القاهرة – (رياليست عربي): تنطلق فاعليات قمة تغير المناخ الأحد القادم بمدينة غلاسكو الإسكتلندية “المملكة المتحدة “بحضور ملكة بريطانيا “إليزابيث الثانية” ولفيف قادة وزعماء العالم (200 دولة) للاتفاق علي سياسات كونية بخصوص كوكب الأرض.
وتأتي أهمية هذه القمة عن سابقتها منذ أول قمة عقدت في مدينة برلين الألمانية عام 1995، مروراً باتفاقية كيوتو للمناخ عام 1997، وباريس عام 2015، ومراكش بالمغرب عام 2016.
هدف القمة
تهدف القمة إلى الوصول إلى خفض انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون ليصل إلى حد أقصى 2% بحلول عام 2030، وإلى صفر بحلول عام 2050.
المشكلة
النشاط الصناعي المفرط (مدني، عسكري)، والانبعاثات والمخلفات الناتجة عنه تسببت في زيادة ارتفاع نسب الكربون في الغلاف الجوي مما يحدث خللاً مقابل الغازات الأخرى، وأهمها غاز الأكسجين الضروري لحياة الإنسان والنبات والحيوان على كوكب الأرض، فمنذ انطلاق الثورة الصناعية في انكلترا 1760، واستخدام الفحم لتوليد الطاقة الميكانيكية، ثم تلا ذلك اكتشاف البترول كمصدر رئيسي للطاقة مما ساهم في ازدياد إنتاجية الأنشطة الإنتاجية بشكل عام سواء زراعية أو صناعية أو تجارية.
وليس ذلك فحسب، ولكن الارتفاع الكبير لمزاولة البشر لبعض الأنشطة دون ضوابط، مثل الصيد البحري والبري الجائر، وسوء استخدام مياه الأنهار وخاصة الصالحة للشرب، واستخدام الأسمدة والمبيدات والمواد الكيمائية في الأنشطة الزراعية، والزحف العمراني والسكاني، والتوسع في إقامة وبناء المدن الحديثة، والزيادة الكبيرة في النسل، حيث قارب تعداد السكان أكثر من 7 مليار نسمة، والزيادة الكبيرة في تقطيع الأشجار من الغابات الطبيعية والبرية، مما قلص عددها بشكل كبير حول العالم، إلى جانب سوء التخلص من مخلفات النشاطات الإنتاجية الزراعية والصناعية والعلمية، خاصة الكيماوية والنووية الناتجة عن التجارب والأبحاث النووية.
النتائج
نتيجة لتلك الأسباب السالف ذكرها، كانت السبب الرئيسي في إحداث الخلل وتغير المناخ الذي نشهده، والذي يزداد سوءاً عاماً بعد عام، حيث ارتفعت درجات الحرارة بشكل ملموس، مما أحدث حرائق في الغابات الطبيعية والتي شاهدناها في الأعوام الأخيرة في جميع مناطق العالم، وقلة مياه الأمطار، وذوبان مساحات ضخمة من مناطق الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي، مما ساهم في ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات، والمساهمة في زيادة قوة الفيضانات والرياح والأعاصير والتسونامي، والزلال والبراكين، التي تسببت في كوارث وخسائر بشرية ومالية ضخمة في مناطق وبلدان كثيرة حول العالم، وقلة وشح وفقر المياه الصالحة لشرب والاستخدام، وزيادة التصحر والجفاف.
كما كان ذلك سبباً في ظهور وانتشار الأمراض والأوبئة، وآخرهم “فيروس كورونا” الذي ضرب العالم منذ عامين والذي ما زال يعاني منه الجميع حتى اليوم اقتصادياً واجتماعياً ومهنياً وصحياً، بالتالي، من المؤكد أن تغير المناخ يؤثر على كوكب الأرض والإنسان وكل الكائنات، سواء من ناحية الصحة والغذاء أو من ناحية الأنشطة والإنتاج ونمط وسلوك الحياة.

الدراسات والتقارير الدولية
تقول دراسات وتقارير دولية إنه لا توجد منطقة محصنة ضد الكوارث المناخية، محذرة من أن “نافذة فرصتنا” لمنع أسوأ التأثيرات المناخية “تتلاشى بسرعة”، وجديراً بتسليط الضوء على تقرير “مقلق للغاية” صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) الشهر الماضي، والذي أوضح أن “هناك حاجة إلى إجراءات مناخية أكثر جرأة” للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وحث دول مجموعة العشرين الصناعية على تكثيف العمل ودفعه قُدماً قبل مؤتمر المناخ للأمم المتحدة (COP26)، وهو ما أكده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، وجون كيري مسؤول ملف المناخ في إدارة الرئيس الامريكي جوزيف بايدن، والذي يولي اهتماماً كبيراً بقضية المناخ والطاقة النظيفة، والذي عاد إلى اتفاقية باريس للمناخ بعد انسحاب سلفه دونالد ترامب.
مخاطر مضاعفة
على خلفية حرائق الغابات والفيضانات والجفاف وغيرها من الظواهر المناخية المتطرفة، “لا توجد منطقة محصنة”، وأشار إلى أن أزمة المناخ “عميقة بشكل خاص” وتفاقمها الهشاشة والصراع، ووصف تغير المناخ وسوء الإدارة البيئية بـ “مضاعفين للمخاطر”، وأوضح أنه في العام الماضي، أدت الكوارث المرتبطة بالمناخ إلى نزوح أكثر من 30 مليون شخص وأن 90 في المائة من اللاجئين يأتون من البلدان الأقل قدرة على التكيف مع أزمة المناخ، “العديد من هؤلاء اللاجئين تستضيفهم دول تعاني أيضاً من آثار تغير المناخ، “مما يضاعف من التحدي للمجتمعات المضيفة والميزانيات الوطنية”، مضيفاً أن جائحة كوفيد تقوض أيضاً قدرة الحكومات على الاستجابة للكوارث المناخية ومكافحتها.
ترتيب الأولويات
يؤكد التقرير على أنه يجب العمل وبشكل جمعي فوراً على خفض حد الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية لتجنب الآثار المناخية الكارثية، وحث جميع الدول الأعضاء في (NDCs) – وهي الخطط التي تلتزم الدول من خلالها بالعمل المناخي الطموح بشكل متزايد قبل مؤتمر الأطراف COP26 وترجمة هذه الالتزامات إلى “إجراءات ملموسة وفورية و”بشكل جماعي، نحتاج إلى خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 45 في المائة بحلول عام 2030”.
“النصف المنسي”
لمعالجة الآثار الرهيبة لاضطراب المناخ، شدد التقرير على الحاجة إلى التكيف والمرونة، وهو ما أكد أنه يتطلب تخصيص نصف تمويل المناخ العالمي على الأقل لبناء المرونة ودعم التكيف، وأنه “لا يمكننا ببساطة تحقيق أهدافنا المناخية المشتركة – ولا تحقيق الأمل في سلام وأمن دائمين – إذا ظلت المرونة والتكيف في كونهما النصف المنسي من معادلة المناخ”.

النساء والفتيات والأطفال والفقراء والمشردين والمهاجرين واللاجئين
وأكد التقرير على أن التكيف مع المناخ وبناء السلام “يمكن وينبغي أن يعزز كل منهما الآخر”، مسلطاً الضوء على المشاريع العابرة للحدود في غرب ووسط أفريقيا التي “مكّنت الحوار وعززت إدارة أكثر شفافية للموارد الطبيعية النادرة”، وأشار إلى أن “النساء والفتيات والأطفال والفقراء والمشردين والمهاجرين واللاجئين جميعهم يواجهون مخاطر شديدة من كل من تغير المناخ والصراع”، وشدد على أهمية “مشاركتهن وقيادتهن الهادفة” لتحقيق “نتائج مستدامة تفيد المزيد من الناس”، وضرورة دمج مشاكل و مخاطر المناخ مع اجراءات وسياسات منع النزاعات ومبادرات بناء السلام وتحليلها السياسي.
وأضاف التقرير “إن آلية الأمن المناخي تدعم العمل والتضامن الدولي والعالمي يكتسب العمل زخماً في البلدان والمناطق حيث أقر مجلس الأمن أن المناخ والتغير البيئي فيها يقوضان الاستقرار”.
التحليل والتعليق
أولاً، مع الإقرار بأن 80 في المائة من انبعاثات الكربون تأتي من الدول الصناعية الكبرى، أمريكا 40%، الصين 15%، الاتحاد الأوروبي وروسيا 20%. يجب أن نعمل جميعاً على نهج جديد للتحول إلى التوسع في إنتاج الطاقة المتجددة، للتخفيف من اضطراب المناخ والتكيف معه لبناء مجتمعات مسالمة وقادرة على الصمود ومكافحة الآثار الناتجة عن تلك التغيرات، هذا ما يجب أن تتفق علية جميع الأمم والدول، فليس لدينا كوكب آخر يمكن أن يستكمل الإنسان بقائه على الحياة مستقبلاً، فالبشرية مهددة بالاندثار والفناء.
ثانياً، كثير من الدول الغنية تطور من أبحاثها العلمية لتوليد الطاقة من مصادر جديدة مثل محاكاة مصغر للشمس قادر على توليد طاقة هائلة وبكميات ضخمة، وهي الأبحاث التي تجريها الصين وفرنسا، وتطوير وتحديث أبحاث توليد الطاقة النووية لتصبح أقل كلفة وأكثر أمناً وكفاءة وأطول عمراً، وهي الأبحاث التي أعلنت عنها فرنسا مؤخراً، وتبنّي بعض رجال الأعمال الكبار، وعلى رأسهم بيل غيتس، جيف بيزوس، إيلون ماسك تسلا، بتمويل أبحاث تطوير الطاقة الشمسية والرياح والبحار، وإسقاط الأمطار الصناعية (باستخدام كربونات الكالسيوم) عبر بثها في ارتفاعات كبيرة من الغلاف الجوي “سبق وأن تم إجراء تلك التجربة في الإمارات المتحدة عام 2018″، المفترض تكرارها إجرائها في السويد الشهر القادم.
ثالثاً، تطوير أبحاث وطرق التخلص من مخلفات ونفايات النشاط الصناعي والزراعي والعلمي لتصبح أكثر منفعة وفعالية وأوسع انتشاراً، وأقل تكلفة لتصبح في متناول الغالبية من الدول.
رابعاً، إصدار التشريعات والقوانين الملزمة للدول للحد من الآثار الكارثية الناتجة عن الأنشطة المختلفة الضارة بالبيئة والمناخ، لتقليل الاحتباس الحراري والحد من تغيرات المناخ، وكذلك وضع الخطط والإجراءات اللازمة للرقابة علي تنفيذ وتطبيق تلك القوانين والاتفاقات الدولية، بهدف تحقيق الاقتصاد الأخضر.
التعليق
الأبحاث العلمية تحتاج إلى أموال وظروف بيئية وبنية تحتية علمية، متوفرة لدى الدول الغنية والمتقدمة، يصعب بل يستحيل توفرها قريباً في الدول الفقيرة والناشئة والنامية، فالعالم يحتاج للصرف وتمويل تلك الأبحاث ما لا يقل عن 140 تريليون دولار حتى 2030.
الدول الغنية من المؤكد سوف تستخدم تلك المصادر الجديدة والحديثة للطاقة، لفرض مزيد من السيطرة والهيمنة، وفي أمصال فيروس كوفيد 19- خير مثال، حيث هناك سيطرة واحتكار من شركات الأدوية الكبرى المنتجة “التابعة والمملوكة للدول الكبرى” من تفاوت كبير في حصص التوزيع والقدرة على التطعيم.
الاتفاقيات والقوانين والاجراءات والقواعد والبروتوكولات، وكافة المسميات الدولية، تكون ملزمة فقط للدول الصغيرة، أما الدول الأخرى تتصرف كما تشاء دون قيود أو رقابة أو ألتزام.
تلك الاتفاقات الدولية العالمية، من المؤكد سوف تحد من النشاط الزراعي والصناعي والتجاري، وغيرها من الأنشطة للدول الفقيرة والنامية الأكثر احتياجاً، مما تعرضها لتحقيق معدلات نمو منخفضة، ولمشاكل اقتصادية ومالية، حيث من المتوقع أن تقل الناتج العالمي بنسبة 7%، ووصول 132 مليون إنسان إلى الفقر المدقع، والإضرار بأمنها الغذائي، وبالتالي عدم استقرارها، مما سوف يزيد من مشاكلها الداخلية، سواء سياسياً أو اجتماعياً، مما يزيد من انتشار القلاقل والصراعات الداخلية والإقليمية والدولية.
وأخيراً، وليس آخراً، على الدول الفقيرة والصغيرة والناشئة والنامية الانتباه جداً للمتغيرات والأحداث والأوضاع العالمية، والتضامن والحيطة والحذر، لأن التكلفة سوف تكون مرتفعة وغالية جداً، وأن لا تصبح لقمة سائغة وسهلة للدول الكبرى، والجدير بالذكر أن منذ أكثر من شهرين قد فرضت الدول الكبرى ضريبة 15% على الشركات العالمية دولية النشاط وعابرة القارات، خاصة شركات IT والتكنولوجيا في شهر يونيو/ حزيران الماضي في مؤتمر الدول الصناعية السبع الذي عقد في لندن.
وكذلك إصدار الأمم المتحدة قرار في شهر مايو/ أيار الماضي بإلزام تحصيل ضريبي على الصناعات المعادن والمواد الخام والاستخراجية مثل النفط والفحم والمعادن الثمينة والمعادن الأخرى، من أجل التنمية المستدامة ولضمان وصول فوائد الموارد الطبيعية إلى جميع الناس وعدم قصرها فقط على النخب للحفاظ على البيئة الطبيعية للحاضر وللأجيال القادمة، لذا على الدول التي يقوم اقتصادها في الأساس على إنتاج واستخراج البترول المعادن الثمينة والموارد الطبيعية، “الاحتساب جيدا لذلك”.
كما أن معظم التوقعات للمحللين الاقتصاديين تقول إن هناك ارتفاع أسعار الطاقة خاصة البترول خلال الفترة القادمة، وكذلك أسعار المحاصيل من الحبوب الغذائية للإنسان والحيوان، حيث أن الوضع يشبه الزبون الذي يرتدي أرقى موديلات الملابس، ويضع أفخم العطور في إحدى المطاعم الشهيرة، وبعد تناول طعامه الفاخر يخرج من المطعم، طالباً من شخص آخر في الخارج سداد الفاتورة نيابه عنه، انتبهوا أيها السادة الكرام.
خاص وكالة “رياليست” – د. خالد عمر.