موسكو – (رياليست عربي): فلاديسلاف سوركوف، هو أحد قادة روسيا في أواخر التسعينيات، إلى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، اعتبره المجتمع في مرحلة ما أقوى شخص في روسيا، والرجل الثاني بعد الرئيس فلاديمير بوتين.
فلاديسلاف سوركوف، لم يكن يُعتبر كاردينالاً عادياً، لقد كان إمبراطوراً فذاً، (اعتبره الغرب شيطان الكرملين، والمسؤول الرئيسي في تغيير المسار السياسي لروسيا)، ورغم هذه الميّزات، وبدون سبب واضح، فقد نفوذه وسلطته، وتحول إلى رجل متقاعد فقد منصبه رغم كل ما كان يتسم به خاصة دوره القوي، ما يجعل هذا الأمر غريباً، لكن القوة المركزة في يدي سوركوف أكبر من أن تُكتسب أو تُفقد هكذا بشكل عرضي، فحياته المهنية تحمل نوعاً من الغموض، وفيها لغز كبير، فما الذي حدث؟
صعود سوركوف لا يحمل أي غموض، أصبح شخصية ثقافية مبدعة وكان رئيس قسم الإعلان في مركز البرامج العلمية والتقنية المشتركة بين القطاعات التابع لمؤسسة مبادرة الشباب التابعة للجنة منطقة فرونزي في كومسومول، والتي كان يرأسها ميخائيل خودوركوفسكي، عندما أصبح خودوركوفسكي وعدد من رجال الأعمال الآخرين من كومسومول في موسكو أوليغارشية، رشحوا سوركوف إلى الإدارة الرئاسية، في ذلك الوقت، كان الحدث روتينياً، حاولت جميع المجموعات المالية إدخال أفرادها إلى السلطات، أولاً وقبل كل شيء، في الإدارة الرئاسية.
لكن ما حدث بعد ذلك هو شيء خارج عن المألوف تماماً، سوركوف، الذي لم يكن في السابق جزءاً من حاشية يلتسين وبوتين، احتكر عملياً تشكيل الفضاء السياسي، فقد كان هو الذي حدد كيف يجب أن تبدو الأحزاب السياسية ونوع التحالفات التي ستكون بينها، سرعان ما اختفت أحزاب حقبة ما قبل سوركوف، باستثناء الحزب الديمقراطي الليبرالي والحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية.
أصبح سوركوف عملياً تجسيداً للفضاء السياسي الروسي، وقد سُمح له، وهو شاب لم يكن معروفاً، ليتحول بعد ذلك إلى سوركوف الغامض – كلي القدرة ولا يمكن تفسيره، لقد أخذ على عاتقه قضايا التفاعل بين السلطات والصحافة، نظراً للتأثير على الناس من خلال شاشات التلفزيون، سوركوف هو الذي حدد إلى حد كبير نظرة الروس للعالم، وهنا أصبحت قوته بلا حدود، وأصبت الأعين كلها حوله لمعرفة تفاصيل البلاد، خاصة وأنه بدا أقوى مما كان عليه، لقد أظهره الإعلام كما لو كان إلهاً، وهو بالنسبة للإعلام كذلك.
من ولماذا سمح لسوركوف بتركيز هذه القوة في يديه؟
رغم تمتعه بهالة كبيرة من الشهرة، لكنه فقد ذروته في السلطة بعد أن أصبح سياسياً فذاً، وبعد جلوسه على كرسيه لمدة 13 عاماً، انهار سوركوف فجأة ودخل في نقاش مع فلاديمير بوتين وفقد منصبه، وحظي بآخر لا يقل أهمية وهو رئيس جهاز الحكومة، وبعد مدة عاد إلى الإدارة الرئاسية ثم فجأة يصبح مساعداً للرئيس، ومسؤولاً عن جنوب القوقاز، ثم العلاقات مع أوكرانيا، لكن بعد فترة ترك السلطة أخيراً وأسدل الستار، انتهت رحلته المهنية، في وقت من يتابع تسلسل الأحداث معه والتي تبدو غير منطقية، صعود لا يمكن تفسيره ونفس السقوط الذي لا يمكن تفسيره.
وفي هذا الإطار، لا يوجد ما لا يمكن تفسيره، السمة المميزة الرئيسية لسوركوف هي الإبداع، هو في جوهره شخص مبتكر، سوركوف هو مخرج ومبتكر يحول الفضاء من حوله إلى تصميمه الخاص، ومثل هذا الشخص كانت هناك حاجة ماسة إليه من قبل رجال الأعمال الروس، لقد أدرك الجميع أن هذه الظاهرة الجديدة مثل الشركات الروسية الكبرى لا تحتاج فقط إلى العلاقات العامة، بل إلى صفة شرعية أيضاً، كان من الضروري إقناع المجتمع ليس أن هذه الشركة أو تلك تنتج أفضل منتج وتحتاج إلى شرائه، ولكن أن الأعمال التجارية الروسية لها الحق في الوجود بشكل عام، وأن ظهور الأعمال التجارية الكبيرة أمر معقول ومبرر ويفيد المجتمع.
لحل هذه المشكلة، من الواضح أن طرق وأساليب الإعلان التقليدية لم تكن كافية، وهنا كان سوركوف قادراً على تقديم الحلول، منها، حملة إعلامية شاملة، وأداء واسع النطاق، والتي يتم لعبها في الحياة الواقعية، ولكن وفقاً للواقع المعاش، نجاح هذا الأداء كان محدداً مسبقاً لانتقال سوركوف إلى الخدمة العامة، بعد أزمة يلتسين، كان على الدولة الروسية إقناع الشعب بفعاليتها، وبالتالي شرعيتها، وهنا كان لا غنى عن سوركوف، حيث تم تنظيم مشهد جديد مع ظهور ونضال أحزاب جديدة، والعمل النشط للإعلام والنشاط السياسي للمجتمع.
نتيجة لذلك، لم يقبل المجتمع الصورة التي اقترحها فحسب، بل شعر أيضاً بملكية ما كان يحدث، وهو نتيجة أداء موهوب على مراحل.
في ضوء ما تقدم ، ليس من المستغرب على الإطلاق أن يكون سوركوف فوق الإعلام، فإن الوسائط في هذه الحالة هي الأدوات المستخدمة في الأداء، كما أن قدرة سوركوف المطلقة مفهومة تماماً، خاصة قدرته على إخضاع كل القوانين، وهناك سمة أخرى لسوركوف وهي، نشاطه النظري، فبعد أن أنشأ نظرية الديمقراطية السيادية، لم يشكل العالم فحسب، بل وشرحه أيضاً، وبالتالي أجبر الآخرين على قبول هذا العالم، من حيث المبدأ، لا يقوم المسؤولون من هذه الرتبة بعمل نظري، هذا غير مقبول، لكن حقيقة الأمر أن سوركوف ليس شخصاً عادياً، بل فناناً مبدعاً، كمخرج، يتفاعل بين العمل وقدرته على الأداء الذي يعرف كيف يسوّقه، ونتيجة هذا التفكير هي عمله النظري.
وهكذا، أصبح سوركوف شخصاً مؤثراً على وجه التحديد لأن الدولة كانت بحاجة إلى علاقات عامة استراتيجية، لكن لم يفهم أحد كيف يقودها، سوركوف، كشخص مبدع، وجد الحلول، وبالتالي خلق مشهد سياسي جديد، رغم أنه لم يكن في الأصل جزءاً من الفريق، لكن لقوته في الأداء عرف تماماً كيف يصل، فقد قبله الفريق معه ومنحه السلطة الكاملة، وعندما استخدم هذه القوى، وضع قواعد اللعبة، أصبح (أو بدأ في الظهور) كلي القدرة، ولكن إذا كان الأمر كذلك، فلماذا سقط؟ هل بسبب تعاليه؟
بمجرد إنشائه هذه القدرة الكلية، لم تعد هناك حاجة إليه، رغم اعتقاده أنه من غير الممكن الاستغناء عنه، وكونه مبدعاً، فقد انتهك باستمرار قواعد سلوك المسؤول، ونتيجة لذلك، عارض نفسه للكثيرين ودخل في نهاية المطاف في نقاش عام مع الرئيس، وهو ما كان العامل الإضافي الذي ربما قضى على مستقبله المهني، لأن شخصيته المبدعة لا تتحمل الرتابة، نتيجة لذلك، غير موقفه وركز على ديمتري ميدفيديف، مما أضعفه (سوركوف) أكثر.
لقد منح ميدفيديف منصباً رفيعاً في الحكومة لسوركوف (رئيس الجهاز الحكومي هو في الواقع الشخص الثاني في مجلس الوزراء)، لكنها كانت مجرد وظيفة روتينية، وكان سوركوف في غير محله، ثم وجدوا منصباً إبداعياً ولكنه ثانوي لمساعد الرئيس في جنوب القوقاز وأوكرانيا، كذلك لم يمكث طويلاً، وكانت هذه نهاية مسيرته.
إلا أنه لا يستطيع أن يدخل السياسة، إلا من البوابة الليبرالية، لكن بالنسبة لمؤلف فكرة الديمقراطية السيادية، هذا مستحيل، القصة أنه طوّر نظريته وأفكاره، لكن الزمن يغير من قوة وشدة ذلك، ليصبح زائداً عن الحاجة، سوركوف هو رمز لتلك الفترة القصيرة عندما كان النظام السياسي الروسي (المسرح السياسي) يستقر للتو ويحتاج إلى أشخاص مبدعين، لكن عصر التكوين هذا لم يدم طويلاً، فقد مر زمن سوركوف أيضاً، هو لم يتغير، الذي تغير هو الزمن.
خاص وكالة رياليست – ديمتري جورافليف – مدير معهد القضايا الإقليمية – موسكو.