القاهرة – (رياليست عربي): نجحت المساعي المصرية المكوكية خلال الأيام الماضية والمستمرة منذ بدء النزاع المسلح بين إسرائيل وفلسطيني قطاع غزة في العاشر من شهر مايو/ أيار الجاري، والدور الذي تقوم به المخابرات المصرية بنجاح في كل مرة ينشأ فيه النزاع بينهم بين الحين والآخر.
وبعد ضغط الإدارة الأمريكية وجلسة مجلس الأمن بالأمم المتحدة، والعاصفة والتي تحدث فيها مندوب فلسطين والدول العربية والأوروبية والأعضاء الدائمين، والتي أجمعت على ضرورة وقف فوري لإطلاق النار بين طرفي النزاع، والذي دخل حيّز التنفيذ مع وصول عقارب الساعة الثانية فجراً من يوم الجمعة الموافق 21 مايو/ أيار، وبحضور مراقبين من الجانب المصري على كلا الجبهتين للوقوف على الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، وسط تخوفات وقلق بالغ من اشتعال الصراع المسلح في أية لحظة بين الطرفين.
الموقف على الأرض حسب بيانات المنظمات والوكالات العالمية
أعلنت وكالات الإغاثة الإنسانية أن الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة ألحقت أضراراً بالغة بالصحة والتعليم والمياه ومرافق الطاقة وخلفت وراءها سكاناً “مذعورين ومصدومين”، حيث أعلنت الوكالة بأنه، بعد أن دخل وقف إطلاق النار بوساطة دولية بين غزة وإسرائيل حيز التنفيذ صباح يوم الجمعة في الساعة 2 صباحاً بالتوقيت المحلي، قدمت وكالات الإغاثة الإنسانية إلى الصحفيين في جنيف تقييماً للوضع الإنساني المتردي في قطاع غزة بعد 11 يوماً من الأعمال العدائية المميتة التي تسببت في خسائر بشرية ومادية هائلة.
وفي حديثه من مدينة غزة خلال مؤتمر صحفي، قال ماتياس شمالي، مدير عمليات الأونروا في غزة: “بالطبع، يجب أن أبدأ بالتعبير عن شعور كبير بالارتياح لأن 11 يوماً من المجازر والحرب قد انتهت، وبالتعبير عن الأمل في أن (الوضع) سيبقى على هذا النحو. يبدو الأمر وكأنه وقف إطلاق نار هش”.
مخلفات الحرب.. تهديد آخر على حياة سكان غزة
فور إعلان وقف إطلاق النار، والذي جاء على لسان الأمين العام للأمم المتحدة، بأن الصراع الأشد بين إسرائيل وحماس منذ حرب 2014 على غزة. قد أدى اندلاع القتال الأخير إلى إلحاق الضرر بالنظام الصحي الهش في القطاع الذي يعاني أصلاً من جائحة فيروس “كورونا”، كما وأوضح مدير عمليات الأونروا في غزة “لقد رأينا، قبل بدء الحرب مباشرة، بداية نهاية الموجة الثانية (موجة كوفيد -19) والعديد منا قلقون للغاية من أنه خلال هذه الأيام العشرة من الحرب، ربما رأينا في الواقع بداية الموجة الثالثة لأنه بالطبع لم يتم الالتزام بالتدابير الاحترازية وما إلى ذلك” تهديد آخر لحياة الناس في غزة، الآن هو التلوث بمخلفات الحرب. فوفقاً للشمالي، “العودة إلى الحياة الطبيعية تعني الحاجة إلى المراقبة بعناية شديدة ما إذا كانت هناك قنابل قابلة للانفجار، حيث توجد في مدرسة واحدة على الأقل من مدارسنا البالغ عددها 278 مدرسة، قد اكتشفنا فيها قنبلتين مدفونتين بشكل عميق. وقد قمنا بتنبيه السلطات الفلسطينية والإسرائيلية إلى ذلك”.
وأعلنت الوكالة حاجتها العاجلة إلى 38 مليون دولار بالإضافة إلى 7 مليون أخرى لتلبية الاحتياجات العاجلة والسريعة لإصلاح المباني والمنشآت الطبية والصحية، حتى تستعيد نشاطها الطبي والإسعافات اللازمة للمحتاجين والمتضررين.
تضرر مختبرات كوفيد-19
منذ بدء القتال في 10 مايو/أيار، تعرضت مئات المباني – بما في ذلك المنازل والمستشفيات والمدارس – للضرر أو الدمار، وزادت معاناة سكانها بسبب نقص المياه النظيفة والكهرباء والوقود، وأفادت منظمة الصحة العالمية بوقوع هجمات على المرافق الصحية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن بينها عيادة الرمال التي تضم مختبر اختبارات كوفيد-19 الرئيسي، وتتمثل إحدى أولويات مدير عمليات الأونروا في غزة في “إجراء تقييم للأضرار التي لحقت بالبنية التحتية المادية ثم استخدام ذلك كأساس لصياغة وطرح طرق لدعم عودة الأشخاص إلى منازلهم وبناء البنية التحتية الصحية بشكل خاص”، ومع ذلك، فإن النقطة الأكثر أهمية بالنسبة للسيد شمالي هي إدراك “مستوى الصدمة المضافة” إلى الصدمات الأخرى التي يعاني منها السكان بالفعل منذ سنوات، وأضاف شمالي: “علينا أن ندرك أن هذا شعب مذعور ومصدوم”.
وصرح للصحفيين في جنيف أن “هذا مستوى صدمة آخر تمت إضافته لصدمات أخرى ناتجة عن حروب سابقة وناجمة عن عامين من “مسيرات العودة الكبرى”، التي سببها فيروس “كورونا”، لذلك، لا يمكننا النظر إلى هذا على أنه إعادة بناء جسدي فحسب، فنحن بحاجة إلى إعادة بناء الحياة أو المساعدة في إعادة بناء الحياة”.
كما تحدثت الدكتورة مارغريت هاريس، المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، عن عدد القتلى والجرحى. وقالت إن عدد القتلى بلغ 230 في قطاع غزة و27 في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، أصيب 1760 شخصاً في قطاع غزة. وأصيب 4739 شخصاً بجروح في الضفة الغربية والقدس الشرقية منذ بداية التصعيد.
أن تكون طفلاً في قطاع غزة لطالما كان صعباً للغاية، حتى قبل هذا التصعيد الأخير، بحسب منظمة اليونيسف التي أوضحت أنه بالنسبة لبعض الأطفال، يعد هذا التصعيد، الصراع الرابع الذي يعانون منه جسدياً ونفسياً، وذكرت لوسيا إلمي، الممثلة الخاصة لليونيسف في دولة فلسطين، أنه “خلال الأيام الـ 11 الماضية، تم الإبلاغ عن مقتل ما لا يقل عن 65 طفلاً فلسطينياً وإصابة 440 آخرين.
وفي إسرائيل، تم الإبلاغ عن مقتل طفلين وإصابة 60 طفلاً”. بالإضافة إلى هذه الخسائر البشرية المروعة، فإن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية المدنية الأساسية التي توفر خدمات حيوية لإنقاذ حياة الأطفال في جميع أنحاء قطاع غزة كانت هائلة. وفقاً لليونيسف، تضرر ما لا يقل عن 50 مرفقاً تعليمياً و20 مرفقاً صحياً.
وقالت ممثلة اليونيسف إن “بعض الأطفال ظلوا تحت الأنقاض لساعات عديدة قبل أن يتم انتشالهم”، مضيفة أنه “كما قال الأمين العام في خطابه أمس أمام الجمعية العامة: ” إذا كان هناك جحيم على الأرض، فإنها حياة الأطفال اليوم في غزة”.
كما ذكّر فابريزيو كاربوني، المدير الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر لمنطقة الشرق الأوسط، بأن الفلسطينيين الذين دمرت منازلهم في عام 2014 ما زالوا يعيشون اليوم في منازل مؤقتة، هناك أشخاص في غزة تعرضوا على مدى السنوات العشر والخمس عشرة الماضية ثلاث مرات لدائرة العنف هذه والدمار والصدمات. وإذا كنتم لا تريدون أن أكون هنا في غضون عامين للحديث عن نفس الشيء تماماً، فربما قد حان الوقت حقاً لمحاولة معالجة هذه الأزمة السياسية”، وأضاف أن “الضرر الذي حدث في أقل من أسبوعين سيتطلب للأسف سنوات إن لم يكن عقوداً لإصلاحه”، وقال كاربوني إن “حوالي 700 ألف فلسطيني تأثروا بالأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للطاقة والكهرباء فيما انخفضت إمدادات المياه بنسبة 40 في المائة، نظراً لأن آبار المياه الجوفية والخزانات ومحطات تحلية المياه والصرف الصحي وشبكات توصيل المياه ومحطات الضخ تعرضت جميعها لأضرار جسيمة، فإن السكان معرضون لخطر الإصابة بالأمراض التي تنقل عبر المياه”.
“تأخذ النزاعات الناس في غزة إلى مستوى أدنى. وبعد كل دورة، فإن ما ننجح في إعادة بنائه، – كما تعلمون لا نتعافى بالكامل-، وهذا يسبب إحباطاً كبيراً والأهم من ذلك أزمة أمل”، بحسب فابريزيو كاربوني من اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
يتضح أن الموقف بعد هدنة وقف إطلاق النار على الأرض كارثي، وأن حجم الدمار ضخم للغاية، فإن الإحصائيات الأولية تقول إنه تم تدمير أكثر من 15 ألف منزل، وهو الأمر الذي يعني أن هناك أكثر من 15 ألف عائلة بلا مأوى.
فهل سوف تستمر دائرة الانتقام والصراع في هذه القضية التي تعصف بمقدرات المنطقة البشرية والمادية إلى ما لا نهاية؟ أم حان الوقت إلى إرادة سياسية دولية متحدة عازمة على إيجاد حل سياسي دائم؟
الأمل أن يتحقق ذلك من أجل وضع حد لتلك القضية المتعسرة منذ عقود، أم يشتعل إطلاق النار مرة أخرى لتتضاعف الخسائر والكوارث البشرية والمادية؟ وهو الاحتمال الذي يرجحه كثير من الخبراء، إن دماء الأبرياء والضحايا والمصابين مسؤولية الضمير الإنساني، الذي وللأسف ما زال فيه جاهلية.
خاص وكالة “رياليست” – د. خالد عمر.