قال وزير النقل التركي عادل قرة إسماعيل أوغلو إن من الممكن أن ترسل تركيا سفينتها “نانه خاتون” للمساعدة في حل توقف حركة الملاحة بقناة السويس، ضمن محاولات تبذلها أنقرة في الآونة الأخيرة لإصلاح علاقاتها المتوترة مع مصر بعد سنوات من العداء، مضيفاً، لقد نقلنا عرضنا لمساعدة إخواننا المصريين، وإذا وصلنا رد إيجابي منهم، فإن سفينتنا نانه خاتون واحدة من بين السفن القليلة في العالم التي يمكنها القيام بأعمال من هذا النوع”. وأضاف أن أنقرة لم تتلق ردا بعد لكنها على أهبة الاستعداد للتحرك، طبقاً لوكالة “رويترز” للأنباء.
وتوقفت الملاحة في واحد من أشد ممرات الشحن ازدحاماً في العالم منذ يوم الثلاثاء بسبب سفينة الحاويات “إيفر جيفن” التي يبلغ طولها 400 متر. وربما تستغرق جهود تعويمها أسابيع.
محاولات فاشلة
لا تنفك تركيا تكرار محاولاتها استجداء مصر للتقرب منها، في ضوء القطيعة الحاصلة بين الجانبين والتي أخذت مداها في ليبيا، وسط المطالبات المصرية بخروج القوات التركية من الأراضي الليبية وعدم التدخل في شؤونها، فضلاً عن التقارب المصري – الأوروبي في أزمة شرق المتوسط وإنشاء منتدى للغاز بعيداً عن أنقرة، والنقطة الأهم قول القاهرة إنها تريد من أنقرة أقوالاً لا أفعال. رغم ذلك تواصل الدبلوماسية التركية محاولاتها، تارةً من باب الأخوة والتاريخ المشترك بين الشعبين التركي والمصري، وتارةً من باب أن مصر وتركيا قوتين تملكان أطول حدود بحرية على البحر المتوسط، ومن الممكن إجراء إتفاقيات بحرية تفيد الجانبين.
لكن من المهم ذكره أن العلاقات بين الجانبين، ساءت ما بعد حكم الرئيس المصري محمد مرسي، واستلام الرئيس عبد الفتاح السيسي، في السابق ظنت أنقرة أن الصمت الدولي حيال ممارساتها في أكثر من بقعة جغرافية هو ضوء أخضر لها، لكن بسبب العنجهية التي مارستها خسرت اليونان ومن الممكن القول أنها خسرت في ليبيا في حال استمر الاستقرار فيها إلى حد ما، اليوم تحاول أنقرة التعويض عن ملفاتها الخاسرة من خلال التقرب من الدول المعروفة بوزنها الإقليمي كمصر، لتخرج من عزلتها الدولية التي فرضت عليها بسبب أطماعها التوسعية، هذا التحول بشكله العام مثير للريبة لكن الأكيد أنه جاء بسبب سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المنطقة العربية.
انعدام الثقة
لم ينسَ المتابع موقف الرئيس أردوغان في العام 2019 عندما رفض حضور اجتماع مع الرئيس السيسي على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بل أكثر من ذلك، فلقد تجنب لقائه في تجمّع العشاء، حيث كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حاضرا، فعندما رأى الرئيس السيسي على الطاولة، رحل تاركاً المقعد المخصص له شاغراً، ما يعني أن هذا التقارب تحت أي ذريعة لا يمكن الوثوق به لا من مصر ولا أي طرف عربي، تركيا في السنوات الأخيرة لا تبحث عن تحالفات دائمة، إذ جل تحالفاتها قائمة على تنفيذ مصالحها الخاصة، وبالتذكير بالتقارب القطري – التركي واستفادة أنقرة من الخلاف الخليجي في العام 2017، حيث سارعت إلى سحب قطر تحت جناحها رغم أنهم يلتقون من جانب دعمهما لتنظيم “الإخوان المسلمين”، الذي يعتبر العدو التاريخي لبعض الدول، وقدّرت استثمارات الدوحة في تركيا بالمليارات، إضافة إلى الأزمات المتفاقمة سواء في سوريا أو ليبيا ومع اليونان ومع السعودية والإمارات ومع فرنسا.
هذه التحولات السياسية التي فرضها واقع العشر سنوات الأخيرة، عرّى السياسة التركية وكشفها بحيث مهما حاولت وتوسلت أنها تريد أن تتقارب مع أي جهة كانت سواء عربية أو غربية لا يعكس أبداً راحة أو أمان في ظل التمدد التركي الجديد، ما يؤكد هذه النظرية على سبيل المثال لا الحصر، عندما لوحدت أنقرة بعمل عسكري ضد اليونان، اصطف المعسكر الأوروبي إلى جانب اليونان، كذلك الأمر، عندما أعلن أردوغان التقارب من فرنسا، في بداية الشهر الجاري، لكن ما لبثت أن ساءت الأمور مجدداً لحجة التدخل التركي في الشؤون الفرنسية الداخلية، وغير ذلك الكثير.
أخيراً، إن مصر تعلم جيداً المخطط التركي، وتعلم أكثر عن دوره في دول المنطقة ولن تنطلي عليها كل التصريحات المعسولة التي يدلي بها الساسة الأتراك، لأن من يريد الجلوس إلى طاولة المفاوضات وإصلاح مواقفه السلبية عليه أن يبادر لصنع الحلول وتهيئة الأجواء لتحقيق هذا الأمر، أقله في سوريا وليبيا حينها من الممكن تصديق النوايا التركية، لكن يبدو إلى الآن أن الموقف المصري ثابت ولا تغيير فيه، رغم محاولات أنقرة الكثيرة مؤخراً، هل يتم كسر الجليد بين الجانبين؟ ربما لكن يبقى الوضع رهن التطورات الإقليمية والدولية في الملفات المشتركة بين الجانبين.
فريق عمل “رياليست”.