طرابلس- (رياليست عربي). تركت الاحاطة التي قدمتها المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا ، أمام مجلس الأمن يوم الاثنين انطباعات وردود أفعال لدى الليبيين.
وبحسب متابعين للشأن الليبي، فإن بنسودا ركزت على أحداث محدودة في شرق ليبيا، وأظهرتها وكأنها كل ما يحدث في ليبيا، بينما تجاهلت مئات الأحداث المشابهة، والأكثر قسوة في غرب البلاد.
وأحدث تركيز بنسودا على قضايا حدثت في شرق ليبيا، حالة من الغضب، وظهرت الإحاطة في نظر سكان اقليم برقة “شرق ليبيا” وكأنها ليست بحثاً عن العدالة من قبل المدعية، بل بحثاً عن إدانة جهة واحدة، أو أشخاص محددين.
ويذهب الغاضبون في شرق البلاد إلى أن المدعية العامة في المحكمة الجنائية، لا تنقصها الدراية والعلم بما يحدث في غرب ليبيا من جرائم وممارسات ضد الإنسانية ، ورغم ذلك أكتفت في إحاطتها بتوجيه تحذير عام للميلشيات ، بينما تذكر أحداثاً محددة لم تتجاوز 3 أو 4 أحداث في شرق ليبيا، وكأنها كل ما أرتكب في ليبيا.
ويذهب نشطاء اقليم برقة الليبي إلى وصف احاطة المدعية بنسودا بالمسيسة إلى حد بعيد، خصوصاً أنها ركزت في هذه الإحاطة على أحداث محددة في مدينة بنغازي، دون أن تكلف نفسها أو المحكمة البحث في طبيعة هذه الأحداث، بيد أنها وصفت الحالة بجملة غير مفصلة، والتي جاءت في احاطتها بـ” بأن المحاكم العسكرية في شرق ليبيا تستمر في محاكمة مدنيين، والحكم عليهم بالإعدام، في غياب المحامين وضمانات الدفاع” وهو أمر لم يحدث فقد سمحت المحاكم بتوكيل محامين، بل وكلفت محامين لمن لم يستطع توفير محامي.
كما يعاب على السيدة بنسودا بأنها لم تذكر كيف تحصلت على هذه المعلومات؟ وهل طلبت حضور جانب من جلسات هذه المحاكمات؟ ويبدو إما أنها تتجاهل أو تجهل من هم الأشخاص الذين يعرضون على هذه المحاكمات، والذين في أغلبهم ارهابين قاوموا الجيش الليبي، وارتكبوا جرائم بحق الأبرياء، ومن أشهر حوادثهم التي ارتكبوها حادثة السبت الأسود ببنغازي في 8 يونيو 2013 ، والتي تعد واحدة من أبشع جرائم الميلشيات والجماعات الإرهابية، والتي راح ضحيتها 40 قتيلا وأكثر من 150 جريحا، كما أن القانون الليبي يجيز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، في حالة قيام المدنيين بأعمال ضد عناصر الجيش.
وتميزت احاطة بنسودا تجاهل مئات الجرائم التي حدثت في الغرب والجنوب الليبي، وركزت فقط على الشرق، مما يجعل من مصداقية هذه المحكمة على المحك، على الأقل بالنسبة للشعب الليبي، خصوصاً أن بنسودا لم تتطرق لحالات خطف العديد من المسئولين في طرابلس، والتي حدثت في بداية هذا العام ونهاية العام الماضي.
وهناك العديد من حالات الاختطاف التي لم تتطرق بنسودا لأي حالة منها، كما لم تتعرض للمسئولين عنها، وأغلبهم قيادات من جماعة الإخوان ومليشيات مصراته والزاوية، مثل حادثة اختطاف مدير ادارة الاعلام بهيئة الرقابة عماد المزوغي، أو اختطاف رئيس هيئة الاعلام محمد عمر بعيو، وكذلك اختطاف مدير مركز طرابلس الطبي نبيل العجيل، واختطاف نائب رئيس المخابرات الليبي مصطفى نوح ، ورغم أن المسئولين عن هذه العمليات معروفين للعالم، إلا أن احاطة السيدة بنسودا لم تتسع لذكرهم.
يضاف إلى كل ذلك تجاهل احاطة المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية أحداث خطيرة في العاصمة الليبية، مثل عملية “قسورة ” التي دمرت مطار طرابلس تدميرا شاملا، ولم تتطرق فيها بنسودا لأي شخصية من قيادات هذه العملية، كما أنها لم تأت على ذكر المسئولين عن مذبحة “غرغور” في طرابلس والتي راح ضحيتها 50 مدنيا، كما أن المدعية لم تتطرق إلى المسئولين عن مذبحة “براك الشاطئ” التي نفذتها مليشيات تابعة لوزارة دفاع الوفاق، في 15 يوليو 2017 ، والتي راح ضحيتها 140 جنديا، وأصيب 18 آخرون من أفراد اللواء 12 مجحفل التابع للجيش الليبي، خلال هجوم على قاعدة براك الشاطئ الجوية جنوب غرب ليبيا، ووجهت حينها الاتهامات إلى وزير الدفاع في حكومة الوفاق فتحي البرغثي المسئول عن القوة التي نفذت العمل الإرهابي.
وبحسب نشطاء ومتابعين للشأن الليبي، فإن احاطة بنسودا لم ترتق إلى المأمول منها، ويبدو في ثناياها هدف واحد، وهو أن تظهر الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر وكأنه القوة الوحيدة الخارجة عن القانون، وتصف الارهابين الذين يحتجزهم ، واعترفوا بمسئوليتهم عن قتل العشرات بالمدنيين.
ويرى هؤلاء النشطاء بأن بنسودا تجاهلت في إحاطتها ما يحدث في سجون طرابلس التي تشرف عليها المليشيات، وموثق ما يجري فيها بالصوت والصورة، ومنها مشاهد تعذيب الساعدي القذافي في سجن الهضبة، الذي يقع تحت سلطة أحدى المليشيات المتشددة بقيادة سجن الهضبة أحد أكثر السجون سيئة السمعة في العاصمة طرابلس، يقبع خلف أسوار سجن الهضبة الذي يديره خالد الشريف، المسؤول الأمني المتشدد في الجماعة الليبية المقاتلة، التي يتزعمها الإرهابي عبد الحكيم بلحاج.
ويذكر أن سجن الهضبة يضم أكثر من ألفين من المعتقلين، بعضهم شخصيات من النظام السابق في ليبيا، منهم نجل العقيد القذافي، الساعدي (لم يصدر بحقه حكم بعد)، ورئيس جهاز الأمن الخارجي ، ورئيس جهاز المخابرات عبد الله السنوسي (محكوم بالإعدام)، ومدير الأمن الوطني الداخلي بطرابلس، ميلاد دامان (محكوم بالإعدام)، فضلا عن عدد كبير من الضباط من رتبة عقيد فما فوق.
ومع هذا لم تتطرق بنسودا لهذا السجن لا من قريب ولا بعيد، خصوصا أنه لا يقع تحت إدارة الدولة ، ويعد السجن الأشد حراسة، ويضم طاقم إدارة السجن عدداً من السجناء السابقين بتهم الإرهاب ، كانوا نزلاء سجن “أبو سليم الشهير” نظرا لانتمائهم للجماعات المتطرفة مثل الليبية المقاتلة والقاعدة.