باريس – (رياليست عربي): بعد انهاء إنتخابات الرئاسة الفرنسية، بفوز الرئيس إيمانويل ماكرون لفترة رئاسية جديدة لمدة خمسة اعوام، تبدأ من مايو/ أيار 2022 وتنتهي في عام 2027، وبنسبة أصوات بلغت 58% مقابل نسبة 42% حصلت علية منافسته على مقعد الرئاسة زعيمة حزب التجمع الوطني (أقصى اليمين)، مارين لوبان.
وهو الأمر الذي حدث بالفعل، وكما جاء في تحليلنا في آخر مقالة لنا يوم 22 أبريل/ نيسان الماضي، وقبل أسبوعين من الجولة الثانية، والتي أجريت في يوم 24 من ذات الشهر، والتي حملت عنوان “رؤية تحليلية:الانتخابات الفرنسية 2022 تكرار لانتخابات 2017″، حيث توقعنا فوز ماكرون بنسبة 56-58% وأن منافسته لن تحصد نسبة اصوات تزيد عن 46% على أقصى تقدير.
وبتحليل نتائج المرحلة الأولى والثانية، يتضح أن ماكرون حصل في المرحلة الأولى على نسبة 27%.
وفي المرحلة الثانية حصل على نسبة 58%، أي بنسبة زيادة بلغت 31%، أي أن ماكرون عزز فورة بنسبة أصوات أكثر من التي حصل عليها في المرحلة الأول، بينما منافسته مارين لوبان حصلت في المرحلة الثانية على نسبة بلغت 42%، أي أنها في المرحلة الثانية حصلت على نسبة أصوات بالزيادة عما حصلت عليه في المرحلة الأولى بلغت 19%، أي أنها حصلت على نسبة أصوات 38% من إجمالي أصوات المعارضين والمنافسين الآخرين بالمرحلة الأولى، بينما حصل ماكرون على نسبة أصوات بلغت 62% من إجمالي أصوات المنافسين الآخرين بالمرحلة الأولى.
ماكرون.. الفترة الثانية أثقل من الأولى
لا أحد ينكر أن إيمانويل ماكرون، وخلال الفترة الأولى من حكمه قد واجه ظروف استثنائية وصعبة للغاية، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي، وواجه معارضة شرسة بخلاف الإضرابات والاحتجاجات والمظاهرات المتواصلة والمستمرة، والتي بلغت أقصى درجات العنف، بين المتظاهرين (خاصة أصحاب السترات الصفراء) وقوات الشرطة الفرنسية، وصل الأمر إلى درجة إرسال بعض عدد من جنرالات الجيش الفرنسي عريضة انتقاد وتهديد لقصر الإليزيه، احتجاجاً على الأوضاع التي وصل إليها الشارع الفرنسي، والتي وصفتها وزيرة الدفاع الفرنسية أنها محاولة انقلاب على الشرعية والحكم وماكرون، وقضايا حرية الرأي والتعبير، ومبادئ الجمهورية والديموقراطية، وظاهرة الإسلاموفوبيا، وعلمانية الدولة الفرنسية، والهجرة غير الشرعية، والإقامة والعمل وحقوق أصحاب الأعمال والعمال، ومكافحة الإرهاب والتطرف والعنف، والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها المهاجرين والطبقات الاجتماعية الفقيرة ساكني الأحياء والفقيرة، والبطالة، والضمان الاجتماعي.
أما على صعيد العلاقات الخارجية، فقد عانت فرنسا من صدمات قوية تمثلت في انسحاب أمريكا من اتفاقية باريس للمناخ والاتفاق مع إيران، جائحة كورونا والإغلاق الكامل لجميع أنشطة الحياة، ثم مشكلة إلغاء صفقة الغواصات مع أستراليا، وتصدع العلاقات مع أمريكا وبريطانيا، ودخول اتفاقية البريكست حيز التنفيذ، وتهدور العلاقات الفرنسية مع عدد من المستعمرات الفرنسية السابقة في أفريقيا (مالي/ تشاد/ رواندا/ بروندي)، ناهيك عن توتر العلاقات مع بعض أعضاء حلف الإتحاد الأوروبي والناتو ومجموعة العشرين، (بريطانيا، إيطاليا، تركيا، البرازيل)، وخاصة الجزائر، ثم جاءت اللطمة الكبرى بالحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا، وتداعياتها على مصادر الطاقة والغذاء والتجارة الدولية، والعقوبات المالية والاقتصادية.
توقعات الفترة الرئاسية الثانية
من المؤكد أن الفترة الرئاسية الثانية، للرئيس إيمانويل ماكرون، لن تكون أفضل من الفترة الأولى، سواء محلياً أو خارجياً، بسبب الأوضاع الاقتصادية العالمية الصعبة التي تمر بها كافة الدول، بسبب تأخر التعافي من جائحة كوفيد -19، بل وظهور متحورات أخرى أشد وأخطر، واستمرار الصراع والتناحر العسكري بين روسيا وأوكرانيا، وتواصل وتصاعد الأزمات الاقتصادية والمالية، وتباطؤ نسب النمو والنشاط الاقتصادي، وارتفاع نسب التضخم، والتنبؤ بدخول العالم في مرحلة كساد عالمي مثل التي حدثت عام 1929( التضخم الجامح).
الوضع السياسي الحالي.. والمتوقع في 2027
للإجابة على ذلك، يجب معرفة، أنه مع انتهاء الفترة الثانية للرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك 2007، ثم تولي الرئيس التالي نيكولا ساركوزي (اليمين الفرنسي) لفترة رئاسية واحدة انتهت في عام 2012، والذي لم ينجح في الحصول على فترة رئاسته ثانية، وفاز عليه الرئيس فرانسوا هولاند (الاشتراكي) والذي تولى لفترة رئاسية واحدة أيضاً انتهت بحلول عام 2017، والذي لم يترشح لفترة رئاسية ثانية، مكتفياً بفترة واحدة، فإن الشارع السياسي الفرنسي يعاني ومحبط من كافة السياسين، خاصة اليمين واليمين الوسط والاشتراكيين، فقد خابت آمالهم وظنهم في تجربة ساركوزي وهولاند، كما أن هناك شخصيات سياسية ظهرت على الساحة والمسرح السياسي، عقد عليها الأمل لإعادة الثقة في جبهة اليمين مثل (ستراوس كان وفرنسواه فيون) ولكن سرعان ما ثبت تورطهم في ملفات أخرى، أطاحت بهم وأخفتهم عن المشهد الساسي.
وهذا المشهد والوضع السياسي الذي مرت به فرنسا كان فرصة ذهبية للرئيس إيمانويل ماكرون في الاستفادة من هذا الفراغ السياسي، وأخذ مبادرة الترشح ( بدعم من الرئيس هولاند) بل والفوز بالرئاسة، ليكن أصغر رئيس جمهورية في تاريخ فرنسا.
ومن المتوقع أن يستمر هذا الفراغ السياسي، خلال الأعوام القادمة، لأنه خلال الأعوام الماضية لم ينجح اليمين في ترشيح شخصية سياسية قوية قادرة على منافسة الرئيس إيمانويل ماكرون، لا في انتخابات 2017 أو حتى انتخابات 2022.
كما هو الحال للقوى السياسية الأخرى (الشيوعين/ الخضر/ الاشتراكيين)، وأن النجاح الذي حققته مارين لوبان، يتم تفسيره من قبل كثير من المحللين والباحثين السياسيين والجيوساسيين، على أنه حدث بسبب الفراغ السياسي وعدم الثقة السائدة في الشارع السياسي الفرنسي.
لذا، يمكن القول إن انتخابات عام 2027 سوف تشهد أحداث وتطورات مغايرة تماماً للوضع الحالي، وينحصر ذلك فيما يلي:
أولاً، جبهة أقصى اليمين: التقدم الذي حققه أقصى اليمين في المرحلة الأولى من الانتخابات وحصولهم على نسبة 30%، (27% لمارين لوبان +7% لروموز)، ولكنهم خسروا المرحلة الثانية، وهو ماحدث في انتخابات عام 2017، وفي ضوء التشاحن والصراع المتصاعد بين لوبان ورموز، سوف يزيد من حالة الانقسام والانشقاقات داخل كتلة اليمين، سوف تكون عامل أساسي في عدم فوزهم في انتخابات 2027.
ثانياً، الكتلة الاشتراكية: حققت حركة فرنسا تنهض نتائج جيدة جداً، حيث حصل ميلينشون على نسبة أصوات في المرحلة الأولى بلغت 22%، بفارق ضئيل عما حصلت عليه مارين لوبان 23%، يضاف إليه نسبة ما حصل عليه الحزب الاشتراكي 4,5%، ليصبح الإجمالي تقريباً 27%، وهي نسبة أصوات جيدة مقبولة إلى حد كبير بما حققته الكتل الأخرى، لذا، ومع ترتيب الأوضاع والاتحاد مع الكتلة الاشتراكية، يمكن أن تحقق نجاح في الانتخابات الرئاسية القادمة، وهو الذي يتجلى في الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها الأيام القادمة، خاصة وأن لفرنسا إيديولوجيا اشتراكية الهوى.
ثالثاً، في ضوء استمرار الفراغ السياسي، وعدم ظهور شخصية سياسية، قوية تحظى بثقة الناخب الفرنسي مستقبلاً، سوف يعاني المجال السياسي الفرنسي كثيراً محلياً وخارجياً، ولذلك، يمكن تكرار سيناريو ما حدث مع الرئيس ماكرون عام 2017، وبناءً على تنسيق وترتيبات، يتم الدفع بشخصية سياسية جديدة، وبدعم من الرئيس ماكرون وبالتوافق مع شيوخ السياسة الفرنسية، على الترشح والفوز بالرئاسة 2027، وهو السيناريو الأقرب للحدوث في ظل الظروف والأحوال التي تمر بها فرنسا اليوم ومستقبلاً.
التعليق
ما سبق يؤكد أن القطاع السياسي الفرنسي، مواطن، ناخب، سياسي، أحزاب، كتل وحركات وتجمعات سياسية، مسؤول، الكل يعاني من عدم الثقة، وحالة ضبابية، تستلزم إعادة الحسابات والترتيب من الجميع، والندرة في الشخصيات السياسية والقيادية، هي ظاهرة عالمية، فالعالم يفتقر إلى السياسين أصحاب الخبرة والحنكة والحكمة السياسية، وهو ما نحتاجه في أيامنا هذه، ونأمل أن تمنح الفرصة للشباب لحرية التعبير وترك منافذ شرعية لهم للتعبير وتولي المسؤولية والقيادة، لصقلهم علمياً وعملياً في المستقبل والأيام القادمة، من أجل غد أفضل لنا جميعاً.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر.