القاهرة – (رياليست عربي): خُبِرت مصر بعديد جهود الوساطات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في العقد الأخير، من أجل إنهاء الاقتتال بين الطرفين سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية أو مدينة القدس، وتُعد الجهود المصرية الحثيثة الجارية من أجل إقناع الطرفين بوقف إطلاق النار، وتهيئة أفضل الظروف الميدانية والسياسية للتوصل لتهدئة طويل الأمد، مثالاً صارخاً في ذلك السياق، وكانت أبرز الاختراقات المصرية في سياق جهود وقف الاقتتال بين الفلسطينيين والإسرائيليين في عام 2012، فبمساعدة دولية، حينئذ نجحت الجهود المصرية الحثيثة في التوصل إلى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في قطاع غزة، وذلك يوم الأربعاء 21-11-2012، وكان الاتفاق نص على أن توقف إسرائيل كافة الأعمال العدائية على قطاع غزة براً وبحراً وجواً بما في ذلك الاجتياحات واستهداف الأشخاص، وفي المقابل تقوم الفصائل الفلسطينية بوقف كل العمليات العدائية من غزة تجاه إسرائيل، بما في ذلك إطلاق الصواريخ والهجمات.
ورغم أن الغالب أن يتم الاتفاق بين المتحاربين وبإرادتهم السياسة الحرة، إلا أنه وفي الآونة الأخيرة وفي الحالات التي من شأن استمرارها تهديد للسلم والأمن الدوليين، نجد أن مجلس الأمن يقوم بإصدار قراراته في شأن حفظ السلم والأمن الدوليين وإعادتهما لنصابهما، وتتضمن مثل هذه القرارات الأمر بوقف إطلاق النار من جانب المتحاربين، ومن أشهر الحالات التي اضطلع فيها مجلس الأمن بإصدار قرارات تقضي بوقف إطلاق النار بين المتحاربين في هذا الشأن في حرب أكتوبر عام 1973، والحرب اللبنانية الإسرائيلية عام 2006.
في السياق ذاته، تعني الهدنة في معناها القانوني اتفاق يتم بمقتضاه وقف عمليات القتال بين الأطراف المتحاربة، وهو اتفاق سياسي عسكري يؤدي غالباً إلى وقف القتال لفترة طويلة نسبياً، مقارنة باتفاق وقف إطلاق النار، وإن كانت الهدنة لا تعني إنهاء حالة الحرب، واتفاق الهدنة عمل ذو طابع سياسي بجانب صفته العسكرية، يلجأ إليه المتحاربون توطئة لعقد الصلح؛ لذلك فالذي يملك عقد الهدنة حكومات الدول المتحاربة ذاتها، ويتولى الأمر في شأن الهدنة وفي تحديد شروطها ممثلون عن أطراف الاتفاق يعينون خصيصاً لذلك، ولا تصبح الهدنة ملزمة إلا إذا أقرتها حكومات الدول الأطراف فيها، وكما تشمل الهدنة وقف جميع العمليات الحربية بين طرفي النزاع المسلح في جميع الميادين، وهو ما يعرف بالهدنة العامة حيث استخدم مجلس الأمن مصطلح الهدنة العامة في قراره بتاريخ 16 نوفمبر عام 1948 بشأن الحرب الإسرائيلية العربية، وقد تقتصر الهدنة – أيضاً- على مناطق معينة وهي ما تعرف بالهدنة المحلية، وعادة ما يحدد للهدنة أجل تنتهي بانقضائه، ويكون لكلا الفريقين المتحاربين العودة للقتال إن لم يتفقا على الصلح.
ميدانياً يُعد ضرباً من الأوهام التوصل لهدنة طويلة الأمد بين إسرائيل وحماس، دون كسر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، وهنا فأي حديث عن الهدنة لا يعدو إلا تجاهل للواقع والماضي والمستقبل الذي يحكم العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية التي لم تفلح اتفاقيتي أوسلو في ضبطها أو حتى ترشيدها، فقد سبق أن اتفقت حماس وإسرائيل على هدنة بوساطة ورعاية الإستخبارات المصرية في فبراير عام 2020، ولكن لم يتم تنفيذها وفق الجدول الزمني المتفق عليه.
أما اتفاقات التهدئة أو منع التصعيد للعمليات العدائية العسكرية بين المتحاربين، فيمكن اعتبارها الإتفاقات الأسرع التي يتم التوصل لها برعاية وسيط دولي كما في الحالة المصرية، وتتضمن هذه الطائفة من الإتفاقات التي شاع اللجوء إليها في مناطق النزاع المسلح، جملة من الإجراءات الأولية التي يمكن أن تفضي في معظم الأحوال إلى اتفاق وقف إطلاق النار أو اتفاق الهدنة بين المتحاربين، وتطبيقاً على الحالة الفلسطينية الإسرائيلية، يمكن اعتبار الوقف المتبادل لإطلاق الصواريخ بين الطرفين فضلاً عن تبادل الأسرى والمعتقلين والمخطوفين، أهم الإجراءات التي تهدف لخفض التصعيد ” التهدئة ” بين الطرفين.
تٌعرّف إتفاقيات وقف إطلاق النار بأنها “الاتفاقات، التي ييسرها طرف ثالث، والتي تُحدد القواعد والطرائق لأطراف النزاع لوقف القتال “. ومع ذلك، للوصول إلى وقف إطلاق النار فإن أطراف النزاع والوسطاء والأطراف الثالثة يمكن أن يمروا في كثير من الأحيان باتفاقية “وقف الأعمال العدائية” الأولية، ولكن الأخيرة عادة ما تكون أقل رسمية وتفصيلاً، كما يتضح من حالة الاتفاقية التي طبقت في سوريا في ربيع عام 2016، ومؤخراً، بدأت “قواعد السلوك” في الظهور كآلية أخرى تقليل وتنظيم استخدام العنف بين الأطراف المتحاربة.
حتى عام 2012 ، كانت هناك سابقة دولية واحدة فقط حيث وقعت أطراف النزاع مدونة سلوك متبادلة تنطبق على قواتهم، وهي “مدونة قواعد السلوك لوقف إطلاق النار المؤلفة من 25 نقطة المتفق عليها بين حكومة نيبال والحزب الشيوعي النيبالي (الماوي)” في عام 2006، التي تضمنت بعض عناصر وقف إطلاق النار، و تم استخدام هذا النهج لاحقاً كنموذج في ميانمار، حيث ساعد المستشارون الدوليون الأطراف على الاتفاق على قواعد مشتركة للاشتباك ومبادئ عامة ترشد علاقتهم بالسكان المدنيين وإطار مراقبة مشترك.
في السياق الإسرائيلي الفلسطيني، قد تنظر أطراف النزاع في وقف إطلاق النار لأسباب تكتيكية وكذلك استراتيجية، وهذا المنطق يعد مفتاحاً لفهم التسوية السياسية التي قد تكون الأطراف على استعداد للنظر فيها عند التفاوض على تفاصيل اتفاق السلام النهائي، وحين يتيقن أطراف النزاع أن اتفاق وقف إطلاق النار المبرم لن يقود إلي عملية سياسية شاملة، هنا قد تحتاج الأطراف إلى وقفة لإعادة إمداد مقاتليها أو قد ترغب في التأكد من قيادة الطرف الآخر وسيطرته على قواته.
هناك العديد من الضمانات التي يلزم توافرها من أجل استمرار وفاعلية اتفاق وقف إطلاق النار بين المتحاربين، وتشمل هذه الضمانات المجالات الأساسية الخمسة الآتية:
أولاً: تعريف وقف إطلاق النار نفسه (المنطقة التي ينطبق عليها في حالة وقف إطلاق النار المحلي، ومتى وكيف يبدأ نفاذه) وما الذي يشكل انتهاكاً لإتفاق وقف إطلاق النار، والتعريف المشار إليه لا مشاحة سيكون له تداعيات مهمة في مرحلة التنفيذ، عندما يبحث المراقبون عن ما إذا كانت حوادث معينة تعتبر انتهاكات.
ثانياً: تدابير خفض التصعيد لتقليل الاحتكاك بين المقاتلين في الميدان، كما يمكن أن يتضمن وقف إطلاق النار “خطوط سيطرة”، مناطق منزوعة السلاح ومناطق عازلة.
ثالثاً: الترتيبات التفصيلية لرصد تنفيذ وقف إطلاق النار، والتي ستتضمن أحكاماً للإبلاغ عن الحوادث والتحقق منها وتسوية النزاعات، وغالباً ما يقوم بذلك جنود حفظ سلام مسلحون أو مراقبون غير مسلحون، وقد تتكون فرق المراقبة من مراقبين وطنيين (على سبيل المثال، مراقبو “بانتاي لوقف إطلاق النار” في الفلبين)، أو مراقبين دوليين حصرياً – وهو ما يميل إلى أن يكون القاعدة في بعثات حفظ السلام – أو مزيجاً من الأعضاء الدوليين والوطنيين، وتشير أفضل الممارسات إلى فوائد السيناريو الأخير، بإشراك أطراف النزاع أنفسهم كأعضاء وطنيين في إطار مراقبة وقف إطلاق النار (كما كان الحال في جبال النوبة في السودان، وبعد ذلك في نيبال).
يشار إلى أن إسرائيل تكاد تكون الدولة الحصرية التي ما فتئت ترفض اشتراك أي بعثات أممية ترسلها المنظمة ومن أي نوع لمراقبة اتفاقات حفظ السلام أو اتفاقات وقف إطلاق النار أو الهدنة، والتي تكون إسرائيل طرفا فيها، منذ حرب السويس عام 1956، حين رفضت إسرائيل تواجد قوة الطوارئ الأولى للأمم المتحدة في صحراء النقب.
رابعاً: تشكل الخرائط والأطُر الزمنية التفصيلية للتنفيذ بشكل متزايد جزءاً من اتفاقيات وقف إطلاق النار، لاستباق مجموعة من القضايا التي يمكن أن تنشأ في مرحلة التنفيذ، وتعد ملاحق اتفاق وقف إطلاق النار في جبال النوبة، مثلاً يحتذى في هذا السياق.
خامساً: الأحكام المحددة السياق والتي تتعلق بالإفراج عن أسرى الحرب والمعتقلين، وإزالة الألغام، والوصول إلى المساعدة الإنسانية في مناطق النزاع وتسليم جثامين القتلى.
خاص وكالة “رياليست” – د. أيمن سلامة.