للجيش الوطنى الفرنسى تدخلا عاجلا بما يملكه من إمكانيات طبية كبيرة و بدأ بإستقبال الحالات فى المستشفيات العسكرية كما أيضا توجه لإنشاء عدد كبير من المستشفيات الميدانية و يقوم بتجهيزها بكافه المعدات و المستلزمات الطبية و الكوادر الطبية العسكرية. كما يستخدم الجيش الفرنسي الطائرات الطبية فى نقل الحالات الخطرة و تقديم الدعم اللوجستيى 24/24. و يتم تقديم دورات طبية للمساعديين الطبيين فى المعهد الطبى فى تولوز لمده أسبوع لتأهيلهم للعمل و التعامل مع مواجهة هذه الأزمة الوبائية و تخرجت الدفعة الأولى أمس بعدد 1500 شخص.
كما تم تجهيز أعداد كبيرة من سيارات الإسعاف المجهزة للتعامل و نقل مزيدا من الإصابات الحالية و المحتملة و أيضا تم تجهيز عربات سكك حديدية تجهيزا طبيا عاليا لإستخدامها بين المدن الفرنسية . يأتى كل هذا وسط تصريحات للمسئولين الفرنسيين بصورة عامة و القطاع الطبى بصورة خاصة أن معدلات الإصابة فى تزايد مستمر مما يسبب حالة من الإرباك الكبير للدولة بكاملها . لم يعلن حتى الآن عن كفاءة قطاع الترصد و المراقبة الفرنسى للفيروسات و الأوبئة لأن قوته فى هذه الحالة هى قوة للقطاع الطبى و تدعمه بكشف و محاصرة الحالات المخالطة لمن أصيبوا بالفيروس أو المشتبه بإصابتهم به .
محمد الألفي- خبير في العلاقات الدولية، خاص لوكالة أنباء “رياليست”