القاهرة – (رياليست عربي): بعد ساعات قليلة انطلاق عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها كتائب “عز الدين قسام”، الذراع العسكري لحركة حماس الفلسطينية، على إسرائيل، تصدرت إيران واجه المشهد الإعلامي، ومع اشتداد وطأة الهجمات وتعقيد تفاصيلها، حدس البعض بأن النظام الإيراني ربما يكون قد ساعد حماس في تخطيط هذه العملية وتنفيذها.
على الرغم من أن ليس هناك أية دلائل واضحة تشير إلى صحة هذه التكهنات، كما أن الولايات المتحدة قد صرحت بأن لا توجد معلومات مؤكدة حول هذه التكهنات حاليًا، فضلًا عن أن إيران قد أعلنت رسميًا أنها ليست ضالعة في تخطيط هذه العملية وتنفيذها، لكن إسرائيل كان لها رأي آخر، فقد قال ممثل إسرائيل في منظمة الأمم المتحدة “جلعاد أردان” Gilad Erdan يوم الأحد 8 أكتوبر، مشيرًا إلى لقاءات مسؤولين إيرانيين مع قادة حركة حماس وحزب الله اللُبناني في بيروت: “من الواضح أنهم كانوا يقومون بالتنسيق معًا”. لم يوضح السفير الإسرائيلي هل يشير إلى لقاءات علنية حدثت في هذه الفترة أم يقصد لقاءات سرية.
كما أفاد تقرير خاص نشرته صحيفة “ول ستريت جورنال” The Wall Street Journal الأمريكية، نقلًا عن مصادر مطلعة في حركة حماس وحزب الله، بأن مسؤولين إيرانيين كانوا يخططون هذه الهجمات في اجتماعات سرية مع قادة حماس وحزب الله منذ عدة أشهر.
وبحسب هذه الصحيفة، فإن قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني اللواء “إسماعيل قاآني” كان حاضرًا في هذه الاجتماعات شخصيًا. كما أشارت الصحيفة إلى لقاءات وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبد اللهيان” المتكررة مع قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين التي تناولتها وكالات الأنباء الدولية بالبحث والتحليل.

وبصرف النظر عن تخمينات تورط إيران في عملية طوفان الأقصى أو حجم الدعم المحتمل لها من قبل فيلق القدس، فإن العلاقات الإيرانية الإسرائيلية تشهد الآن تحولًا جذريًا بعد وقوع هذه العملية؛ وهو تحول ممكن أن تكون له عواقب واسعة النطاق عليهما، وعلى سائر دول الشرق الأوسط.
طوفان الأقصى وإسرائيل
من أهم نتائج هذه الهجمات، تغير المعتقد القائل بإن إسرائيل قوة ضارية لا يستطيع أحد أعدائها في المنطقة توجيه ضربة قاصمة لها، وهو معتقد طالما روجت له إسرائيل من خلال عملياتها العسكرية وآليتها الإعلامية على مدار ما يزيد عن نصف قرن من الزمن، سواء قبل هزيمتها النكراء في حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 أو بعدها.
كما أن الهجمات التي شنتها حركة حماس على إسرائيل، لم تُظهِر أن هذه الحركة تتمتع بقدرات عسكرية أكبر بكثير مما كان يتوقعه البعض فحسب، بل أظهرت أيضًا أن مزاعم إسرائيل المتكررة بأنها قوة “خارقة لا تُقهر” لا تتسق مع الواقع الحالي. حتى لو نجحت إسرائيل في القضاء على قادة حماس البارزين في قطاع غزة، فإن هذا الأمر لن يغير من حقيقة أسر مئات الإسرائيليين وقتل المئات الآخرين على يد المقاتلين الفلسطينيين في فترة زمنية وجيزة.
كان الردع واحدًا من أهم أهداف إسرائيل الدعائية المحددة والمخطط لها بعناية فائقة في إطار قوتها العسكرية وهيمنتها الأمنية والاستخباراتية على الفلسطينيين، وهذا الاعتقاد جعل الفلسطينيين عندما يشعرون بالعجز أمام قوة إسرائيل المزعومة، يضعون مخططات معقدة ومحكمة وواسعة النطاق يشارك فيها آلاف المقاتلين من أجل تنفيذ هجمات جماعية دقيقة تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع.
هذه الاستراتيجية الإعلامية كانت مثمرة على مدار سنوات متتالية، ولم تتوان إسرائيل عن بذل أي جهد في سبيل ترسيخ صورتها وصقلها باستمرار، لذا تواجه إسرائيل أصغر هجومًا عليها أو أقل ضررًا بها من قبل الفلسطينيين برد عسكري شديد العنف والقوة. فإذا توصل أعداء إسرائيل –خاصة تحالف “محور المقاومة”– إلى استنتاج مفاده أن إسرائيل مهددة أمنيًا وأضعف عسكريًا أكثر مما هي تتصور، فإن هذا الأمر من الممكن أن يقوض كل التصورات السابقة عن قوة إسرائيل الرادعة، وأن يكون له أثر غير متوقع على قرارات محور المقاومة فيما بعد.

طوفان الأقصى وإيران
“محور المقاومة” هو تحالف سياسي عسكري غير رسمي يناهض إسرائيل والتدخل الغربي في شؤون دول المنطقة، ويضم كل من: النظامين الإيراني والسوري، وحزب الله اللبناني، والميليشيات الشيعية في العراق، وحركة أنصار الله (الحوثيون) في اليمن، وحركتا حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين.
وتأتي إيران في مقدمة هذا تحالف، حيث تنتهج سياسات تناهض إسرائيل بصورة مباشرة وسافرة منذ أكثر من 4 عقود، أي منذ اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 وقيام نظام “الجمهورية الإسلامية”، حتى إن الزعيم الايراني “علي خامنئي” كان قد قال في تصريح أثار جدلًا واسعًا عام 2015: “إن إسرائيل لن تكون موجودة بعد 25 سنة”.
على الرغم من تصريح الزعيم الإيراني الصريح بمحو إسرائيل من على وجه الأرض، فإن أسباب مثل بُعد المسافة الجغرافية، والمعتقد القائل بإن الجيش الإسرائيلي متطور وقوي، وكذلك الدعم الأمريكي غير المشروط له، جعلت الحرب المباشرة بين إيران وإسرائيل بعيدة كل البُعد عن أذهان الجميع، لهذا السبب اعتبر عدد كبير من المراقبين تهديدات النظام الإيراني نوعًا من البروباجندا الإعلامية تخدم أهدافه السياسية داخليًا وخارجيًا.
لكن مع الوضع الراهن بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إذا تيقنت إيران من أن إسرائيل باتت في خطر داهم ودائم، أو أن حماس تمتلك قدرة كافية على توجيه ضربات موجعة لها، فمن المرجح أن يؤجج النظام الإيراني حربه بالوكالة مع إسرائيل عن طريق دعم الجماعات المسلحة المتحالفة معه والتابعة له في المنطقة بشكل أكبر وأكثر.
على مدار سنوات عديدة وبصورة متكررة، اغتالت إسرائيل عددًا من علماء الذرة الإيرانيين، وسعت إلى إبطاء تطوير البرنامج النووي الإيراني من خلال تدميره. وبالإضافة إلى ذلك، استهدفت عددًا من قوات فيلق القدس والمستشارين العسكريين الإيرانيين في سوريا والعراق. وبناء على ما سبق، غدت قدرة النظام الإيراني على مواجهة إسرائيل موضع تساؤلات، وبالتالي هناك دوافع كافية لدى طهران كي ترد لإسرائيل كل هذه الضربات.

الصراع الإيراني الإسرائيلي
أشارت بعض التكهنات خلال الساعات الأولى من بدء هجمات طوفان الأقصى، إلى أن تقوم إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية محدودة لإيران، مما دفع المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية “ناصر كنعاني” يصرح قائلًا: “إن أي عمل أحمق ضد إيران سيكون له رد مدمر”. ومن الواضح أن هذا التوتر بين الطرفين يمكن أن يصل سريعًا إلى أبعاد أكبر مما نشهده الآن.
بطبيعة الحال، إن إيران وإسرائيل تحترزان بشدة من استعراض قوة كل منهما أمام الأخرى. بالنسبة لإسرائيل، فإن فتح جبهات جديدة والدخول في حرب لن تنتهي سريعًا، هو قرار استراتيجي صعب للغاية، يمكن أن يكون له آثار عميقة على الأجواء السياسية الداخلية للدولة، وأن يقلص من قدرتها الأمنية على حماية مواطنيها مع استمرار هجمات حركة حماس.
أما إيران، فالوضع أكثر صعوبة. على الرغم من أن قطاعًا كبيرًا من الشعب الإيراني متعاطفًا حقًا مع الفلسطينيين، ويشعر بحنق شديد من انتهاك حقوقهم السافر على يد قوى الاحتلال، لكن العلاقة بين النظام الإيراني وشعبه حاليًا لن تسمح مطلقًا بتخصيص مزيد من الموارد الإيرانية من أجل محاربة إسرائيل أو مواجهتها عسكريًا، وفي حالة حدوث هذا الأمر سيسفر عن موجة جديدة من الحراك الثوري ضد النظام.
كثيرون من الإيرانيين على مدار سنوات عديدة قد أعربوا عن رفضهم بسبل مختلفة انتهاج النظام الإيراني سياسات خارجية عدائية تجاه أغلب دول العالم، ويأتي دعم هذا النظام للقضية الفلسطينية معنويًا وماديًا في صدارة هذه الاعتراضات والانتقادات.
فبالنسبة إلى نظام واجه طيلة العام الماضي حراك ثوري عارم وحامي الوطيس، ولا يزال الكثير من الإيرانيين يأملون حتى لحظة كتابة هذه السطور أن يسقطوا هذا النظام من خلال شعار (امرأة، حياة، حرية)، فإن أي شكل من أشكال الحرب أو التغير الجوهري في حياة المواطنين اليومية من الممكن أن يسفر عن عواقب غير متوقعة.
إن النظام الإيراني متهم بأنه ضحى بالمصالح الوطنية لتحقيق أيديولوجياته المغرضة في المنطقة، وجعل من إيران دولة معزولة ومحظورة ومدرجة على رأس قوائم العقوبات الدولية، مما ترتب عليه خلق اقتصاد هش، ورفع معدلات التضخم، وخفض قيمة العملة المحلية، وارتفاع نسب البطالة والفقر، وهجرة النُخب الإيرانية إلى الخارج. والآن بعد مرور عام على قمع المواطنين الأبرياء واعتقالهم وقتلهم على خلفية الاحتجاجات السلمية الأخيرة، فإن قدرة النظام الإيراني على الانزلاق إلى مستنقع صراع عسكري مباشر مع إسرائيل تطرح تساؤلات مهمة، وتثير شكوكًا عديدة.

خاص وكالة رياليست – د. محمد سيف الدين – دكتوراه في الأدب الشعبي الفارسي، وخبير في التاريخ والأدب الإيراني – مصر.