في 5 يونيو/ حزيران، العام 2017، قررت السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر “الصغيرة جغرافياً” ولكن الغنية موارداً وثروات، وفرضوا عليها حصاراً شديداً في جميع النواحي، أضر بشكل متبادل من الناحيتين الإجتماعية والإقتصادية.
لم تكن هذه هي المرة الأولى لهذه القطيعة، فلقد إنقطعت العلاقات الدبلوماسية ذات مرة في العام 2014، حينها تم طرح مطالب صارمة على شكل قائمة من 13 بنداً، حيث شعر القطريون بأن الإمتثال لتلك المطالب ليس فقط غير مهين، بل ويهدد سيادتهم، لكن كان لدى كلا الجانبين بعض الحقيقة في هذه المزاعم ، وكلاهما تبنى أسس أخلاقية عالية، وما أعاق جهود الولايات المتحدة والكويت وسلطنة عمان، هو المواقف المتشددة لكليهما.
وبالعودة إلى تفاصيل الأزمة الخليجية، تم بذل العديد من الجهود من قبل العديد من المحاورين (الأطراف المتدخلة) لنزع فتيل الأزمة، لكن أي تدخلات لم تتوافق ونهج الولايات المتحدة، كان الفشل سيدها، أما مستشار الرئيس ترامب جاريد كوشنر الذي زار المنطقة مرة أخرى هذا الأسبوع في محاولة أخيرة لحل الأزمة. لم تكن مجرد محاولة رمزية فحسب، بل كانت مطلباً استراتيجياً لواشنطن لأن قطر فيها أكبر قاعدة لها في منطقة الخليج.
أما العربية السعودية والإمارات المتحدة شريكي واشنطن الرئيسيين خاصة في صفقات الأسلحة، فيجب أن تحافظ الإدارة الأمريكية على علاقتها بهما، لأنها ضرورية لأهداف سياستها الخارجية واحتواء إيران. وبما يتعلق بدول مجلس التعاون الخليجي نفسها فهي تريد السلام لأمنها القومي بالدرجة الأولى، أما بالنسبة للولايات المتحدة، يعتبر أمن إسرائيل أمراً بالغ الأهمية في المنطقة، لكنها تحتاج إلى سد الفجوات بين دول مجلس التعاون الخليجي، والأهم من ذلك أن جميع دول المنطقة، بما فيها إيران وإن كانت أقل إلى حد ما حالياً، قلقة بشأن سياسات وتفضيلات إدارة بايدن الجديدة لأن الالتزام بحقوق الإنسان سيكون بالتأكيد نقطة يجب أن تتعامل معها ممالك الخليج.
لكن إدارة ترامب ترغب في إبرام الصفقة (الصلح مع قطر) قبل أن تغادر المنصب في 20 يناير/ كانون الثاني 2021، كما أنها تريد أن تُظهر أن ترامب لا يزال يحسب له حساب خاصة وأنه سيترك لبايدن الكثير من الملفات التي تحتاج إلى تدخل وإصلاح سريعين، ولن يضر بايدن شيء إن تم التوافق الخليجي فهو يحذف ملف من الملفات العالقة ولن يضره ذلك بل على العكس.
وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي، أعلن وزير الخارجية الكويتي أن النقاش كان “مثمراً” وأن انفراجة وشيكة في الخلاف أيدها وزيرا الخارجية السعودي والقطري على الرغم من الحذر، معلناً أنه تم إحراز تقدم كبير بإعتراف الجميع. وفي الوقت نفسه، واصلت جميع دول مجلس التعاون الخليجي العمل معاً في الإطار الإقليمي لمعالجة القضايا الأوسع، وفي الآونة الأخيرة، عندما تم توقيع اتفاقيات بين الإمارات والبحرين وإسرائيل، قال وزير الخارجية القطري محمد آل ثاني إن هذا قرار سيادي لتلك الدول.
من جانبها، تتمتع الدوحة بعلاقات وثيقة مع تل أبيب، وأما الرياض فتخدم العلاقات الضمنية مع إسرائيل قضيتهم بشكل أفضل من المشاركة الدبلوماسية الصريحة. وكل من قطر والسعودية يستمر في مناصرة القضية الفلسطينية. أما في ضوء بطولة الفيفا 2020، قام القطريون بالدعوة ولعبوا ضد الفرق الإسرائيلية، والتطبيع الرياضي بينهما يجري على قدمٍ وساق، أما بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل، فإن علاقة قطر الوثيقة مع حماس سهلة الاستخدام أيضاً، حيث شكر الرئيس الإسرائيلي ريفلين بشدة الحكومة القطرية ومبعوثهما الخاص على تسهيل وقف إطلاق النار مع غزة وحماس في وقت قريب من توقيع الاتفاقيات الخليجية مع الجانب الإسرائيلي. لكن مما لا شك أن قطر والسعودية والإمارات كانا على طرفي نقيض في ليبيا وإيران لكنهما تعاونا في سوريا ويمكنهما أن يصبحا شريكين مرة أخرى في إعادة الإعمار.
وتحافظ الإمارات العربية المتحدة على علاقات جيدة بشكل معقول مع طهران على الرغم من أنها ليست متفائلة للغاية بشأن ذوبان الجليد في الخلاف الخليجي ما لم يتم تلبية جميع المطالب. حيث أعربت كل من قطر والإمارات عن استيائهما من اغتيال العالم النووي الإيراني الكبير محسن فخري زاده، وأيضاً إيران تحافظ على صبر استراتيجي على الرغم من أن المبارزات الكلامية كثيرة.
بالنسبة للإمارات، كانت أنقرة المشكلة الأكبر. لكن بُذلت جهود لإيجاد تسوية مؤقتة بين تركيا والسعودية. وبدأت تركيا وإسرائيل أيضاً في الحديث مرة أخرى، كما أظهرت أنقرة وتل أبيب في نزاع ناغورنو قره باغ توافقاً حيث أثبتت قوتهما النارية وتفوق الطائرات بدون طيار أنها حاسمة لصالح أذربيجان.
وعلى الرغم من المواقف العامة المُشار إليها أعلاه، هناك نطاق ترددي تعاوني معين يؤكد أن أي حريق شديد في المنطقة سيكون كارثياً للجميع. وسيكون أكثر فتكاً حيث أن جميع الاقتصادات تمر بتأثير رهيب لـ “كوفيد -19″، فلقد أدت المغامرات والحروب غير المبررة في المسارح الإقليمية مثل اليمن إلى تفاقم المحنة. هناك أيضاً شعور بأن الإدارة الأمريكية القادمة قد تستغل بعض انتهاكاتها المتعلقة بالحوكمة وحقوق الإنسان للعالم السني (مقتل خاشقجي على يد السعودية أو اليمن) حيث ستحاول إصلاح الصفقة النووية الإيرانية ومعايرتها لصالحها. حتى في ظل معارضة دول الخليج وإسرائيل بشدة الاتفاق النووي الإيراني منذ البداية وستستخدمان جهود الضغط للقيام بذلك مرة أخرى. لذلك، من الضروري إبرام الصلح داخل البيت الخليجي اولاً.
لكن هناك عقبة إذ أنه من غير المحتمل أنه مع رفع الحصار جزئياً أو كلياً، سيتم تطبيع العلاقة بين قطر والمجموعة الرباعية بشكل كامل على أساس ثنائي لأن عجز الثقة متأصل وسيتم تجنب التبعيات. فلقد تمكنت الدوحة من التعويم بمفردها من خلال إنشاء سلاسل الإنتاج والتوريد الخاصة بها من خارج المنطقة المجاورة. وبرزت تركيا شريكها الاستراتيجي الرئيسي ودرعها حيث أظهر أردوغان قدرة استثنائية على المناورة وتواصل عسكري دبلوماسي في النقاط الساخنة الإقليمية. وسارعت تركيا إلى نشر 5000 جندي تركي في الدوحة من خلال إنشاء قاعدة لها فيها، عدا الإنقاذ عن طريق الإمدادات الأساسية. يضاف إلى ذلك استثمارات كبيرة جداً للدوحة في تركيا. ومن ثم، فإن تقليص اعتماد الدوحة على تركيا، كونها أحد مطالب المجموعة الرباعية يبدو غير قابل للتحقيق. وقد يكون هذا سبباً في أن الإمارات ليست مبتهجة جداً بالنوايا السعودية للمصالحة لأنها تشعر أيضاً أنه بعد التطبيع مع إسرائيل، قد تعزز موقفها تجاه إدارة بايدن والجمهوريين. وسوف تلتزم البحرين ومصر على نطاق واسع بالنوايا السعودية. وسيكون لكل واحد منهم إصطفافاته ومخططاته الخاصة بالأهداف لتحديد المكاسب والخسائر الاستراتيجية في سياق أوسع.
أما فيما يتعلق بالانفصال عن جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإرهابية، الذين أصبحوا أعداء للأنظمة الملكية، فقد خسرت الدوحة إلى حد ما في هذا الأمر، على الرغم من أن النظام في أنقرة لا يزال المستفيد الأكبر منها. وبالنسبة لأنقرة، من الممكن أن تكون تركيا قد أظهرت أن الديمقراطية والإسلام يمكنهما البقاء جنباً إلى جنب ودعم بعضهما البعض حتى لو لم يجد أسلوب أردوغان في العثمانية الإسلامية قوة جذب كبيرة في الخارج.
أما مصر فلديها خوف واهتمام خاص في التخفيف من تأثير الإخوان المسلمين خاصة وأن شبح مرسي ما بعد الربيع العربي لا يزال يطارد نفسية القيادة هناك. وهذا قد يكون طلب آخر لإغلاق قناة الجزيرة، ومع ذلك ، قد يكون محتواها النقدي ونهجها تجاه الممالك الخليجية الأخرى ضعيفاً. بالنسبة للدوحة أيضاً، من المهم أن ينتهي الخلاف من أجل نجاح مشروعها الأكثر أهمية “فيفا 2020″، بصرف النظر عن حالة الصراع التي يمكن تجنبها. ومع ذلك، فقد تمكنت من إدارة ملفها الدولي بشكل جيد إلى حد ما خاصة مع الولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى لأنها ليست قاعدة أمريكية فحسب، بل إنها تلعب أيضاً دوراً رئيسياً في تنظيم الحوار مع طالبان لتمكين انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان. على هذا النحو، فإن مجلس التعاون الخليجي الموحد سيخدم الولايات المتحدة بشكل جيد بدلاً من الممالك المتنافسة التي قد تقوض ميزتها الاستراتيجية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ حيث برزت الصين كمنافس رئيسي.
هناك أمل في أن يتم التوصل إلى اتفاق مبدئي على الأقل بطريقة تدريجية مع فتح المجال الجوي للرحلات القطرية والتطبيع التدريجي للتجارة. لكن يبدو أن الحكام الإقليميين يتصرفون ببراغماتية حيث تتحرك الديناميكية الجيوسياسية الإقليمية والعالمية بشكل غير متكافئ على محور مختلف. السلام والحوار مفضلان لمصلحتهم. فمن الممكن أن تكون المصالحة قابلة للتحقيق كما عبّر عنها وزير الخارجية السعودي ولكن سيكون من المؤسف أن تتلاشى رمال الأمل هذه المرة أيضاً.
خاص وكالة رياليست – السفير الهندي السابق لدى الأردن وليبيا ومالطا، آنيل تريجونيات.