قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد لقائه برئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة في أنقرة إن تركيا وليبيا ملتزمتان باتفاق لترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط، أبرم في عام 2019، وأضاف أردوغان في مؤتمر صحفي، “يضمن الاتفاق البحري الموقع بين تركيا وليبيا المصالح الوطنية ومستقبل البلدين… أكدنا اليوم عزمنا بشأن هذه القضية”، طبقاً لوكالة “رويترز“.
وكانت قد دعت اليونان، التي تعارض الاتفاق البحري بين طرابلس وأنقرة، إلى إلغاء الاتفاق عندما أعادت فتح سفارتها في ليبيا بعد سبع سنوات من إغلاقها، وعندما التقى وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس بنائب رئيس الوزراء الليبي حسين عطية عبد الحفيظ القطراني في بنغازي وأشار إلى أن البرلمان الليبي لم يصدق على الاتفاق الذي تعتبره اليونان بلا سند قانوني.
جلاء الصورة
إن مسارعة تركيا لدعوة رئيس الحكومة الليبية الانتقالية، عبد الحميد الدبيبة، لم يكن توقيتها مجرد صدفة، ولم تكن زيارة غير مخطط لها، بل على العكس تماماً، لقد استشعرت أنقرة الخطر بعد أن رأت ليونة من الجانب الليبي مع اليونان، الذي طالب بإلغاء الاتفاقية، وترسيم الحدود بشكل تام، حيث قال المسؤولون اليونان إن تركيا لا تملك حدوداً بحرية مع ليبيا، بل اليونان، وهذه إشارة واضحة أن هناك محاولة للضغط على ليبيا لإيجاد حل لهذا الملف بالطرق السياسية، وترى اليونان أن الفرصة الآن هي الأنسب لإغلاق هذا الملف.
هذا الأمر بالطبع لم يَرق للرئيس التركي رجب أردوغان، ومن المتوقع أن تكون زيارة الدبيبة الذي يحتاج سنوات طويلة ليتمتع بالحنكة التي يملكها أردوغان، أن يقوم الأخير بعرضٍ ما على ليبيا وتجهيز اتفاقية ما، تُجيز للأتراك استمرارية مذكرة التفاهم التي أبرمت في هذا الخصوص مع حكومة الوفاق في العام 2019، وهذا يعني فصل جديد قد بدأت تناور به أنقرة لعرقلة كل الجهود الدولية الرامية لإحلال الاستقرار في ليبيا، وهذا كان متوقعاً وليس مستغرباً أو مفاجئاً، لكن الآن حُسم هذا الوضع وهو بيد الحكومة الليبية الانتقالية، هي وحدها صاحبة القرار في ما إذا كانت ستسمح بأن تقوم تركيا بعرقلة جهودها بعد الاستقرار النسبي الذي وصلت إليه إلى حدٍّ ما.
الاستثمارات والعلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية
من بوابة الاستثمارات ستعمل تركيا (أردوغان) على توريط ليبيا مجدداً باتفاقيات ستخلق أزمات جديدة، حيث ستستغل حاجة ليبيا إلى الاستقرار الاقتصادي من خلال جذب الاستثمارات الخارجية والتي دعا إليها محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي الليبي في وقتٍ سابق، (كما أشرنا في موضوعات سابقة)، إضافة إلى أن الحكومة الليبية الجديدة تفتقر للحنكة السياسية التي يتمتع بها المتعاملين معها من القوى الدولية والإقليمية، وبالتالي هناك تناقض في التصريحات بين تعديل الاتفاقيات مع تركيا تارةً، إلى تعزيزها تارةً أخرى، إلى إلغائها بطلب من اليونان أيضاً، تصريحات متضاربة أتت وراء بعضها، ما يعزز نظرية انعدام الرؤية التي يجب على الساسة الليبيين أن يتمتعوا بها، من جهة يقدمون وعوداً لليونان، بحل مسألة المعاهدة وترسيم الحدود البحرية، ومن جهة أخرى يدعون تركيا إلى التغلغل أكثر فأكثر في ليبيا من البوابة الاقتصادية.
وفي كل الأحوال، إن تركيا لن تخرج من ليبيا، وليست بخصمٍ سهل، حيث ستقوم بالرد على أثينا من الداخل الليبي، من خلال تعزيز الشراكات مع الحكومة الجديدة بما فيها مذكرة التفاهم تلك، وبالتالي، هناك فصلاً جديداً للتحرك التركي سنراه في وقتٍ قريب.
أخيراً، إن مسألة ترسيم الحدود البحرية ستتحول إلى قضية دولية، وقد تنتقل إلى مجلس الأمن، في حال تملص الحكومة الليبية الانتقالية من وعودها تجاه اليونان، وبالتالي، ستكون فرصة لأنقرة في تثبيت وجودها بشتى الطرق، لإنهاء هذا الأمر، لكن ولأن التجربة أثبتت أن الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا لن يغدروا ببعضهما، ليس غريباً أن تساند واشنطن أنقرة في هذا الملف حتى ولو بطريقة غير مباشرة، إذ أثناء اشتداد الأزمة اليونانية – التركية لم تتحرك أمريكا وتجد حلاً للدولتين العضوين في حلف شمال الأطلسي – الناتو، ما يعني أن الأمور في هذا التوقيت تسير لصالح أنقرة لا لصالح أثينا، بينما ستقف الحكومة الليبية في المنتصف خوفاً من نسف الجهود التي ستنسف بعد أن بدأت التراكمات تلوح في الأفق.
فريق عمل “ياليست”.